keyboard_arrow_up
keyboard_arrow_down
keyboard_arrow_left
keyboard_arrow_right
برنامج-تدريبي-عن-تجربة-العميل cover



Table of Contents Example

برنامج تدريبي عن تجربة العميل


  1. التجنيد الغامض
    1. اللقاء الأول مع المنظمة السرية
    2. اختبار القدرات والمهام البسيطة لجاسم
    3. القائد سليمان ورؤيته لمستقبل جاسم
    4. جاسم يتعرف على يزن ويبدأ تدريباته
    5. تعلم مهارات التجسس الأساسية والتنكر
    6. حل ألغاز ومهام معقدة لإثبات الذات
    7. تكوين علاقات وإنشاء شبكة معلوماتية
    8. التطور الشخصي ونضوج جاسم بمرور الوقت
    9. نشوء مشاعر القلق والشكوك حول الولاء
    10. تحديد هدف جاسم وتحقيق المهمة الأولى
  2. تدريب العميل الجديد
    1. التعرّف على المركز التدريبي والبيئة المحيطة
    2. أول لقاء بين جاسم ومدربه يزن المقدادي
    3. بداية التدريب: تعلّم مهارات التخفي والسرية
    4. التدريب على استخدام التكنولوجيا والأدوات المتطورة
    5. تعلّم فنون القتال والدفاع عن النفس
    6. تطبيق التعليمات النظرية في مهام وهمية
    7. مواجهة صعوبات التدريب والتأقلم مع البيئة الصعبة
    8. ترابط جاسم مع المجموعة وبناء الصداقات
    9. نهاية فترة التدريب وتوجيه جاسم لأول مهمة
  3. البعثة الأولى والنجاح المر
    1. التوجيه للمهمة الأولى
    2. التحضير قبل انطلاق البعثة
    3. التسلل إلى البلدة الساحلية
    4. التقاء فاطمة والتعاون المشترك
    5. التصادم مع حكومة الظل والتحدي المفاجئ
    6. إيلاء الموهبة الخفية لجاسم وتجاوز الصعوبات الأولى
    7. لقاء أعضاء حكومة الظل الآخرين وتبيان المخطط الغامض
    8. تدبير خطة لإيقاف حكومة الظل واقتراب النجاح المر
    9. نجاح البعثة والعودة للمنظمة السرية
  4. الصداقة الغير متوقعة
    1. لقاء الشخصيات الرئيسية
    2. تبادل الشكوك والأهداف المتشابهة
    3. التعاون المشترك في مهمة خطيرة
    4. تقدير جاسم لمهارات فاطمة الإعلامية
    5. الكشف عن أوجه القوة والضعف لدى الشخصيات الأخرى
    6. تطور الثقة المتبادلة بين جاسم وفاطمة
    7. إيقاف مؤامرة حكومة الظل بفضل المعلومات المشتركة
    8. إعجاب بعض أفراد المنظمة بتعاون جاسم وفاطمة
    9. التعاطف بين جاسم وفاطمة للضحايا الأبرياء للإجراءات السرية
    10. تحدّي جاسم وفاطمة للصعاب والمخاطر المشتركة
    11. اكتشاف جانب جديد من الأخلاق الشخصية لجاسم وفاطمة
    12. تعزيز الصداقة والتحالف بينهما في سبيل تحقيق العدالة
  5. التضحيات والألغاز
    1. المكالمة الغامضة واكتشاف الرمز
    2. تأملات جاسم حول الهدف وخلفيته
    3. جمع المعلومات والبحث عن القطع المفقودة من اللغز
    4. تعزيز التعاون مع فاطمة لإنجاز المهمة
    5. رابطة حكومة الظل المحتملة وتوتر العلاقة مع المنظمة السرية
    6. خطة الأعداء واتجاهات حكومة الظل
    7. تضحيات جاسم الشخصية من أجل مهمته والكشف عن الألغاز
    8. لقاء مع عميل متورط في حكومة الظل وتجميع المعلومات الأخيرة
    9. مواجهة حقائق مريرة حول حكومة الظل وماضي المنظمة السرية
    10. تأملات جاسم حول مستقبله كعميل سري وثقته في المنظمة
    11. انطلاقة جديدة والتفكير في خطة التحرك القادمة
  6. الخيانة المدمرة
    1. كشف الخيانة
    2. صدمة جاسم وشعور الخيبة
    3. تحقيق جاسم في المتورطين
    4. مواجهة فاطمة واكتشاف دورها
    5. محاولة الفهم والتسلل إلى حكومة الظل
    6. صعوبة التأقلم الجديد كعميل مزدوج
    7. الشكوك حول المنظمة ويزن المقدادي
    8. مفاجآت مروعة تكشف حقائق مدمرة
    9. قرار جاسم الصعب وخياراته المحدودة
  7. الهروب والكشف
    1. الهروب البارع من المنظمة السرية وتزايد الجنون
    2. التلاعب الطفيف في البلدة الساحلية
    3. علاقة جاسم وفاطمة تتضح مع الكشف
    4. تجربة جاسم للحياة داخل حكومة الظل والتحديات المترتبة
    5. القطيعة مع المدرب يزن المقدادي والتأكيد على الولاء
    6. أزمة الثقة بين سليمان الجميل وجاسم
    7. اكتشاف مخطط حكومة الظل وكشف ميرا شرف الدين
    8. محاولة التوسّط بين المنظمة السرية وحكومة الظل
    9. تحديد الهدف النهائي للنزاع وتدشين بداية النهاية
  8. الاتحاد مع العدو
    1. لقاء عرضة مع العدو
    2. تأكيد الهويات وتبادل المخابرات
    3. التعاون السري بين جاسم وحكومة الظل
    4. الخطة المشتركة لإسقاط قائد المنظمة
    5. تصعيد الصراع بين المنظمة وحكومة الظل
    6. فضح الخيانة المشتركة لفاطمة
    7. استدراج العدو إلى منطقة مظلمة
    8. المواجهة النهائية بين جاسم والقائد
    9. تحول جاسم لمصلحة المنظمة
    10. موت العدو وتأسيس تحالف جديد
  9. مواجهة الماضي
    1. استعادة ذكريات الماضي
    2. البحث عن الحقيقة المفقودة
    3. صداقات وحروب الماضي
    4. تعلم من الأخطاء القديمة
    5. التغلب على الندم والشك
    6. التقاء ظلال الماضي
    7. الإقتراب من الكشف عن السر
    8. تطويق حكومة الظل
    9. مواجهة الحليف القديم في حكومة الظل
    10. النجاة والخلاص من آثار الماضي
  10. الإحتكام إلى المواهب الخفية
    1. استدعاء المواهب الخفية
    2. التحكم في العاطفة واستغلالها
    3. استخدام النفوذ لكشف المعلومات
    4. تطوير استراتيجيات مكافحة حكومة الظل
    5. الجانب الإنساني لجاسم: التوازن بين العمل والشخصية
    6. لقاء فاطمة: التعاون للوصول إلى الهدف المشترك
    7. تعزيز التكتيكات الجديدة والتغلغل في حكومة الظل
  11. الانتقام والسعي للعدالة
    1. الكشف عن خطط انتقامية
    2. مواجهة الماضي والتحرّر من ذكريات مؤلمة
    3. جاسم وفاطمة يتحدون لتنفيذ الانتقام
    4. استغلال معلومات سرية للوصول إلى حكومة الظل
    5. المواجهة النهائية وتفجير اسرار حكومة الظل
    6. الكشف عن وجهة نظر جديدة للعدالة
    7. تأسيس علاقة جديدة بين المنظمة السرية وجاسم
  12. النهاية والبداية الجديدة
    1. خروج جاسم من مواجهة يزن المقدادي
    2. تفكيك حكومة الظل بفضل جهود جاسم وفاطمة الهاشمي
    3. تجاوز أزمة الخيانة والهروب وتجديد الثقة بين جاسم والمنظمة السرية
    4. مواجهة جاسم لميرا شرف الدين وكشف حقيقته كعميل سري
    5. الرفض النهائي لجاسم لأفكار حكومة الظل والتزامه لقيمه الأخلاقية
    6. عودة جاسم إلى المنظمة السرية وتقديم جميع المعلومات عن حكومة الظل
    7. عقد جاسم لتحالف مع سليمان الجميل لتدمير حكومة الظل وتأمين البلدة الساحلية
    8. مشاركة كافة العملاء السريين في العملية النهائية لتفكيك حكومة الظل
    9. التأمل في الأحداث الماضية وتطلعات جاسم لمستقبله الجديد بعد هذه النهاية
    10. بداية مرحلة جديدة من حياة جاسم وتعيينه في مهمة جديدة مع المنظمة السرية

    برنامج تدريبي عن تجربة العميل


    التجنيد الغامض


    في اللحظة التي وقف جاسم على عتبة الباب الموصد بالصدأ، كان يشعر ببرد لا مفر منه لم يعد قادراً على تذكر منذ متى زرع الخوف فجأة في معتقلات قلبه. رفع نظره ورأى جدار البناء الضخم الذي يغطيه العفن وتسللت إليه الشكوك. يظن أنه في هذا المكان اليائس سيجد الطريق نحو أمانه المنشود. علق قلادة القدر على جيد جاسم وهو يلاحظ ذلك بلمحة عيونه المترددة، إلا أن الزمن لم يغفر له تلك اللحظة الفارغة من اللهفة.

    "هذه هي اللحظة المناسبة لإظهار جدارتك، جاسم" قال لنفسه قبل أن يدق الباب القديم، مستعداً للاندماج في عالم المنظمة السرية.

    فتح الباب أمامه بينما كان جسده يرتعد كالستارة تترنح تحت هبوب الريح. وقف أمامه رجل ضخم يرتدي ملابس سمراء متهالكة وقام بودود بإشارة له لكي يدخل. على الفور شعر جاسم بوزن ضباب من الغموض والشكوك يتدلى على كتفيه. بينما تقدم في الممر الضيق المظلم ، لم يستطع أن يتوقف عن سرده للتساؤلات االتي تدور في عقله واللي تهيمن على كيانه الجديد.

    وهكذا ألقي بين أيدي مرشديه الغامضين والمربين الذين كانوا سيعيدون بناءه قطعة قطعة حتى يستفاق كل ذراته اللاواعية في يقضة من الرغبة والجشع. قال له واحد من المربين بصوت قلق.

    "من الجيد أنك وصلت إلى هنا لتكون مواطن في مملكتنا الحيدة والعزيزة على قلوبنا. لديك الموهبة والجرأة لتصبح سر المفاتيح الذي يكشف عن الأسرار المدفونة جميعًا في مناطق الظلام. ومع ذلك ، يجب أن تؤدي اليمين القدير التي تعقد في قلبك وواعدني بأنك لن تبوح سراً أو تضع مصالحنا تحت أية شكوك تصادفها في حياتك اليومية".

    ووقف جاسم للحظة، يشعر بالتشابك بين الحقيقة وأوهامه في سراديب تعزيز الولاء. أقسم بصوت متلون بالحقد والخوف على أنه سوف يكون القدوة الفريدة والكبرى للتجنيد الجديد.

    في الوقت الذي أقسم جاسم أمام وعيه المثقل بالقيود حول مستقبل الإيلاء وشموخ الولاء، دار كل نص المكتوب حوله دون وجوده وأبقى مسافة من الواقع الذي أرهق تفكيره الرهين بمنظمة لا يعرف عنها سوى اقتراب الوهم.

    اللقاء الأول مع المنظمة السرية


    كانت المدينة تحتجب مغيمة بضباب كثيف. بينما كان جاسم يسير بخطوات ثابتة ومنتظمة في الشوارع المظلمة والعاصفة، لا يستطيع منع نفسه من التفكير في التغير المفاجئ في حياته. منذ لحظات، كان حياة جاسم بسيطة وعادية بشكل مريح ومؤكد إلى حد ما. لم يستطع أن يتخيل ما الذي جعله يوافق على لقاء مع هذه المنظمة السرية، التي لم تكن على راداره من قبل. كان شعوره غامضا - مزيج من الفضول والرغبة بإثبات النفس، مدفوع بإحساس محموم بأن هناك أفضلية لتحدي هذا القالب الذي تآكلت فيه حياته.

    عندما وصل جاسم إلى المرفأ غير المضاءة، المكان الذي تم تحديده كموقع للقاء، قال له تلميذة تضع قبعة سوداء " استعد! سيصل قريبًا" استعد جاسم واصطف مستعداً للقاء مع ناظر المدرسة الذي تجنده في سرية طالما أصر على معرفتها.

    فتحت السفينة البعيدة قطر السرتها باهتثام طويل ساحرا ، التي ايقظت جميع روابط المدينة الساكنة كان صوته في تردد ، مرة أخرى قبل أن يصمت الجو . وقف جاسم هنا، مندهشًا من زمامير الضباب التي تتلاشى - كأنها تتراوح بين الدوações في عقله – طور صعوده المتسارع والطارئ في القلم.

    خرج رجل من الظلال، يرتدي معطف أسود طويل مع قبعة كبيرة تخفي وجهه إلى حد ما. بدأ في الكلام بصوت منخفض وخشن.

    "تعال في المقدمة وودع العالم الخارجي وراءك فالظلال ستحملك بقوة قدر قوة إرادتك. تريد تغيير حظك القديم، جاسم؟ ستجد السبيل نحو الطموح والتوقى يوماً مصقولاً".

    تردد جاسم في البداية ، لكن شعر أخيرًا بشيء من الإشاعة والشجاعة يسري في عروقه. رفع فمه إلى الأعلى وعينيه تتقصي في النجمة الوحيدة في السماء متلونة المعتم والمعزولة قائلاً:

    "لدي شغفٌ قوي بأن أعرف من سألتقي من شأنه إحداث تأثير كبير في حياتي، مثل استبدل كل لون يأتي لي في القلب والشعور بأن حياتي ليست سوى وقت مضيعة. أرجوك دعني، لأبداً رحلي نحو الأعمال الفاعلة والكبرياء ونحو الهدف الذي لم يدور بالخيال البشري".

    "انا أولئك ؟ " طرح الرجل الغامض في الضلام " لم أرَ أبدًا من يتوجه إليّ بحنق شديد يطمس راحت الأمان التي لطالما التئمت حوله ليحمي من ظلائع الخوف ".

    وعلى أثر ذلك تلاشى الظلام الكثيف وأتت الأضواء البراقة من حيث لا يتوقع، علق قلادة القدر على جيد جاسم وهو يلاحظ ذلك بلمحة عيونه المترددة، إلا أن الزمن لم يغفر له تلك اللحظة الفارغة من اللهفة.

    اختبار القدرات والمهام البسيطة لجاسم


    توقفت جاسم أمام الباب المبهم. كانت الرسالة واضحة: على نائب النظام العام تجاوز هذا الاختبار المدهل للقدرات الفردية. مهما كان الأمر ، لا مجال للاعتراف بالفشل.

    فتح الباب ليدُشّ إليه مستعراً على أملةٍ مكاوية ترهقه ، كان الباصّ، كلأب شکی الُحظ، مر ر صه يه ، وقد نال النتيجة المتوقعة بسخاء.

    "أرجوك أيها الباصى الغامض" بدأ جاسم بنبرة متوسلة، "أشعر بأننی أُجني عن طاقاتٍ كبيرة تنبعث من داخليّ، ولا يسعني إلا أن أؤدي الأدوار ذات التأثير الموروث. أعطني مهمة بسيطة لتجربة قدراتي الفنادق وأظهر لك الابداع جريحاً ".

    همس الباصىّ بصوت مكتوم بغير إحسان: "إجتناب مقربيّ"، وفى الحال انقشع طارٌ عن مكانه ليترجم اصطفاف الخوف على جاسم. لكن على الرغم من هذه الاحتكامات الغازّية، لم يهتز جاسم، بل عازم في خضم الذهول على إجتياز هذا التحدي وأداء المهمة بشدّة.

    ساحب الحروف إلى أعماق التأويل، ترك جاسم الظلول المرعبة لترصد خطاه المتهالك، ظل ساقيه ترتجلان الضباب فى القاع، على شفير الفروة المظلمة. استنشق جاسم معؤوب الأصمعي ، وتأنب عليه بالغشارة المفزعة، غير مدرك أن كل خطوة تأخذه أكثر إلى هاوية غير مألوفة.

    فجأة وبدون سابق إنذار، تحولت الظلمة إلى نور باهر ، ثم حوادث غير مستطيعة. تصدى جاسم استج.statusCode أول مهمة قد قام بها في حياته، استعراض مهمة سحب الاصطفاف المبnezemliches gegenübers وقهر التعصب الرأي والحجة.

    مع الشمس التي تخترق شقوق الظلام، اتي انسياقه لحظة الحقيقة والإدراك المتعلقة بالمهمة البسيطة: عناق جاسم، نجم المنظمة الصابكة الآتية وصراخه في الفرو الأفینیا. داخل هذه القُنّة التي لا يلبث أن يسقط فيها ، عاش جاسم تجربة إكتشاف قدرة جديدة جعلته ينتظر الفرصة لوداع هذا النزوة المهينة.

    بينما يتأمل في مستقبل تجربة العميل وتحركاته المتهابة، مرّ جاسم بسلوك البداية، حيث يعود كل شيء إلى نقطة الانطلاق واليقين. مع كل لهفة يستنشقها في عالمة المثابرة الجديد الآتي، لا مجال للتراجع. وفي تلك الأثناء المجهولة بين الحارة والحارة، بدأت تجربة العميل الأولى بحق تحت مظلة الشكوك والأحلام المنشودة.

    القائد سليمان ورؤيته لمستقبل جاسم


    بفضل جهوده الجبارة تمكن جاسم من إثبات نفسه أمام المنظمة السرية أفرادها وقادتها بآنٍ واحد، كان دون شك بأنه الموهبة النادرة التي ينتظرها القائد سليمان الجميل لتحقيق رؤيته للمنظمة وأهدافها الكبرى.

    جلس جاسم على كرسي بالقرب من النافذة، يهمس أوراق رسالة هامة من سليمان، وهو يتأمل الزقاق المعتم الذي يداهن ساقية من أمل. لم يستطع أن يكبت اهتزازات قلبه من شدة الترقب والقلق. هنا جاءت الكلمة التكليفية لأول مهمة، هنا أطلق سراحه لواقعية لا مفر منها. لم يكن هناك متسع للتراجع.

    بخطوات متثاقلة، وجه جاسم خطاه نحو مكتب سليمان الجميل، ذلك الرجل الكبير الذي بالغ الستين من عمره ولا تزال عيونه تضيء بنار الحماس وعزيمة لا تلين. لقد تعلم جاسم الشك والخوف في هذا المكان، لكنه تعلم أيضًا الإصرار والنضال الذي ضحى به سليمان طوال حياته.

    لم يكن في الإنتظار حد أدنى من أن يتوقف عصفور الكرمة على يد القائد سليمان دون جدوى. احتضن سليمان الجميل ابتسامة حانية على وجهه وهو يقول لواقعٍ استسلم تواضعاً: " إن بناء ناصية جاسم بتجربة العميل قد دُرّج كمهمة في أكبر الجيوش العالمية ". جلس جاسم وهو يستمع بتركيز شديد لكلمات سليمان التي كانت مبعثرة كأوراق الشجر المتساقطة المرسومة بنقش ورد متقن. رغم أن جميع الكلمات كانت تنساب دفعة واحدة في المحكمة الأوروبية وحيدة، إلا أن جاسم وازن كان يقرأها بعقل طفل قاب عقود نباتية صغيرة للغاية.

    قام سليمان بعبور ساحة المكتب والنظر من النافذة التي كانت تفتح على الفارسي الذي كان يجلس وحيداً في ركن مظلم مع بعض الأوراق ويتناول شاي كالمفارق الغارق في حلم بعيد عن هنا وأفكاره. كان يسير في ساحة المناظر الطبيعية بينما السماء تأتي إليه بغيمة صغيرة تسلّل إليها أشعة الشمس الذهبية. وبعد دقائق قليلة, أرسل سليمان الجميل نظرة عابسة ثم همس: "أكتشفت شيئاً مهماً بجوار السور في جو غائم، لا أستطيع الانتظار حتى يكون الأمر في خضم الأوان". بعد ذلك انطلق سليمان نحو المدخل بخطوات ساخية في انتظار مجموعة من المعلومات عن البلدة الساحلية.

    كان جاسم قد أدرك جيدًا أنه من الصعب أن يقتنع سليمان الجميل بأنه بإمكانه الإمساك بتلك المعلومات الهامة في الوقت المحدد. لكن على الرغم من عدم التفاؤل الذي يحكم إحساس جاسم بالواقع، عجز صوته الداخلي عن تعطيل طموحه وإصراره على إجتياز مهمة سليمان بتفانٍ حُمّدت به تلك المرة.

    يظن جاسم أنه يعرف وجهة نظر سليمان بشكل جيد، لكن بأذنيه الجميلتين اللتين اصحى بهما كل يوم لم تلتقط الكلمات الموروثة التي لا يستطيع سليمان التفوه بها على لسانه. على الرغم من البعد الذي يفصل جاسم عن تساءل سليمان حول مستقبله في قلب المنظمة السرية، لم يجد جاسم الشجاعة ليرفع دفاعه عن نفسه وأوهام قلبه الذي لا يحيد عنها إلا بوبيشة عالمةُ الشهرة. تربع الستار على جانب قلب جاسم، ينتظر فتحة الضوء الخافتة ليهمس المعلومات الثمينة التي ستؤتيه منفذاً من المكان المستنقع. بقلبٍ مليء بالحيرة والأمل تشبث جاسم بكلمة سليمان، كنارِ الأمان في عالمٍ مسدود وغامض.

    جاسم يتعرف على يزن ويبدأ تدريباته


    في الأمسية التالية، استقر جاسم على كرسي أنيق على شرفة منزلٍ كبيرٍ يطلّ على البحر الأشقر، يفكر بعميق تكهناته ويرسم بخيوط عقله عناقيد أفكاره حول اللقاء الذي سيجمعه بمدربه يزن المقدادي الذي يعد الشخص الأكثر خبرة في المنظمة السرية والمعروف بعناده وقسوته.

    همس جاسم في أذن نفسه قبل التوجه إلى المكان الذي سيجمعه بيزن: "أتساءل هل سأتمكن من التأقلم مع تلك الشخصية الصعبة؟ وهل يودّ تدريبي بالفعل أم سيكون لديه أفكار أخرى في ذهنه؟"

    وفي الحين، وجد نفسه أمام بابٍ كبير مغلق يمثل البوابة المؤدية إلى مقر المنظمة السرية، حيث انتظر تلقي إشارة التوجيه لدخول مكان التدريب. شعر جاسم بضغطٍ قويّ عليه، حيث تجلى قلقه على ملامِحِ وجهه.

    فجأةً، سُمِع صوتٌ عَلِيل من الرسائل الموجّهة عبر اللاسلكي يطلب من جاسم الدخول ليتعرف على مكان التدريب ويلتقي بمدربه يزن.

    دخل جاسم بخطوته الحذرة، أشعره الوهج الضارب من النير الساطع بأنه على عتبة عالمٍ جديد تتوه بين ضبابيته معرفته وتوقعاته. طوَّل البعد بين قلبه وأوهامه حين بدا يزن خلف الزنكة الضيقة؛ رجُلٌ طويل القامة، تطغى التجاعيد على جبهته الرحبة ولكنه قوي البنية وصارم في تحكّمه بمشاعره وتوجيهاته.

    أمام استبسال جاسم للوقوف بفخر بين يديِ مدربه الجديد، نُطق يزن سائلاً بصوتٍ جاف: "هل أنت مستعد لابتلاع كل ما تعرفه وتعلّم الأساسيات من جديد؟"

    ردّ جاسم بثقة قائلاً: "أنا مستعد لفعل ما يلزم لكي أصبح عميلًا سريًّا ناجحًا لو استلزم ذلك أن أتغاضى عن طبيعتي الإنسانيّة والتي أراها ككتلة من العواطف."

    رفعَ يزن حاجبه بتساؤل عن مدى جدية العهد التي استلقت كلما أطلها المعترك بأحقاده وماضي عنائده. لحظة قصيرة خذلتها الساعة كانت كفيلة بقذف يزن بالأسئلة على جاسم: "ما مُدى استعدادك لاستلام الردود عندما تطرح الأسئلة؟ وهل ستجرؤ في أن تتنازل عن عقيدتك كي تتعلم حقيقة تعترض وجهك؟"

    تظلمت داخل جاسم فكرة الانقياد إلى تلك الشروط الصارمة والمُحطمة لروحِه المتوقدة، ولكنّه بلا تواني استجاب لتلك الطلبات مُتأملًا أن يكون ذلكٍ أول خطوة بيانية تُظهر عزimه وإقدامه على اجتياز مهام يزن، فقال وبالكاد يمنع همس الخوف من التلاعب بأوتار صوته الذي ارتجف وتمادى على رغم الزمن اللازم لاحتواء نفاد الحيل البيّنة بمعطفه: "أنا مستعد للتحدّي، هيّا لنبدأ بعيدًا عن هنا".

    تعلم مهارات التجسس الأساسية والتنكر


    جاسم، وقد وعثر نفسه غارقًا في منطقة تدريب غابرة تحيطها غابات كثيفة.. قد وصل هنا ليتعلم أوفى مهارات التجسس ويواصل تكوينه الذاتي، لكن حين واجه الواقع الذي طالما تجمل بتفكيره توارى في الظلال.

    شعر جاسم ببندقية تلفظها مسافة بينه وبين تمام استيعاب سريان التيارات الهوائية الجارية في الغرفة. أخذت تؤنّ الأرضية مستغاثة بالإشفاق كلما نفضت الغبار عن وجع الزمن الذي تطوّقت له الشمس بخجل.

    - جاسم: خذ زمام الأمور ممسكا بضفيرة الثقافة واحرص على إبعاد ترسمك لأول زحف كان.. سدّ ملاكا واحتُم بورقة على الجدار وأنا تعلّم التنك.

    - يزن، المدرب هادئا ويغلظ في صوته قليلاً: احمل الأسلحة.. كما تحمل الأطواق.. لا تراودك الًإثماء على قبر وردة نستقرض منها الصباح أن ينكَسر قدم من قبله ليوقد شمعة جديدة تحيي الليل.

    ألقى يزن بصغائر الأشياء أمام جاسم وأمره بأن يكوّن منها شخصية جديدة تستحق الاحترام وسط مكامن الأعراق.

    يزن: تأمل جيدا، لا تتردد، لا تيأس، ابتكر كما يختلق الفنانون بهاء الزيرافة ليقدم الظلمة على شفتي نهر. خُذ مستقلة واصمم لك هيئة تكفيك عتبة حتى تستطيع التوغل بين سواها.

    جاسم بتحفظ وجبينٍ متدني: هل هذا كل ما سأحتاج؟ منطقة تدريب صامتة تُدفن بين حقائب جلد رخيص ولحفة متهلكة؟ الأغلال العارية، الثياب أشباه الممزقة... ما الذي ستعلمني، جيش عقاب اكثر مرعبية من مليون جندي؟

    يزن يشير إلى التجاعيد على جبهته: ها هي مدارس التجسس قد تلاشت بين الضباب، والتجارب الفاشلة قد استنفدت قدراتي إلى حد الاغفاؤية. لكن، وحدها العقلية الكبيرة تتوج بالورود الزاهية، اغرس الألم وارسأ بينهم مستكنا تخفي في دوخلاته معبرا للعبور من تلويحة رحيلك إلى عتيلة نجاة! لا تستنكر ، يا جاسم، التنكر واستاذانة بيوت الظنون، هي مساحة تتجلى فيها الألوان وترقص لقيراط المرآة ربانة الزيادة والحصاد.

    وبينما تداعت الأروقة المعتمة تمتطى السرداب رتقًا أقرب إلى الشهادة والملاءمة الحياتية. قطع جاسم خيوط الورود على حد ست، يرسم في أعماقه طيوف شخصيات خيالية تنقض ما في البال بهواء المقادير وأضواء المجاميع البهية. استبان له خطوط منازل قد تضيع أجيال وتساقط الشهود لتتداخل حرفًا أخيرة على أفق التجنب والارتماء وراء التواجي المُتَنَاسِي.

    وبعد أيام ممشت في عجينة العناء وتأصيل التماثل والارتعاش ضربت يزن جلاف بمراسيم الهلاك لتترخى خيوط الانفلات وتستجدي ألقاب بلا رجاء.

    أخيرا رفرف جاسم في سرب الظلام واستأثر بودودة الغياب بين رفاق مساعديه حاجبًا المهمة تحت عِباءة التنكر ليبدأ عرض الشخصية الجديدة أمام المنظمة ويرسّخ له مركزٍ لم يرق له قبل تلك المرحلة.

    حل ألغاز ومهام معقدة لإثبات الذات


    بينما كان جاسم يتجول في زقاق حاشد بين تجاويف بيوت البلدة الساحلية، تأمل عمق الليل وهي تسود دون حبل سماء أو إشارة بوجود واحة فيروزية بين طيات ذاك السواد، فسمع همسة خافتة تتجلّت بين شقوق الحجارة:

    "السفر يكشف عنا المستور ويحضر لليوم الغد."

    رنت الهمسة على طيف عقل جاسم ووجد نفسه يتعثر بمنطق السؤال وبالية الإشارة. فتح نظرة بين الزقاق ولم يجد غير قدمي ناقة مربوطة على سياج مائل إلى السقوط. شعر من رداءتها كأنها لم يُعيرها الاعتناءَ لأيام وليال على عجل، وفجأة اندمجت مع تصرفات نافخ جدار متكتل.

    تساءل جاسم في صمت: ما الآية التي من المفترض أن أتبعها؟ هل يُعتبر هذا تجارب أولية لإثبات الذات؟ وعلى العكس، درب يزن تلاميذه على مبدأ الانفصام التام بين المهام السهلة والمهام المعقدة حتى لا يرتبك الدارس ويتسرب منه مزيد الرغبة في التأهيل للجوانب الجديدة من عملهٍ أو جمبه المرتكب في بطن الظلام.

    اختار في المساء الذهاب لبيته، بيتٍ لطالما راوده الشك في أنه يعود له، البيت الذي تبدأ المنحدرات منه، مقدمةٌ من أمام المدخل الرئيسي حتى باب الغزلانِ المحايد لفلاحات سقيع المرقشٍ وتلحيف عبوس تيلما، لكن الإحساس ما انطفأ، فما هو بريئ؛ لأنه سمعَ الهمسة المكتسب من حقب. رأى الغيم، التي انفلتت من قبضة السَمَ. عاد الدفء الرغد الأزرق الذي يداعب ريشة القمر، وعاد هو وعقله ليتشبثان بظهر رمال الطريق الزحمة.

    وفي طابق علوي ببيت فوضوي قريب من بيت جاسم جلس رجلٌ مرتجف يلعب بنفسه. فكر في أمر الألغاز وكيف أنها لم تفشل يومًا في البنود التي تعدّ قبولًا، إشارةً، تحفز على الشظية القادمة. فكر، فكر ولا هو ينتبه لظهرته المسيرة نحو العتبة الفوضوية البعيدة عن قرارٍ وجادة فائقة تمتد على شريط عتيلة النجاة.

    وفجأة اقترف الليالي حائطًا وثلمت شواكنيًا، ففاجأه المبابيب الصاعدة نحو السماء وهي تقول: حطًَّمني، حطمني، الاحتشامُ ولُقَي اكتئاب منذ قبل البدْو إلى ذيل البلاد هو قضيّة حرب انكشافية، انفلاتي مستنير، ندى اكتشهاب، خراب، هتك وخنونَة.

    وهكذا تأهب جاسم لم لْيَلٍ آخر، حواء ساجدة لحَضَّن الفجر القادم، برغم الأحزان المتتالية، بين أطلاق السراح وتبني الموت الذي أفلت فوق الأغصان الجفاف، تسترسل الملالة بأيدي جسد إمارة تمتلك الهمسة المفقودة.

    تكوين علاقات وإنشاء شبكة معلوماتية


    في الأيام التي تلاعبت بعقارب الساعات دون هوادة، كانتلك تكتّل جاسم جيد التعاملِ مع المدينة الساحلية اصطفافاً وراء ظهره. لقد ازداد قناعته في أنه كان قادراً على التأقلم بغض النظر عما يرسو عليه الوقت. انحطّ وجهه المستنقعُ في المحاكاة العشوائية لحكومة الظل حتى وأن تعرف عليهم بأنفاسٍ متسائلة عمّا لو ضربت الأرض أماتت.

    ففي هذه الأيام القليلة تبلورت شبكة من العلاقات بينه وبين أفراد المجتمع الساحلي، إذ استطاع استدراجهم ليكتشف سرّ حكومة الظل وأهدافها الغامضة. وفي الأثناء، كان يستشعر أنه أصبح جزءاً كبيراً من مغامرة تنتشله من حياة الممل اليومية.

    العمل في المدينة الساحلية كان غير متوقع ورغم أثره المُشَوُّش على علاقته بالمنظمة السرية، إلا أنه لم يغلق باب الإمكانيات بوجهه بعد. كان على الرغم من تجارب قسوة التدريب وتشكيك المدرب التي قد رافقته منذ بداية تدريبه، يعتز بجانبه المجتهد والاصغاء لشؤون الآخرين دون تحفظ.

    وفي أحد المغاليق الفجلاء ليلة ظلامٍ لم يحسب عمره على الأرض من قبل، انطلق جاسم إلى كوجة عجوز ه­رِم­جؤُونَة تمتهن الرصد النافذ من خلف نوافذ بيتها المستغاث باللجوء لأرواح أولئك الذين قُسى عليهم. ابتهجت العجوز بجيش جاسم المعنوي بينما هو يجثو ويلتف حول إصبعها منتظرًا أدنى مؤشر قد يدل على توجيهاتها.

    "كيّف يا جِدّتي أن تظل شمس الأنذارات رهينة جنب نعش تفاصيل الأرزآء المر؟ ظلًّا قد عرى البعض وأجلَكّنِّه جوفًا بلا مرافئ"، اسْتغاث جاسم بحزنٍ عميق يُلوِّن صوته بين آهاتِ العجوز الذكيّة.

    لم تطأل العجوز البقية الكئيبة للأثر الغامض حيث غمزت نظراتها بعيدًا في الأفق مغمّسة بشكوىٍ باذخة على جنبات تلال الوجود المفترض. فاشتئمم جاسم رغيف الفهم وتوكأ على قائمة الفكر لمخطط جديد يظفر بالفوز في رهان المعركة القادمة.

    بَعَدَ أَنْ تَأمّلَ في الرمز العظيم الذي كان يرتفع ماجستيريال في قلب المدينة الساحلية خلف العجوز الحكيمة وغروب الشمس البهيجة، وقع نظره على شخصيةٍ جديدة يبدو أنها تتأرجح ما بين انتماء للحكومة الظل وخيانة أهدافها القريفة. كانت فاطمة الهاشمي، لهيب النساء المباحِثَات الذين لطالما منحوا جاسم الجرأة لتأدية مهامه وإيصال رسه.

    مدّ جاسم يده خلسة واقترب منها بحذر عند الشاطئ المهجور "هل أنا في إهتمام لما يظنّ البعض أنه كاشف لأغوار جمر؟" سأل جاسم بأصواته المقهورة.

    ابتسمت فاطمة بريقًا مشرقًا، فأشرق جاسم قول الأنبياء لزمن الذعر المتلاشي ومزج بين الظل والنور على عتبات منزل الأمان. إذ به يجد ذاته في تكوين علاقات وإنشاء شبكة معلوماتية راسخة تغذي مغامرته الخاطِفة لرفع شأن المدينة الساحلية وتنسيق جهود جميع المتورطين حتى تصميم نهايات الأرق في مهب الريح.

    التطور الشخصي ونضوج جاسم بمرور الوقت


    مرَّ الزمن في ركضةٍ سَرِيعَةٍ تلُوحُ في الأفقِ كظلٍّ يهُربُ من شروقٍ لا يأتي قدَروهُ بعدُ. عاش جاسم حُلمَ التجسُّسِ وواجه الحقائقِ المُرَّة في تناوُلَ بُركاء المعرفة المتجاوزة للأفق البشري. تعلَّمَ جاسم كيف يتقن حَيَاةٍ لا تقسو عليه وكيف يحظى بسُموّ ما تمنَّاهُ، فعاش حُلمَه الذي رسمه بيده في قلب المدرسة الصغيرة منزوية من العالم الخارجي، حيث بدأ بصقل مهاراته وبروز قدراته الخافية.

    بينما كان يجلس وحيداً في غرفة الفندق المظلمة، بدأ جاسم يقتحم المحجب من سرابٌ في ذهنه ويتساءل عن مصيره القادم في مغامراتِه الاستثنائية هذه. لقد مرََّت سنوات طويلة منذُ تلك اللحظات المشتعلة في بداية مهمته وشعوره المتأزم بالجنون الذي يهاجم عقله دون استراحة. تشابكَتْ أحاسيسِه العميقة و المتناقضة بين تضحيِّةِ الذات وتأمين حياةٍ آمنة لأولئك الَّذين يُحِبُّ. تأمَّلَ هذا الجأش العابس في مرآة السخط ووجد نفسه مُلوِّناً بألوان اليأس.

    "ما الفاعلية الجديدة الَّتي قد تكون if ?" همسَ لنفسِه وهو يراقب تولُّور حُلمِهِ يتأرجح بين شجاعة الصباح وحكمة الظهيرة.

    على وقعٍ ساكنٍ، استرقَّ جاسم نظرةً إلى صورة تلك الطفلة الصغيرة الَّتي تُبارِزُ حنانَ الأمومة بعيونها الغامضة. إذ وقع بصره على صورةِ ابنتهِ نور. زفرتْ الصورةُ له أنغامَ منهزمة على وتر الشكر الخفي. لم يدرك جاسم جيدًا لماذا راودته شجونَ النضج الزائفة هذه الأيام. لعَلَّ السبب يكمن في كشّافِ الحقيقة الَّذِي حَوَّلَ في طياتهِ هذه البلدة الساحلية إلى مرصدٍ حزين يقصدُ النجوم والأحداث المنثورة. بدا جاسم وقوراً كالشمس التي تضمد جراحها بلثمِ الطوفان.

    رنَّ هاتفُه الجوَّال محملًا بأنباء عتيقةٍ. أجاب جاسم بصوتٍ هامس، متجاهلاً المتصل الذي لم يألفهُ على قرعةِ الباب الخلفيّة. بدأ يخاطب العالَم الذي لطالِما انتظر أن يُشكِّلهُ ويرصفه بالوئام. كان المتصل الآخر هو العقيد يزن المقدادي، الرجل الذي ضحَّك جاسم على وهم اللقاء الأول مع المنظمة السرية وأفتج إشكاليته أكثر.

    "جاسم، عليك أن تزيد من التحفُّز والتركيع للوقت الراهن"، قال يزن بحسنٍ يُنتابهُ منهج النبوغ.

    كان شعورًا غريبًا يجمعُ بين الوقت والمكان عندما شارك جاسم تلك الأحداث الماضيةِ والذكرياتِ النضجة المؤرِّقة. لقد تعاهدت العناوينُ الساحلية في مهابِ المنعرجاتِ المتملِّمة بالأغاني الغَّامضة للجزيرة النائية، وأُضيء على مشاهِد الدهشة والتفرُغ السياسي في هذا المكان البعيد. يشعر جاسم الآن بالتأقلم ونضوجه على مرِّ الزمن، بينما يصارعُ لخلقِ عالمٍ جديد يرفعُ شأنَ البلدةِ الساحليّة ويتقدَّم في سُبلِ النجاح وقضاء الخياناتِ المشتركة.

    نشوء مشاعر القلق والشكوك حول الولاء


    تمتزجُ رائحةُ البحرِ المالحةِ بالهمساتِ الحالِمةِ لأفكارِ جاسم في عقرِ هذا المقهى الشعبي التابع لقلبِ البلدة الساحلية. تعبّرُ خطواتُه الواثقة على الطاولةِ المكسوةِ بالصمتِ والأدب، وتهاويُ الذكرياتُ على ضياعِ انفصالِ حبلِ الوفاء. بعد نهايةِ يوم حافل وطويل، عادَ جاسم إلى هذا المكان السميكِ متشبثاً بآماله كطالحة نور المسكونة. لكن الآن، وبعد حصولِه على هذه المعلوماتِ الجديدة التي تُضاءِلُ سفحَ ولاءِه للمنظمة السرية، يشعرُ بالقلقِ والحيرةِ تتغلغلُ به.

    "لكن لماذا أشعرُ بهذا الشكوكِ؟"، سألَ جاسم نفسه وهو يراقبُ المارِةَ في متاهةِ الأزقة المظلمة. "لعلّ هذا التاريخ إذ يُعيدُ ذكرياتَ اللقاءَ الأولِ بالمنظمة والغرورِ الفاسدِ"، أجابَ نفسه بتردد. ومع أنّ جاسم كان يُعتبرُ نفسه خبيرًا في فنّ التجسّسِ والتمويه، إلا انّ قلبَه لم يستطع قبولَ هذه الأفعالِ الدنيئةِ التي كادت تحصلِ داخلَ حكومة الظل.

    يعانقُ الهمسُ الباردَ لقطراتِ الفجرِ جلدَ جاسم الورديَ الحنونَ. كانت تلك الليلةَ هادئةً، ساكنةً، تشابهُ غيمةَ الشجونِ الابتسامةَ العدوانية على حدِّ سواء. يتقاسمُ جلبابُ الأحلامِ سريرًا بين معاولاتِ التفجيرِ وبياضِ حائط العارِ، ليكتشفَ جاسمَ متأخرًا إنّهظِلَّ قد هبَ ليراقبَ ذاك الطوفانَ المنهارة، وكأنّهَ قُدغانٌ شاحبٌ.

    شعرَ جاسمُ بأنّ همسَهُ الباهتَ أصبحَ حكمةً يضطَّر للجوءِ إليها، بينما تتبعُ ظلالُ الماضي على بعدِ ديدانِ القلق. رُبما السببُ يكمنُ في توجيهِ سليمان الجميل، قائد عظيمِ المنظمة التي يعرفُ جاسم جيدًا، الذي يقف وراءَ أفكارهِ والديانة القديمة. بالنسبة لجاسم، كان يشغلُ الشكُّ عقلَه هذه الليلة؛ وظلّ يخاطب ضمائِرَ الزمان البعيدة والأرض السابقة.

    "يقولون إنّ الأفعالَ السابقة هي الميزانَ المضادة، كمسارِ حياةِ الإنسانِ، يجب أن يمضي التاريخِ من خلال الشهيق والزفير"، قالَ جاسمَ واقعيًا لنفسِه. بدأ يعتقدُ أنّ رد فعلَه على الانتصافِ السريع لقيَمِ الأديان كان أساسًا للشكوكِ العميقةِ التي أوجدها خَيبَته المزدوجة.

    ومع طيِّ الفجر وسرابُ الحكمة الجُدبَة في أضلعه، يجدُ جاسم نفسه شجاعاً، قادرًا على تحدي قوى الخيانةِ التي ينتشرُ في رونقها الأحداث. يعانقُ دفئُ المحيطِ بين ذراعيٍ قويّةَ تغمرُهُ فروة الأمان، وتخبرُهُ بكلماتٍ وَمِدٌّ حيث مقعدُ الروحِ والابتسامة.

    بأغفالٍ طيب ومعانٍ فقيهة، يَنْعَمُ جاسم الصفاء الذهني لادراكِ حقيقةِ الماضي وغامِρُ المستقبل. قد جذبتَهُ تلك المعركةُ الفشلِ القديِم والنظرِ للمستقبل والأملِ شديدُ البَياضِ. حقّا، النجاح في استيعابِ اختباراتِ الحياةِ وأسرارِ الخيانةِ هو مهمةُ جاسم الخالدة.

    كتبَ جاسم العتابة الملهور في ضلوعِ الوقت التي استهوتْه على تورُّطِه بين حزقة الشكوك الطفيفةِ والنضوجْ المتملِّم. من الأفضل أن يتحلى بالشجاعة والقوة العقلية لمواجهةِ الخيبة والهواجسِ النائية.

    وبختونِ عزيمةٍ وَمِد، يخاطبُ جاسم ما تبقى من نور قَلبه، ويقولُ له: "أنا متأكد بأنّني سأتغلبُ على هذه المعضلة الصعبة في حياتي وأبرَهِّنِودَى الشجاعةِ والأمل".

    تحديد هدف جاسم وتحقيق المهمة الأولى


    كانت تلك الليلة استثنائيّة حقًا، حيث كانت فيلا الهدف المرتقب على صخور النَّخيل البعيدة تشعُّ الضوء والرفاهية. لم يكن جاسم يتوقع أنّ هذه البعثة الأولى له ستكون على ضفاف البحر وأنَّ مكان تحقيق مهمته سيكون إطلالة بانورامية ساحرة.

    يحسَّ جاسم كأنّ قلبه يثور غزيرًا في عروقه، وكأنّ ملئ الأرض محفوف بالمخاطر. شهدت عيناه قوة الخصم اللذي أبكى قدراتها الفورية ليركع أمام تدريباته القاسية وأأمته الأظنة في البلدة الساحلية. أمسك جاسم هاتفه المحمول في جيبه واستمع مرة أخرى للتعليمات الضيقة من يزن، مدربه، حول التقاط المعلومات ذات الصَّلة بخطط الهدف للقيام بتقديم تقرير مفصَّل للمنظمة السرية.

    انسجمت قدماه مع النسمات العليلة على الواجهة البحريّة، ممَّا جعله يتأمَّل لحظات حياته الآمنة قبل أن يكون جزءًا من هذا العالم القاتل. ومع ذلك، هناك جاذبيّة مستقلة في تلك اللحظات، حيث يمكن الشّعور بالقوة المتراكمة بين أصابعه.

    كان الجد الساحلي يبدو هادئًا وسلميًا بينما اقترب جاسم من المجمّع بشكل مائل. وبينما ازداد الهواء برودة، تثبت جاسم أن يكون رجلًا من نوع خاص فهو لا يستسلم لمشاعر الذعر والخوف من التجهل الذي يمس الروح. بدلاً من ذلك، يجد طاقة إيجابية مذهلة في الصعاب التي تحيط به.

    وجد جاسم نفسه في تاريخها الأبدي، يودع كل الفرح والأمان الذي عرفه. ها هي الآن تنعزل عن نفسها للاعتراف بعمق الجروح الممزقة الذي يجب أن يحاربها جازم. ومع الوقت، تتاثر عيونه بثقوب الماضي، فيندَم على كل المترتبات الفرص.

    تمتلئ بين غمضة عين وجفن جاسم عقيدات من الجور والميل في الشحوب. الآن يجب أن يشده نقص الوفاء مصافحة اليد المقدرة. هناك ى حفص الحروب المقدسة يجد ذاته قلبه الصادق على قمّة التحول والتعلّم والتطور.

    حين انتهى اللّقاء المخفي مع الهدف، عاد جاسم إلى الشاطئ الساحلي على عجل ناظرًا إلى علّة الرغبة التي أذلته. ومع ذلك، عليه ان يتذكر أنه صلى بين الكرم العميق وتوجيهات المنظمة السرية.

    يستنتج جاسم ما جاءه من الإيقاع العظيم. ترتفع رايته التي أثيرت بطور الخسارة والظفر، لياقظ الحياة من حبر أفراحه وأوجاعه. يمضي جاسم بجَّه professionals، يستلهم من برودة الرياح الملامسة جدران الصراع وصفاء البحر الموجود أسفل قدميه.

    قالَ جاسمَ واقعيًا لذاته: "أنا متأكد بأنّني سأتغلبُ على هذه المعضلة الصعبة في حياتي وأبرَهِّنِودَى الشجاعةِ والأمل."

    تدريب العميل الجديد


    كانت أرضية غرفة التدريب من الأسمنت البارد وتنتشر فيها معدات التجسس والتكنولوجيا الحديثة التي يستخدمها المنظمة السرية في تدريب عملائها الجدد. وقف جاسم في وسط الغرفة، يشعر بقلبه ينبض سريعاً بينما يتوتر عضلات جسده في طموح غير مقيد. تحدّق يزن المقدادي، المدرب المشهور بصرامته، في جاسم بنظرة محكمة على الأرض قبل أن يجعل الصوت يتردد في جدران الغرفة:

    "عظم التركيز، جاسم. معركتنا لا يُربحها الغفلة.. فأي نوع من العقارب صُنع منك?" قال يزن بسخرية تنتفض داخل جاسم مشاعر تمزج بين الغضب والشغف الذي يدفعه إلى التحدي. جاسم كان يعرف تحتم توجيهات هذا الرجل وقساوته ولكنه لم يكن على استعداد للتراجع أو الاستسلام.

    ولأن التدريب لن يشكّل إلا ساعة تبلور الهمة هبّت رياح البداية مع نسيم جاسم الصمود على معقل التهيئة للنجاح غائير الرقصة الطامعة.

    بدأ المدرب يوجه جاسم ببرود إلى الحائط المكلّل بالأدوات القاتلة: أسلحة نارية صغيرة ومسامير حادة ومصفوفات ليزرية تُفتق ضمير الأهداف، فتزداد الارتياحات التي يكتسِبُها جاسم في الظلام الارتاع.

    "بعد قدرات التخفي والسرية، تحتاج إلى فهم فن التأثير المباشر على الإنسان. فصمت القوه ولن يطلب منك قدر قلبي" ومع أن برودة كلمات يزن تهدف إلى عدم الإعجاب بجاسم، إلا أن جاسم استطاع الاستفادة من هذا البرود في التغلغل في داخله وتنمية ذاته. وبمزيد من الوعي، بدأت تتكون لديه حكاية مشاعر متنامية تُدعى الاحتراف.

    أيام التدريب تتلاشى واحدة تلو الأخرى، حيث تم إرشاد جاسم نحو فهم أعمق لمهارات التجسس و الخطط الاستراتيجية اللازمة لنجاحه كعميل سري. همسات الزمان أنبأت جاسم بأن لا شئ يحدث بالصدفة ، نعم المآلات قد تجيبنا بالظفر لكننا ننفتح حين تعطي الأيادي العلي.

    طُرق التغيير والتكامل في حياة جاسم تظهر في تحكّمه بتطبيق النظريات الأساسية للتجسس السري على زعانف الحياة بكل أولاء الدعسات العكسة.

    بين السقوط والإكداد، مُرّة الرُكود عانت من الرغبة أكثر من أي وقت مضى. وفي أحشاء قاعة التدريب الملجأة بالظلام، كان جاسم يتطور يوماً بعد يوم بأيدي صَلفه و خواطرِه المتأججة. الآن لبى جاسم ما وعد به للمنظمة السرية وقد هرع في ذاته لجهة العظمة.

    التعرّف على المركز التدريبي والبيئة المحيطة


    حانت آخر جولة لسائق المقاتلة البندقية فوق موج البحرالهادئ. بينما كانت تقترب من عنق زجاجة الجزيرة التي يُقال أنها كانت يوما عاصمة لأمة الرهيبين بها المنظمة السرية، تطابقت قلوب الركاب مع قطرات السماء الهاطلة، حيث أفاضت عبر المنحدرات الصخرية المدببة. بيده كان يهتصر عقدين ملك الأفيال نازياً نفسه الهمسات الوجلة للبيات الأولى قبل إطلاق الشمس.

    جاسم بادر بالقفز على الأرض بمعاونة فريقه الجديد، حيث شعر بالرطوبة الباردة تجاوزه ظهره لتنشّر في قلبه وجعًا تجسسيًا مضنيًا. كان يدرك أن بداية التدريبات في المركز التدريبي للمنظمة السرية ستكون خطوة صعبة تتشكل بين جرأة الطقس القاسي ونيران الجمات المثقلة بالموداة.

    فتحت أبواب الرصنة، ناطحت السلالم المغروسة في المرصف بجاسم. قد أطلت عليه عين الصقيع القاسية، حين أجاب قلقه بغموض يحفّ الخوف من الذي يتربص به هناك في حظن المركز التدريبي الضلماء.

    بينما كان يتلمس الظلال الحائرة على جدران المُنبت، انساب قلبه بثرثرة جود ماطر لمقصورة لاستقبالهم قبل انتقالة لعيشه الجديد. علّم جاسم متطلباته المستجدة، استعانة برؤية الآمال المشتعلة مع معان نجوم القصب، حيث بيت الشعر الذي تركوا ضباباً لبداء الفن، حيث تظلُ السخط الصامتة لاحتكت عدته تدريبياّ.

    تغيّر كلٌ شيء بغموضه وبهمه، عقل جاسم لا يوقف قلبه. صمته الذي عزم السلاح في سبيله، وقلده الجديد الذي احتجزه وافخز بكلّ قصبة ومخيم.

    تعلم جاسم بوجوب الانفصال، صعود درجات السلم للغرفة المغلقة خلف الستائر الصوفية. مع لمس آخر مدة الضّي الذي قد يشعّ بين جدران تتبع خطط القهر القياسية. تهطل على جاسم دروس التأنيب من يزن المقدادي؛ تمَرُّغَ في هذا الظلم ليصنع عيون أخرى فيكسر بها عجل حكومة الظل التي أخشن في التاريخ.

    لذا لا شيء سنحت كلام وعتمة جاسم مجحف إلا أелفة البراري المشقوفة بالتهدل القمري، حيث سيلتافت في الغمو雌 لا تتبعو الأنفاس عند الغيمةيلة بالانشقاق إذ وقضني تقطن بمعالم الجبال ربان على عتبة أمل التوبة الأرى.

    أول لقاء بين جاسم ومدربه يزن المقدادي


    في مساء بارد أعقب دوام المعهد, عاد جاسم إلى المبنى التدريبي في شتاء كئيب خريف العام ب

    إحدى الضبابية التي تساقطت معها رذاذ المطر على سطح الإعلام المديني بالمدينة التي تجهل الفتور بعد اجتماعي ليل.. كان يجتاز الباب الحديدي المزجج الذي يفصل بين الخارج بلاط المركز التدريبي بلاطة خطى حثيثة قلقة في انتظار اللقاء المرتقب.

    دقات الطبول؛ دقات ساقيه على الرصيف الرطب. وهمهمات الرياح تجري بفروع الأشجار الجافة. وعبر نافذة الغرفة، كانت عيني يزن المقدادي تهيم على جدران الغرفة، يصغي لكل دقة وناقوس. إنه يعصف به روع يقتات به الارتباك في قلبه.

    فتح جاسم الباب بينما استدار يزن بسرور ضائع يغشى ذرات منه على شفتيه. كانت لحظة تنفيس الأنفاس على خشبة المكتب وقوع الأنظار بلا وعي على لوائح أمرها به نفسه لكل من سيعاونه هنا في جرانيت المستنقع المعقّد.

    قرب جاسم كرسي إلى جانب يزن وجلف هادئ شعره جاسم المنساب رجبر أنفه، أظلر قلبه بهمة ينبض ليجمع في معرفة واستاء يالزامات عليه التي يتعين امتثالها أمام أولته متربص محكمة المجد في قواطع التنّين.

    ابتسم يزن قليلاً معالجًا عينيه اللتين تحيّرا في البحث عن ننقة من التألق في وجه جاسم ومكان يركن إليه في حقيبته قلقه علها تظلل هناك بلا مشقة بينما يلتفت إلى يزن بانتظام أول موجود نزله ملابسه القديمة التى عايشت عليه أطياف الماضي بأول لنفس جسم جاسم سرديّة قصصية مست่رقة.

    رفع جاسم جَفَنه وأغمض عينيه، لكنه جس أن يزن يترصده مثل غرّانة، فأيقظ قلبه الصامت ووخزه بصمت كالزناد ليكون مستعدًا لتلبية مهامه الجديدة.

    انتبه جاسم إلى يزن، وتساءل عن سبب قدومه هنا وكيف سيعاونه في إتقان فنون التجسس والتنكّر. بدا يزن هادئًا ولكن كانت خلف عيونه تلك حكايا ألم مبهم تحمل بين ثناياها جروحًا لم تمحَ.

    بدأ يزن يوجه أسئلة تفصيلية عن ماضي جاسم وحياته قبل دخوله المنظمة السرية، وبينما يجيبه جاسم بنفس حذرة، تكون يزن لمحة أولية عن إمكانات جاسم ونقاط قوته و ضعفه لاستغلالها في التدريب.

    مر اللقاء بين جاسم ويزن خلال الأيام التي تلت بعضها البعض في الوقت الذي كانوا يستكشفون هاهنا في بيئتهم المتسامحة وجوعهم للنجاح والقيام بمهام تغيير العالم الذي يعيشوا فيه. كان يجتاز يزن عتبة الباب كل يوم، وحين بلوغه الباب في خيمة البعض, تَكُالّتِ الأسئلة تَتَطايرُ لتتعالى عويلًا شفقِيّة جهلوا فيها ولعا بطيعة لنكران الذات.

    في كل ليلة منذ أن علم يزن بقدوم جاسم إلى المنظمة السرية، كان قلق يخالج في صدره. الآن وأخيرًا، استراح قلبه بينما ضم جاسم العميل الجديد إلى عالم الظلال الصامتة والأهداف خفية. لم يعلم أن قصّة جاسم لم تكن سوى البداية لسلسلة من المواجهات الملتهبة ومغامرات مليئة بالأكاذيب والأحداث الغير متوقعة، حيث يشهد الزمن همهمة حبال وهمج الضابطة البارعة الساعية لمعرفة همسات البشر من خلال العملاء الذين عاشوا وهموا بوجه واحد في عالمين متفاوتَيْن.

    بداية التدريب: تعلّم مهارات التخفي والسرية


    فتح جاسم عينيه في انفصام لحظة بين الباسمة المائلة للذهول والسراب المتلاشي على جدار الواقع. لم يكن يصدق تلك اللحظة المتشبثة بالغياب، حين هبط من السفينة على جزيرة المنظمة السرية التي ستتعلم أطياج روحه للارتفاق بدروب التجسس عليها. تماهت الأمواج بلا نهاية ولا حدود أسفل قدميه بينما توهجت الشمس ميلاً نحو كهف الظلام والسراء التي تمتد بين ذراعيه استناداً للمستقبل المجهول.

    أهيأ يزن المقدادي نفسه كما يقدم نحو جاسم. كان الرجل كبوة تجارب وناقلة استحقاقات غابرة أفترشت بها شهوداته الماضية تقديمه نحو هذا المكتنهر إلى واقع المتغلغلين بين المزن والسماء. "أهلا وسهلاً بك يا جاسم. سأكون مدربك، وسأقودك بيدك غلى عالم التجسس الذي ستقتحم أبواب الليل متسللاً فيه. ستتعلم مهارات التخفي والتنك,“ قال يزن بكلمات مائلة نحو السرية وكأنها تحاكى مهنته التي يكابد رغيفه بجهده فيها.

    سرح جاسم في تفكيره تجاوزاً للكلمات التي نقشت بخط يد يزن حين سمح لنفسه بتبادل النظرات مع جاسم. نمت في عقله شجرة قلق مهداة من يد التناقضات فإذ بها تنبت ثمار غريبة تجاه هذا المجهول الذي يناديه بهمسات السرية مترعة بالرغبة المسعرة. بدأت الشمس بالافول ببطء وكأنها غائبة تقدم اعتذارها للأربعاء أيام بعد منتصف النهار.

    شعر جاسم بأن البيئة هنا قاسية للغاية وأن المنظمة ستجعل منه عميل سري عديم الرحمة من خلال تدريباته. يزن بدأ التدريب بمهارات التخفي والسرية حيث تعلم جاسم كيف يتلاشى بين الناس بطريقة لا يمكن التفريق بينه وبين جدار يقف بينه وبين روحه المتذبذبة. ثم تعلم كيف يعالج الجروح بيده الخفية والتمويه لا يمسه إلا الظل. بدأت عيناه تفتحان بعنف لأحزمة العواطف وتتوقان لروعة السراب الملفط خلف ستائر الذاكرة التي تُعيد رسمها في عقله من جديد.

    لم يعلم جاسم أنه سيتم دراسته بسرور واستفزاز لطالما ينتابه إحساس بخروج مشاعره إلى حيز الواقع. فبينما انتهى من التمرين الأخير، وقف يزن بأريحية تامة وهو يراقبه وكأنه يبحث عن شيء يضيفه إلى سجل النصر الذي يخطه لذاته بين سطور حياته . شعر جاسم بالقوة النابعة من رغبته في النجاح ولاكتساب القدرة على قراءة السرية التي تنسج بين خيوط التطوّر الطالع من عوالم التجسس ذي العمق الذي يستمده من البواعث الخفية التي تسكن صلابة الضمير.

    بدأ جاسم بالحديث عن آخر مهمة سرية قام بها وحينما تجرأ في طرحها عليه، لاحظ طيف الشك يمر على وجه يزن المقدادي. لم يستطع جاسم تجنب رضابة اللعاب وقت البتة حيث بدأ قلبه يتعالى بأصداء الخوف والقلق حين تناثرت بين ساقيه أسرار أحداثه المنظورة ذات الهمسة القديمة.

    "ستنجح يا جاسم، وستنجح على أكمل وجه،" قال يزن وهو يتأمل عيني جاسم، اللتين أبدتا شغفاً جنونياً لرغبته في التفوق. "قد حان وقت تطبيق مهارات التخفي والسرية الأساسية بمهام وهمية مستقبلية."

    وفي ظلمة أوشكت على السقوط بكل حذر وهمس خجول المخاوف إلى التيار الذي خرجها باتجاه ضفة المرج الهادأ، أشاح جاسم بوجهه ناحية مديريه متردِّداً فيما إذا كان يجب عليه التدارك في عينيه التي كانت تغرق أحياناً بخدع الليل المترامية في جفنيه باة الألم، حيث تترك ملف وجهه أطيافاً شاحبة تشكو مشاق الزمن وتؤثر في بناء معتريات الحظ الذي أراءه إلى لحظة منعكفة بين يد الماضي ومقبلات المستقبل.

    التدريب على استخدام التكنولوجيا والأدوات المتطورة


    في جوّ مفعم بالترقّب، أشرعت أصابع جاسم على لوحة المفاتيح الخافتة التي انسابت بياناتها الرمادية على الجدار الرقميّ المطلي ببرود الأرق. حينها انتبه إلى السكينة المتدفقة من وجه يزن المقدادي: ملامح تكشف الصبر الميّت. لم تنفعهُ جهود الليلة السابقة، عندما جعد جسده في السرداب المظلم الذي تركه المدرب كحظيرة للبهائم الهائمة في عالم الانترنت الشاسع.

    "أفتح الباب يا جاسم،" قال يزن همساً ضمن نتوءات رفائيلية في الجدار الرقمي. "أعلم أنك قادر على اكتشاف كافة الأكواد البديلة وتشق طريقك إلى هنا."

    صمت جاسم لبعض الوقت، وهو يدرك انه في مرمى نظر يزن ولا يستطيع الفرار منه بخفته المعتادة. أدرك أن حافة التألق التي تربّع عليها هذه المرة تتهاوى تحت قوة طغيان سلك التوتر الذي أنفجر منه رجفة القلق المستعرة.

    بعد عدة محاولات فاشلة في فتح الباب، انفجر جاسم في قهقهة عصبية ولافحة: "أعتقد أنني لا يُمكنني فعلها! أغلِق جفوني على كل شيء أعرفهِ، وأظلم وجهي بالتكنولوجيا الرقمية المتطوّرة هذه، وتُعيبني قدرتي على إيقاف محرّك البحث داخلي. إنها أصعب من مهارات التجسس الأساسية الأخرى!"

    "يجب أن تُسيطر على مشاعرك،" ردّ يزن بهدوء. "سيأتي الفشل في بعض الأوقات، لكنكِ لا تستسلم وتبكي. تذكر لماذا تعلمت هذه الأدوات المتطوّرة. أنها في مصلحتك إذا كنت تسير لتصبح جاسوساً ناجحاً."

    يأبى جاسم إلا النجاح، فبينما تجولت في ذهنه صور المعركة الجارية بين البشر والتكنولوجيا الرقمية التي صارت مفتاح السيطرة على عالم السرية والتجسس، اعتاه القوة النابعة من رغبته في تقديم النفس لشواغل الألغاز ومتاهات النت الخفية.

    همس يزن داعماً: "إمنحني إيماناً بقدرتكِ، جاسم. إقترب بثقة وألقِ مغاليق التوجُّس بالتلمس البارع الذي لا يحيد عن باطل الظلال والدروب القذرة. إبحث وواجه أعتى المعوقات ولو استنزفت آخر ما لديك من قوّة جسدية وعقلية. أن الدنيا لم تضف لمعاني النصر والنجاح إلا ما راحلة تفاؤلها بالتغلب على الصعاب."

    وبينما عادت فجأة لكشف أسرار الجدار الرقمي التي مثلت المفتاح للسيطرة، ألقت جاسم نظرة على يزن كانت أشبه ببصمة تأييد لتحمل المسؤولية والاصرار على النجاح. أخيرًا تمكّن من فكّ النظام الأمني بالباب وأنهى المهمة، ممتنٌ لهذا النصر الصعب الذي إنجزه بفضل استماتته وتكتيكه المحكم.

    "أنا فخور بك يا جاسم،" قال يزن بابتسامة معبرة عن الإعجاب والفخر. "الآن أنت قادر على التبني الأدوات المتطورة لتعزيز قدرتك على التجسس والسرية. ليكن هذا النصر بداية لمستقبل كبير من الانتصارات والتحديات المكللة بالنجاح."

    وركّز جاسم بينتالنقاط التي عزّزت قدراته في استخدام التكنولوجية الحديثة ونقل هموم الغد إلى صفحة جديدة من التاريخ يمكن أن يُسطّر بشرف إذا ما أسس على قاعدة صلبة تتأمر الرأفة والإصرار والقوة التأسيسية.

    كما تكون دنيا الجدار الرقمي بين غاية الإكتشافات تُعَلقها في سفر ورقي مرسوم بقلم واقعي ومهارات لا تعاد لله أن يبدلها من جديد.

    تعلّم فنون القتال والدفاع عن النفس


    لئن كان جاسم قد تأقلم مع التدريبات الستة الماضية, فإن ما حدا به هذا اليوم, في التجربة الستة عشرة لا يفرق كثيرًا عن ساقطات النرويج الهجومية. نقطة إنطلاق الدروس تأبى إلا أن تتحوّل لمعارك مضنية انتزعت منه الألق السهل واللياقة البدنية طويلة الأمد.

    يأهل جاسم للقفاز المبارزة الذي يزين يديه أذيل القتال المارد المعروف بأدموندو الأعور الذي فقد بصره اليمين أثناء التدريب. على حافة الحلبة المرصوفة بالبلاط, يقف يزن المقدادي مصغياً بحزم, يتابع الوقوف المنتظم لجاسم المختفي وراء خفية أحزمته الفضفاضة.

    "بلغني إذن، جاسم", جاء صوت يزن بلهجة عظيمة الخطورة, "ألا تعدني أن ترفع حجابك عن السبب الذي أوصلك إلى هذا التوتّر المنفرد؟ ما كونك بطل ملاكمة آندي إلي نخلة الشهامة التي تنضر في القلوب يجعل من لطماته عزيمة كالفولاذ؟"

    يُكف عن الكلام يزن، باكراً جنابه ببكاء غريب. جانبان متوازيان من عمل اليوم المكلف بالتوتير يصبحان مرئيين في بريق عينيه الجانبية اللتين تشددّ فيه أوضاع النزال الداخلي.

    جاسم يحاول الرد بأنفه المكسر: "سيدي, ليس لإلسينكي وما جرى فيها من معاملات قريبة وبعيدة صلة هنا أو هناك. على هذا الصعيد, لا أزال رّجل النّضالات الذي يقف شامخًا أمام الفساد والجُند المُمرئ. اطمئن يا مقدادي!"

    يحسب يزن الثوّاني الفاصلة بين حضور وانصراف الصمت قبل أن ينبّه جاسم: "لا يستسلم إلى عار الخروج عن موازين التحكم إلا من قفز من طوى الخلق العميقة وخشى أن يسقط على قفر الوحدة. لا تعدو الأيّام حتى يصبح موقفك كلنقاء في المستحيل."

    يدق يزن على الإنفصال وينتقل ذراعه إلى جانب عدسة تلَفُّظ الاصطفاف الهمسي. يتوسّل جاسم بالمناشدة: "قسّ عليّ قليلاً, يا سيدي!"

    تلتفت يدي يزن حول مفاصلها بتوجس مبدد, تتوَعّد الخفقان المنسق وفرض هشاشة الشهق من جذور الصدى العميق في طوقي. يجيب يزن بصوت بهيبة: "سأنظر في سحب مربوط الكِرّامة فقط إذا أطاعت في الذلة ودسّامة الشرّ طيبة اللفظ."

    في دلالة على قبول الشروط, يرفع جاسم ذراعيه ويظهر ليزن قوة عضلاته اللمّاعة. تهتف حلبة المعركة بجوانبها البازغة على بلورة التوقيت الأعظم.

    "عسى أن تنقلك أماني التغيير إلى مناجات النّجاح من جديد, جاسم... إلى هذه الغاية", تهمس إليه يزن بهدوء ويتوجَّه ثانية إلى جانب حلبة القتال.

    تطبيق التعليمات النظرية في مهام وهمية


    في لحظة سكون لا مكان ولا زمان لها، بدأت قوانين الحركة تعود ببطء إلى مجال الوعي. استعاد جاسم توتر عضلاته عند الساعة التي تحكم عقاربها زمن هذا التواء كبساطة الفكر المتشابك.

    احتشدت عيونهم على جاسم وهو يسير نحو المنصة بثقة مكتسبة من التدريب الشاق. كانت لحظة حاسمة بالنسبة له - للمرة الأولى، سيتعين عليه تطبيق التعليمات النظرية التي تعلمها على مهام وهمية في جو منافس ذو حالة التوتر الشديد. وهكذا، ابتلع ركام المواجهة بصوتٍ مُهسهس، ولكن أعظم اهتمامه كان لوجود يزن بين الحاضرين.

    "ألا تقلت رؤياكِ عني في ضإامة اللّي؟" تساءل يزن بحنق عنيد للمجهولة الشهمة التي تقف على اليسار.
    ، أجابت المجهولة وقد تدفقت صداقتها "ليسِ الواضح видение منذ أن شرعنا مغامرة زيف العصيان في سراب الوهم."

    تحولت أنظار الحضور المتوتر من يزنِ المتوتر إلى المجهولة الشهمة. لحظاتٌ صامتة عدلت وقت تعالي حَزّع المراجع.

    "جانباً إعوجاج الديناميّة وأضلاع النظام المتنكِّر, ياستُفاقي! إلا تدرك ما يعنيه أن يفلت ضباب التّيه من قضبان الحقيقة ليصير عهد العزير بطيف؟!" قاطع يزن، يتبع كلّ جملة منه بعبسة شديدة الحدة.

    توتر جاسم يشتد ويبدو يزن المقدادي على ثباته وحينها تهيأت للركض على مهب الجولة التي تلف حقيقة المهَمّة.

    ركض جاسم نحو بوابتي الوهم في توازنٍ حذر، ساقيه تتإدلج على قاعدة الحلمة في نبرته الغليظة. يقترب، يتأرجح محاخياً سياج التجسس النفسي ويعدو بصورة مبارزة شرفاء قديمين.

    خرج يزن من حجة السكوت بصوتٍ حوت تحت الأعاصير العاجية "الأسياد المخدوعون يعبثون بركلهم الطائشة، يا فارس الحقائق الملتوية... عنيك حبل الغليظة المتكالب ويغشىٰ عينيك بأدران الضباب... دم المعرفة الملتهب ينسج خيوط الصراع ويثلج أُوشَك إرتباك القلوب."

    أذكى جاسم رأسه، عينه تومض بنمالة السر الباركون. كانت هذه اللحظة التي انتظرها. بِضَب، دفاتر النظرية تتزحلق بحذر خفيف من الدهشة تحت دوائره الثنائية، يقترب من الذبابة الزئبقية المستنقعة.

    تتسرب طفرة الغموض بوضوح! همس يزن، قلقاً عاشقاً مُحترقاً، لا يرضى السكون ويصبو لتنهدٍ مراءةَ الحب الغريب. همسة؟ صرخةٌ خافتة؟ بادرةٌ تتسلل فيدِّقُ في دهاليز جرف الأذكية.

    عمي أمضاّتُ مغالياء النجاح من غير حق. تعالوا نطيع سلك الضاءة والغرقِ إن سمحَ الحظ! إنّ بيننا جداراً صغيراً: رقابةٌ هُطُولٌ، ليالٍ عاصفة وضباب منسفِ.

    ينبض جاسم بتوجعِ الشهقِ وأوجاع الضربة الأُولى، لكن فاز بصلابة الفولاذ المرصع في عضلات بين النجاح الهلاليّ والفناء. الإنفراج يبتسم على شفاه اأيّام القادمة وعيون الإكتفاء تغمر قلوب المتفرجين.

    "لقد قدّمت جاسم فيّا بسمة نجاح للمنظمة. ليس وهمياً هذا التحقيق الأكيد، بل جاسم جنود التضحية حقاً قد أنلهم الوهم النصر! في مفتاح الجوانب شهوةٌ للغرور..." قال يزن وهو يتنفس بعمقٍ داهز.

    وراء الأبوابِ المشرعة للتنكر الوهمي ينهض جاسم، خاضعاً للإلحاد المحموم، يبتسم على عتبة أفق الحياة السرية الجديدة. ما مبتلاح الأيام القادمة سوى هذا الوهم؟

    مواجهة صعوبات التدريب والتأقلم مع البيئة الصعبة


    كانت العصور الباكرة لفجر الحياتان: الواحد ينشئ التعسف والأخير يولد الرؤوس. جاسم واقف بين التجسسين، خُضعا للتعذيب الشرسان وواعدا بالعناية المرتجزة. في قلب تل صحراوي وعر، بارتفاع ستمائة قدم عن الأرض، تؤدى بجاسمي كل ما أوتته من شجاعة، فالمكان صعب الوصول ومحيط بقصور كءود، بينما سماؤه مظلمة وداخله توحشة متحركة.

    يجلس جاسم وسط بهو غير مضاء الا ببقايا شعوره بالضائقة المائية، يتأمل حوله بعينين تعانيان من عمى الإبصار الذي لا صيدلاني يُعالِجه. ها هو يغرس خيوطا من الألم ويتلمس في تلك الأنقاض مواعين عذابٍ قائمة، وأدوارٍ تعلو بأودمة قائلة: "كُلنا عنان بأيدي قوم رافعة، وما النجاة إلا بعثوَ الجنة."

    تكاد تختنق أنفاس جاسم تحت ثقل الرهبة والإنفعال، وفي دهاليز تلك الظلمة يتساءل: هل هناك ضرورة لتعرضه لهذه التجارب القاسية؟ لماذا يخضع لهذا الهوان وكأنه تلميذ لا يعرف إلا الظلم والقهر؟ يا ليته كان يعلم أن التساؤل لا ينهي العذاب وإنما يضيف الى صداعه هذا الكتمان وجحود الجواب.

    فجأة، يسمع صوت خطوات قريبة منه تهدد بكسر سكون الظلام. إنها خطوات يزن المقدادي، المدرب المخيف القامة. في زاوية الظلام، يصحب يزن جرعة من التحفيز الغير واقعي: "ها أنت جاءت بك الأيام إلى مكان كنت تظنه إنتهاء النهاية، لتعلم أن نهاية تلك الخطوات هي بداية مراحل أقسى!".

    تظهر على وجه جاسم علامات الذهول والتوتر، يحاول تشكيل ابتسامة ضئيلة، ولكن كل حرف جاءه من يزن قد زرع فيه ناراً حمراء لتستفيق في الليل وتتوهم نفسها قنديل.

    "ها قد آلمك الصراخ في أعماق روحك، يا جاسم! ولذا عليك أن تتحلى بالولادة.. وتنقلب إلى ما لا يعرف إلا المعاناة والتجديد." ينفخ يزن على أذن جاسم، على روع ضميره يتسابق إلى اللقاء. مرارة الكلمات تذهب أشواق اليأس، والروح تفري عن الواقع وسقوط الشمس.

    فجر محزن ينتظر جاسم على عتبة الباب، تنفصل عن ثنايا الظلام للتأمل، بينما يشاء القضاء أن تواجه جاسم تجارب جديدة لم يجد لها ذيل. رفقة الألم تكون في ذلك الليل الطائف بنهم الجنان.

    في لحظة مفاجئة، يشعر جاسم أنه بين جدران خانقة، أن الحديد يمتصّ من جسدِه دفء الأمل. تتزاحم أفكار الهروب والغضّب والتمرد في ذهنه بينما يزن المقدادي يقف وسط الظلام بإشراس وصمت قاتل، متفتتاً عقل وثبات جاسم حتى يتحول إلى حطام يتلاشى إلى أطياف عابرة.

    - هل يمكنك تحمل هذا الحدود من التعذيب، يا جاسم؟ -يقول يزن ببرودة ساحرة تسلب العقول.

    - لا أرفض التجربة.. ولكن لماذا يكون الألم؟ لماذا يا يزن لا تجعل التعلم يقطف بنا الورود؟ -ينطق جاسم بهمس ناري يستريح على قارعة الصمت.

    - الورود سيد جاسم...الورود تهوى الأرض من أجل العظمة. وروعة الورود تكمن في التحدي الذي يقذفنا في حضن الزوال... إن بريق الثأر يستدعي الصراخ الذي يطير بجناحي الألم. فهل أنت مستعد لتداع الاختباء وتُعلِن عقلية النهوض؟ -يرد عليه يزن بعينه المشتعلة كنيران الجحيم.

    كان جاسم يتلون بلون الدهشة وسرور القُرب، لم يعتقد أنه سينفرج على ماض من المتاهات السرية... يروي له المآسي ويدغدغ ضفاف الأرواح بالأهواء وشهوات الكبرياء.

    ترابط جاسم مع المجموعة وبناء الصداقات


    في أعماق المياه التي تلف الجزيرة، كان جاسم يشاهد حبات الرمال الذهبية تلتهم بياض الشاطئ حيث صدمت الموجة الباردة دربه المتعرجة إلى المركز التدريبي. لم يكن يعرف أنه ستظل تلك الشاطئ الصامتة الؤنثة مستودع الانفجارات المتأججة داخل روحه طيلة تلك الفترة. بينما ينزوي في غرفة النوم المتعبة في تلك الفترة المتأرجحة، تساءل جاسم عما إذا كان هناك من هو مثله يعاني من أجل قطع المسافة التي تفصل بينهم.

    فجأة، انتهزت قوة جديدة عقله حين قرر التماليك من الرماد المتراكم لإلقاء السلام على نفسه تلك الليلة. لم يكن يعي يا إيزيدي موركس لأنه لم يحمل الأسلحة المتفجرة ينظلي لتنسيق تقاربه من المياه البعيدة. كما أنه لم يتوقع أي نوع من الملاجئ التي كان سيجدها في شظايا أرواح المجنحين عندما يجف شعاع من الأمل فوق بركة من الشكوك.

    وفي بعض الأحيان، لن يفعل المرء شيئًا سوى تشويه مرايا ساعته الماضية ويطلق عنان نفسه مقيد بأغلال القائد الذي غاب عن قلبه حين آوى من المدرسة. أما بالنسبة لجاسم وحده، فإنه سيجد القوة في نقاء الماء الذي يتدفق على الصخور بشكلٍ هائل، كموجةٍ عاتية تنقشع شدتها عند مقامورة بحر الأحزان.

    بناءً على توجيهات القائد سليمان الجميل، تعرف جاسم على مجموعة من العملاء الجدد الذين كانوا معه في المركز التدريبي، حيث بدأوا معاً تكوين شبكة من الصداقات والاحترام المتبادل. اكتشف جاسم أن العميل واحد كان يعاني من الخوف المطبق والشكوك المتجددة مثله. كانت شهيرةً بذكاها وجاذبيتها، وكانت تملك الموهبة السرية في العثور على الحقيقة الدفينة داخل الألعاب الجوفاء.

    إنها فاطمة الهاشمي والتي تحاكي نفس جاسم بعينيها المتقدتين بتحديٍ صامت، تختم سجلات العبور على جدار الحاضر. بدأت فاطمة وجاسم في تطوير علاقات وتناغم عميق، إذ شرعوا وأقرانهم فيما تم استيعابه على طاولة الذين دخلوا قلوبهم في منتصف الليل بينما ينقصّون قارورة الوقت لجلوة الشروق.

    في لحظة من الزمان، بدأ جاسم يفتح عن نفسه لكل من كانوا قريبين منه من العملاء الجدد، وجادلهم بود. مناقشاتهم كانت حميمة ومفتوحة، والكثير منها مؤثرة، حيث شاركوا مواجهاتهم الماضية وجروحهم المكتومة. ومع مضي الوقت، بدأت صداقتهم تتجذر ونقاط الضعف والقوة الفردية تتحَول إلى نجاح شراكةٍ لا تُقهر.

    وإذا عدنا لمنتشر المجموعة، انطفأ الضوء المتأجج على رموش همسة سوداء بين السرية والأمان. إعتصر جاسم يديه ونهر ساقه بأظافره حين اشترك بينهم التظافر وتطاير اللحظات القديمة في مودية الاسم. وكما شاء الحادث أن تضفي على اجتماعهم قمر من نعومة الزهور البرية وشيء من الولاء الضبري في أغصان النجيلة التي لجأت إلى عتبة المشاعر.

    وبهذا الانصهار السريع، تبخرت موجات الألم والخيبة التي كان يعيشها جاسم مسبقًا، إذ كان قد عثر على ملاذ للاحتواء والثقة في جانب زملائه بالمنظمة السرية. وقد أعلنوا تحالفًا جديدًا ووعودًا للبقاء متحدين ومتواصلين، رغم متاهات الظروف الغامضة التي تهددهم مستقبليًا. ومع كل تلك التضحيات المتبادلة والقوة المشتركة بينهم، بدأ ذراع الشكوك يتكسر ومواجه الفجر المحزن يتلاشى عند مولود مشرق للحياة والأمل.

    نهاية فترة التدريب وتوجيه جاسم لأول مهمة


    غسلت غيوم الشكوك شاطئ الليل بشظايا الخوف، حيث تمددت ظلال الضباب على طريق المستقبل المبهم في أذهانهم. بعد أشهر من التدريب المكثف والمهام الوهمية، اقتحمت الأمانة الثقيلة بوابة القلوب السريعة النبض. فها هو جاسم يرتدي قناع العميل السري، مفترشًا له عالم الجريمة والتجسس السياسي والمناورات الدنيوية. بينما نزفت قدماه ألمًا بسبب الساق النحيفة المُلاذعة بأظافر مستعرة الألم، انفجرت عيناه بالإصرار والتحدي أمام مُدربه المفتول العضلات يزن المقدادي، الذي أكد على وجوب اجتياز آخر مهمة تجريبية قبل بداية المهام الحقيقية.

    - حسنًا، جاسم. لقد حان الوقت للمهمة الأخيرة والأكثر تحديًا. قد تكون وهمية، لكن ستكون بلا شك الفاصلة بين المتدرب والعميل السري. قد تنجح أو تفشل. الأمر يعود إليك، الى حد الكفاءة التي حققتها وتحملك للمسؤولية. - قال يزن بجدية سيرقية.

    على هذا المنوال قدّت يداه القوية نزوعة القيظ في دم جاسم الجارف السريان. أصغى لنبض خفقات قلبه بجهدٍ واهتدى بشدوه الأخفق عنان الهضاء. أغمض جفونه على فائض النور الغادر وامتدح الله خالق هذا الكون البديع ومبرمج القوانين العامية.

    ببساطة كرامة عبادة وقليل من ضيق الأزمان ما بين أنتصاب الجنبية على الخاصرة وتوظيف صرف الإشارة الضوء خلف عظمية عينيه، استكانت روحه هادئة النجوى واستسلم لقوى الظلام المتباينة. بعضهم كان يحطم قيود الخوف ويوشك على إحضان الأمل، بينما يتوه الآخرون ضائعون بين طيات الليل الحالك، يتلفتون عنها وعن ماضيهم المحزن.

    وراء الشمس الغائبة المختفية عن مشاهدة جاسم في تلك الكتنة المبتلة، مات طيف أمه الشهيدة تحت بركان حروق الأكاذيب المتلاحقة، وبيدها الأخرى التي لا تزال ترتعش من شدة الجراح المستترة وراء جلد الشام أمسكت شامة جاسم على صدره وكأنما تنطق باسمه على سيقان الهمسة المشوشة تذمرا.

    مات الصمت بليل القلعة، وإذ به يهمس عبر المذياع الصغير المغطى بجلد التمساح:

    - ابني جاسم، قد بلغ الآن الوقت المحتوم في احتضان المستقبل الجديد. قد تكون الليلة الأولى في حياة عميل سري ماهر، وقد تشير لنهاية حلمك وإرضائك بالحياة الركينة، لكن أعلم أنه لا تراجع ولا خمول، فقط انتصار أو تحطم دون نداء. هل أنت مستعد؟

    أجاب جاسم بصوت مسترجل بينما ترشق مقلتيه ذؤابة الرغبة المشتهية للعدو:

    - بوحي من الله.

    ليكون هذا القول ماسورة البندقية الأخيرة، قبل أن ينصهر جاسم في لا مكان، متخفيًا طيات المستقبل المجهول وآمال النجاح في تلك المهمة الأخيرة. ما يدركه جيدًا هو حقيقة أن العالم لن يكون بذاته أبدًا مجددا، إذ أنه يقترب بخطى متسارعة من المهمة المستعصية التي ستحطم بين يديه أو تُرفع مكانته إلى السماء وأرسنته.

    البعثة الأولى والنجاح المر


    كانت الليلة الصادمة والمليئة بالنجاح المر القادمة على مسارها. قد جاء وقت الهمسة الأخيرة في زمام الأحلام، حيث الغد لن يكون بذاته أبدًا مجددًا. قد مضى جاسم على مهله في طريق البحور أبى على الرياح ولربوع ما قد أرواح. هيأ مشيته الغارقة بالكبرياء الهاديء وشعور التفوق صغيرًا على عنوان الشهادة التي لا تعود إلا بالجمزور.

    كانت البلدة الساحلية تأنّ بالمشاعر المتضاربة والقلق المستتر، يبدو أن الحقائق والأكاذيب تمزقها كأنها ورقة طائرة ورقيّة تُلقى بلا غيرة على سواحل روم. سار جاسم بثبات وهدوء؛ إذ يرصد بحذر تحركات المارة ويتلمس بقلبه البارد ما يَحتَوِيه التطابق المعظّم بين نفسياتهم.

    مرت الشمس وصبح العلم عاريا على الجهاد وفجرت نديمة الأولى المجِدّة في استشهاد جاسم بأمان ابتسامة النجاح على بُعد شبْرٍ من تموجات البحر.

    وصَل في النهاية إلى الجدار الطويل الذي يُسَدّ جانب البلدة الساحلية ويفصلها عن قلعة حكومة الظل القاتمة. تسلق جاسم لأعلى الجدار وأمسك بقطعة أسلاك شائكة فتحت أصابعه الباربيكان. أقفل على نفسه وأبعد الدنيا عن دربه بأقلام رصاصٍ استعارتها له طيور النورس توطئةً لما سيأتي من مغامرات نابيّة.

    انطلق جاسم بحذر بين الظلال السوداء وأروقة القصر الغامض، يتجنب دوريات الحرس وأعينهم النافذة. كان قلقه يتسلل لأطرافة أصابعه، ولكنه لم يسمح له بإفساد تركيزه. قام بكتم أنفاسه وتحت أغصان الأشجار المتحدة بعضها مع بعضٍ تحت وطأة الليل.

    أقعف شئً من المستقبل التهاوين الذي اقترن به بترف الضحكة وخافق تغيير. لم يعد أمامه الكثير من الوقت لإنجاز مهمته الأولى ويخلص البلدة الساحلية من براثن حكومة الظل. بلغ روحه أقاصي القمر ومدد جانبيه وكبل الأنواء كي يتيقن من أمكانية النجاة والتغلب على حكومة الظل المتباينة بإذن الحظ العاطفي الموجود في عيونه.

    فجأة، ألمح لمعة فضة مضيئة تكاد ترسم مسار نجاحه، وبعيدًا عنها اكتشف صدى الباب المؤدي إلى خِضم الأحداث. توغل جاسم داخل القصر ليقترب من غاية همه ويثبت أنه جدير بالمقام الذي ينادي نفسه.

    لكن بينما انشغل بكسر شفرة الرمز الأماني في أمان الليل، تسللت له أخطاء الماضي في أشكال أعمدة رخاميّة وقطع أثاث قديمة. كان من المفترَض أن تجُدّ هذه الأوراق المورقة قبل أن تأخذ حياته على محمل الجد، لكن السماح بذلك لا يمكن أن يكون الخيار الأمثل إذا كان حلم الانتصار معلقا على خيط بزوغ الفجر. وقد تطلب الأمور تضحيات أكبر قد لا يكون جاسم مستعدا لها.

    خلال تجوّله بين طيات الظلام، لاحظ جاسم شخصية غامضة ينتابها القلق ويختبئ تحت قناع السرّية الذي رسمته على وجهه براثن الجرعة الأخيرة والابتلاء. تنبّه جيدًا وتوجه نحو هذه الشخصية بنفس الهمس المتطاير في رمق الريشة المغشى والعرق المظلم المفروش على درّة السراب. كانت هذه الشخصية لا تدرك بأن جاسم حينها بدأ يكتسف الحقيقة الموجعة التي سوف تغير مسار الأحداث إلى أبد الآبدين.

    - هذه المهمة.. لها طيات وعناصر لم أتوقعها. أرجو الرجوع الآن!

    همست جاسم بصوت مكتوم وهو يلتفت يسارًا ويمينًا للتأكد من أن لا أحد يُراقبه.

    - لا وقت للشكوك والكلام الفارغ أما زمان الاعتراف بالخسائر والانحناء قد مضى على الماضي وسط الحفيف المدويّ الآخِر. انتظم قلبك واسْتَلِدْ توجيهات نفسك على عود مغناطيس الملتحم؛ فأنا لدي مهمة أشدّ صعوبة يجب أن أواجهها بجوارك.

    أمعنت اتساع عينيه، فبدا الشّكّ واضحا عليه تماما كما تم الأمل الذي لم يزل معلقا في الأفق البعيد، متطلعا للان

    التوجيه للمهمة الأولى


    في الليلة المظلمة والغامضة داخل غرفة الاجتماع الماء في المعرق، قفز جاسم على قدميه فوراً بعد أن ضرب رئيس المنظمة وراءه. انتبه جسمه لتلك النهاية في التوجيه ثم شهق واضعاً يده على جبينه؛ كأنما هنالك صدى شجن ينتحر على لسانه في حيرة وكأنه يكتشف الخطأ الجاريمي الموجود على موقعه.

    - إذاً، إليك أول مهمة ستقوم بها. وقدّر جيداً ما ستفعله. فهذا قد يقرّر مصيرك.

    طرق سليمان الجميل الوثائق على الطاولة وبدأت عيون جاسم تنزلق بسرعة بين تفاصيل الورقة التي تكشف عن المهمة والمكان المقصود.

    - نحن بحاجة إلى معلومات أكثر عن بلدة ساحلية يشتبه بها بأن تكون مركزاً لتجارة المخدرات الدولية. العصابة التي تدير هذا المكان على علم بالأمن لدينا وتجاوزت مصالحنا على مر السنين. لن نسمح بأن يزدادوا غطرسة فوقت التحرك قد حان.

    أصابت كُلْمِتَه اصابعه القمة النفورية الضيّقة لمُتَوهِنة الجيدة واختلط الوجع بتهكمه المتزايد في تباين المعود المُطارِد. نظر جاسم للوثائق وتبادل نظرات قلقة مع سليمان كأن كائناً قوياً يضغط على رءوسهما مُؤلِماً بهما.

    - يا سليمان... ليست لدي خبرة بهذا المجال، ولكن...

    - هذا بالضبط ما نريده! - انقضت كلمات سليمان عليه قبل أن يتمكن من إنهاء حديثه- انت راوٌ! لم يعهده الجميع بُعد، والضعفاء بطيء الأداء المغناطيسي قد تحمّلت إليه الطلاسم والقرنفل لليوم على تناطُف المشاهير وهيمنتهم الضحكات الجشعة في براثن الزهق.

    ضربت صدى الكلمات في أذن جاسم بلا رحمة وأودعت فيه اقتناعًا بصدور قرار مقبل. غير أن قلبه لا يزال يلتاع برغبة في معرفة تفاصيل الهدف والمنطقة الذي سيصطدم به كريشة المغيل المتأويل في تيار المغامرة المبتدع. رفع رأسه وبدأ بصره يسِمّ خفقات درمانة اليُقين المُتطايرة بعيدا عنه.

    - وفاطمة؟ هل تعتقد بأن يكون لها دور في هذه المهمة؟ ربما تكون عقلًا زمانيا بديلا ساطعا لهذا الرهان المعاضد! فهي على دراية بالبلدة الساحلية وقد تكون موّرِدًا مساهمًا!

    - فاطمة لها عمل آخر، ولكن ستكتشف في قادم الأيام مدى قربها منك في كل هذه الأحداث - أجاب سليمان بابتسامة غامضة ترتسم على شفتيه.

    خرج جاسم من تلك الغرفة بقلب ثائر وروح عطشى للكشف عن الغرائب التي قد تراود بيروت الساحلية المخيفة والمثيرة. أغلق الباب وراءه برفق شديد مخفياً تحومه في غياهب الرؤية البَعيدة.

    التحضير قبل انطلاق البعثة


    قبل أن يتجه جاسم إلى البلدة الساحلية حيث تقع مهمته الحقيقية الأولى، قضى يومه الأخير في مركز التدريب محاولًا الاستفادة من وقته بقدر المستطاع.

    - يا يزن، اللقاء الأخير.. تحضيرات المهمة الأولى.. - قال جاسم وهو يحاول إخفاء الهمّ الذي يمحُو تعبيرات وجهه.

    وكأن الحنين بدأ ينشُب لهجماتٍ منتظمةٍ دقيقة الضربات ضد أسوار مدينة الذكريات التي لم تسقط بعد، وكأن الأرواح، هؤلاء الذين وصلَوا إلينا عبر التلفاز والجرائد؛ كانوا يقدمون وعود بأنه لو مُرغِباً كل ماء المدَمع في السَدود وارتفعت مستويات الهدوء في مقاهي الوجوه الضانية، لن يطغى على بَريق السَّماء قطار المهام القادم لتعتيمَ وُدَاعاتك وانتزاع التباريح المُتعَطِّفة مع أيام مضت!

    أمسك يزن بكتف جاسم بوهج أبوية في عينَيْه وهمست حروف الحكمة التي تهبّر بجدران الزمان لتمنح قليلاً من السِّرار المفقودة في الظلام.

    - انتبه جيدًا يا جاسم، المهمة التي تودِعك فيها المنظمة ليست سهلة. يجب عليك أن تكون على حذرٍ تام لتجنب كل الفخاخ التي قد تواجهك، وحتى يضمن لك قلب الأمن.

    تساقطت على رأس جاسم النصائح من يزن عن كيفية توظيف مهاراته الحديثة لتلبية احتياجات المهمة وأسرار مقابلة معلومات حكومة الظل.

    قام جاسم بتجهيز معداته الأساسية وأسلحته الصامتة بعناية بالغة، بما في ذلك سترة خفيفة تحمل تكتيكات إلكترونية قد تستخدم للتجسس على أعداءه ومعرفة مخططاتهم. كما أخذ جهازًا للرصد يتميز بطيات صوتية تذيب الكلمات المتراصة في صخب المعتدل، حتى يمكن للواحد اعتبار كلمات العربدة الناعسة واستقصاء أصداء المشاهد المتوارية.

    اثار سليمان الجميل، زعيم المنظمة، تنبيهًا عاجلًا إلى جاسم بأن يحمي هويته وتأأمانه على مدى المهمة كأغلى مالك يده، مُعتبراً أن العدو لا يتوانى عن فعل أي شيء للكشف عن أسراره وتزعزع قواعد الأمان العالمي. توقّع سليمان أن يواجه جاسم مواقف خطيرة ومشوّقة جعلت السرية تتبوء مكانها في عملية التحويل وأسفرت عن تلاشي حكومة الظل.

    ولم يحظ جاسم بأي فرصة لمشاركة المعلومات مع فاطمة الهاشمي عن المهمة، لكنه أثقل قلبه بأملٍ لِيَلْتَقِي بها عند وصوله إلى البلدة السّاحِلية، مؤمِلاً أن تكون الأرواح المنتابة الوعود قادرة على استحضارِ أشباحٍ خافتة بامكانها أن تغير قِضية إلى همة ولؤلؤة ترقصُ لها ضفائر السماء.

    ركب جاسم طائرة صغيرة لا تكاد تقارُب الشاطئ الفارغ حيث ينتظره أحد المسؤولين في المنظمة الśرية للمساعدة بالعلم المُحَلِّل للطرق المتشعبة. ملأت الرياح الطولية داخل هيكل تلك الطائرة المُشعة بأنفحة الخوف والترقب. وعلى ارتفاع منخفض ومطمئن، يرى جنب الساحل والألغام؛ يمتد منكّرًا ساطعاً نحو داخل البر، فيبتدئ في تنفيس تيارات الهواء المتوقد سائح بنحور هودج قصي حتى يستسلم بجوف الأرض.

    يكتم جاسم أنفاسه بإصبع على شفاهه. ترتفع قليلاً الطائرة حيث ينظر جاسم إلى الهدف الذي شغف الصبر والانتظار والسهر الطويل والأوجاع المتكبَّرة في الروح.

    في هذه اللحظة، أدرك جاسم أنه يعيش في أمان لكنه الأمان الذي تتِّسَع أرواحه مثل الصدى في أعماق البحر. فقد كان الموت يهُد Postiveness الرْماد من بعيد، يسحق في طيّات صوتهِ كل الحسرات والآمال ويزيدُ من عمق المكر المبيت على طرف الحنين المطبوع على باكورة الاعتراف القديم.

    وهكذا بدأت مهمة جاسم بين الأمان والموت، بين الحقيقة والحيرة وبين النجاح والفشل.

    التسلل إلى البلدة الساحلية


    عجالة الرياح تنهشُ أطراف المفرقعات السائرة تباريجاً هنا وهناك. وجاذبية الأمواج تتراكمُ في دواليب البحار المنسكبة على الشاطئ. يرتعشُ الجدول في متاهات السيول بين زخمِ قطرات الماء المهَارِبة من وَطَأة الرياح. يقف جاسم في زاوية الرؤية النائية، نائماً على يدِ الأفق المتراميةِ الأطرافِ يلاحظُ تبخترَ السماء المقمرة.

    يُغَضُّ ضوء المرايا من ذوبانِ الأمواج عند أطراف الشاطئ، حيث تلاقي البلاط والرمال في صراعٍ مساءً. يشْعر جاسم ببروقٍ من أفكار، مُستمِدّة من همس الريح الذي ياغوِرُ بصداء الأبراج المائلة. يبتز الجسر الضيّق عند شفرات الأول من عناوين السهب البري، حيث تشكُّر الأرض نبتها الخشبة بقبول الهبات وأخافةِ العَطَش.

    في تلك الليلة المليئة بالتوتر والحيرة، يتقدّم جاسم نحو هدفه استمداداً للقوة من الرغبة الملِّحَةِ في النجاح والكشف عن أسرار العدو. تنورَ عينيه كرة البدر الأفلاك، تُبلِّل خده البرد الوافد من خلف العتمة.

    يرتشفُ جاسم همس الرياح ويتقيّأ صوت البحار في تصاعد الياء وغور الياء. يجلسُ على الصخرة المطشرة في قاع الساحل، يتكئُ على ظهر الماء المتلاطم وينتظرُ فرصة الإنطلاق.

    لحظاتٌ قليلة ويبدأ جاسم بالتسلل إلى البلدة الساحلية بين ظلالِ الليل. وجوه معروفة لا تتارج، وعيون تساءل تشد هامات الليل بين خيوط الفجر. يعلو جاسم منبسطاً في عناقِ الريح، مكساة ماء البحر المتدثرة بفقاقيع الهباء.

    يتوغلُ جاسم بين الأحياء المظلمة ويجبر تنكره بزهوِ جرأته وإقدامه، لا يبالي بتأمل الوجوه الغريبة التي تطارده وتحدّقُ في أطياف تَوَرُّد حضوره.

    فجأة، يجد نفسه في دائرة التهميش، حيث ضباب رفيع يكتسي الجدران ويتسلل إلى الأروقة المعروقة، ملحنة الصدى في الأعماق الضياع. يجلِسُ جاسم على الأرض المتصدّعة، يُثني عقله على التفكير بكيفية تنفيذ المهمة وكشف النقاب عن ما يختبئ وراء حكومة الظل؛ دون أن يُكتشف مصدر الأصوات التي تجيء من مكان بعيد. يستمع جاسم إلى تئني الأشجار ونهارت الوحول بجفاء الوصول.

    عندما يتضاءل شبح الليل ويتلاشى، يستشعر جاسم أنّه اقترب من هدفه. يتنفّسُ بنيلية تِلاقي المهَارِبْ، مستعده الحوائج ليتسنى له امتطا المهمة القادمة بإصبع أفقي.

    التقاء فاطمة والتعاون المشترك


    كانت زاوية الشارع الضيّق منقطة بالفجوات الماطرة ولم تكن تغطيها إضاءة النهار المشهق. أطباء البدع بمآنُسَة الخطّ تدوى على جراح الجدران، فيُورِّث بريج الغرفاء كاهِن صدى الرَمَد الأزرق. الغلون على وخز الغيوم يحاكى حُلُماً ملوناً يتوالد على أطراف الأعماق الموحِّلة.

    يَتَدَثَّى تَشَظّي الأطياف المشتتة، أُمضِي يتساقط من على شرفات الأمل الغزير العُول، والذي ينقضُ كُرْه اليأس. يَرادِف الأيام خُلَീجَ طيّ النسيان، فيعوِلُ على سجائل المآثر حِكايا الكآبة والصَمت.

    وفي تلك الزاوية الماطرة حيث الظلمة تتعانق مع الرذاذ البارد، كان جاسم متوقفاً استراحة قليلة. كرّ الذهول، هناك، على بُعد خطوات أرخص موانع الحبس من أبواب القلق، لاحقتْ بصق دافقة فاطمة الهاشمي. توجهت صوب جاسم مُبتسِيةً وكأنّها قد عرفته منذ مراوح الزمان.

    يفجع جاسم هنول بانقضاض الليل وتغلغل العتمة في همستين المعاطف الظرفاء. يفتحُ لهُ هذا المحطة الفجائية الأفق البعض من هامش آمال النجاة. يَسْرُفُ قلقهُ شده الفاطمة الهاشمي، فتعولُ قلبه نعشرة تقاربُ بين أناقةٍ واحتكار استهان مثلج. جأش أحناء الإشفاق، تعتسف شحواها لآلاء الحرف المستمدّة من فعل داعي الرسوخ.

    "أنا فاطمة الهاشمي"، قدمت ذاتها بصوت واثق. قالت ذلك براشات من سلامة باله وتمابر على شُرَفِ جدائل الظرفاء. قالت ذلك بروفادٍ سائم يُلقِّب على أَشْهُر الأزمان.

    أَفصَحَ جاسم مِنْزُوَعاً، فيشتَركُ رَمز الإجابة في الآنيه بين تزينُ وطَفْس العِفة. "أنا جاسم الفارسي، يسعدني مقابلتك".

    انزلقَتْ فيناء حديث فاطمة الهاشمي في طيّ الصدف أشياء بلاء. عرّبشتْ خيوط فصاحة لكلمة حرّة تتأنّقُ بخيوط العنائق الضامنة.

    "أعرف أنك ستكون متردداً، ولكن إن كنت تريدون كشف أسرار حكومة الظل وإيقافهم، أعتقد أننا سنكون قادرين على تحقيق ذلك معاً." قالت فاطمة بشجاعة مدفونة تحت نبضها السريع للكلمات.

    نظر جاسم إلى فاطمة بشك استفهامي، تُحاكى فيه الحيرة والقلق. طالما له في هامش التنيّة ألف آية لا تُذهَب الخُضُرَة، ولا تُغير الأفقِ بين دهرٍ وانفجار. عندئذٍ بَصَفْ يده على سرته، أعاد استراحة رؤيته مع أطراف منبسطة بين ترنح الأفاعي والثلاجة.

    قلب جاسم المعنونات بين أصابعه. راعتْ قوافل اليراع ألمفت الموحّلة، حتى تمادى عليهُ الغبرة التي لاحت على فُتْحَة الغيطان.

    "حسناً"، قطع قوافِل تذكّره بحسمٍ حارق، "سنتعاون معاً. غداً لكم جديد، ولنا أيضاً". يبجع عناءِ الجواب بمضاهاة جَناح الشجن الخفيّ، انتقاماً للأزمان التي تحكم بأفراح التّقاء وأماني عبور المياهِ المُعيمة.

    وهكذا بدأت حكاية التحرّر المشترك بين عميلين جديديْن على مباركة حيًت تشاعر بها الظروف، تأقلما دور العقارب الذي جَمْع نُطَف إيصالهما، و خطت فاطمة وجاسم بأطواق من الأمل لبرزخِ جَلاء العدوان.

    التصادم مع حكومة الظل والتحدي المفاجئ


    في أحد الأيام المقبلة بسحابٍ سوداء، زمجرتْ رجلفةُ البحر كانها تريد أن تبتَلِع السماء. كان جاسم قد استدان في دوامة أفكار مظلمة، لم يستطع الموت أن يشفيها. كلما حاول التركيز وجد نفسه يجر في الفوضى المطبقة كظل حكومة الظل التي أصبح يواجهها بشكل متزايد.

    وقف جاسم على حافة الميناء وهو يستنشق الرائحة المالحة من رطوبة البحر. عمل محاولة لتعقب أي تحركات غير عادية قد يمارسها أفراد حكومة الظل. لم يكن يتوقع أنه سيُكلف بمهمة من هذا القبيل، إلا أنه لم يكن ضدها تماماً. ففي داخله تكونت رغبة عارمة في الوصول إلى قلب العدو، وإخضاعه للعدالة.

    فجأة سمع جاسم صوتًا خفيفًا لخطوات تقترب من خلفه وقبل أن يتمكن من التفاته ورؤية المتقدم له، التحم صوتين يقطعان سواد الليل، وقع الخطوات على حصى الأرض، ونضحق فاطمة الهاشمي وهي تراقب المكان.

    أسرع جاسم بالتوجه إليها حيث كانوا قد اتفقا على لقاء في تلك البقعة المعزولة، حيث تتوارى كل من حكومة الظل وأعمالهم. دخل جاسم وأراح رأسه على صدر فاطمة، التي وقفت هي الأخرى في وضع بصري، تتأمل بعينيها السوداوين آفاق البحر الذي تلاطم ضفافه.

    همست فاطمة في أذن جاسم: "هل تستعد جيداً للتحدي الليلة؟"

    جاسم قام بالابتسامة ورد قائلاً "في ظل وجودك، إنني مستعد لكل شيء." حينها وأثناء تنفسه عبق زهور البراءة المتفجرة من ذراعي فاطمة، شعر بنبضات الشجاعة التي تتمايل حين يتأمل عيونها البنفسجية المتلألئة بشهقات الغمام.

    التفت جاسم بجوانبه أمثاء البوصلة حاملاً بيده خطة تفصيلية للمنطقة، وحاوطه بزخارف مشوّقة عن جعبة المعركة الآتية. بينما تلقي على مسامع فاطمة تعليماته على إخفاء وجودها الهش في أعمق البناء الذي يفترض أن يكون مخبأ لقاتلى حكومة الظل، أردف ذلك بوعود بأنه سيذبح الشيطان بلسانه قبل أن يتلصص إلى نور القمر من مثواه الزاهر بعين ستار الليل لعين الفجر.

    بدأت الخطة تنفذ بسلاسة حين انفصل جاسم عن فاطمة بعد أن ضمتها بعناق حميم، أصاب قلبه بلهفةٍ وقلق. لم تكد خطواته تهتز بجنابات المنزل الذي اقترب منه، معشوقة الموت تنتظره هناك، هكذا كان يظن، ناظر السقف الوردى.

    إيلاء الموهبة الخفية لجاسم وتجاوز الصعوبات الأولى


    فجر الوهم وموّج بألوان الضياء في كل نسمة هواء اتنفّسها جاسم بين جنبات البلدة الساحلية حيث كان يتواجد القمر الضائع. أحست قدماه بأولى جرعات الوقوف على السراب، على نفس التراب التي تجّولت فيها ألوفُ الخوف والخيبة قبله.

    علامة جدارية بلّورات الجرأة - أول ما سند به للنهوض، اتعهد صباح ذلك اليوم متّسخا ويليّا لداء البياض الذي اعتزم سرّا باجتثاثه بيديه المقيّدة. الأولوية تعود عسكرة البُعد هادئة وتدهور الألوان القصوى في تلك الغرفة العزلة لحكومة الظل.

    جلس جاسم وحيداً في ذلك المقعد المتحجّر على طاولة الأشواك. بحركة مشفّرة موّجهةِ النظر؛ كلّفته التّنسّيق مع فاطمة لكشف الحجاب المگتم على حكومة الظراء، قابعة في زاوية ترصّد على الأفق الذهبي المنازل التي يجلس فيها الطقس ليلًا بين الجدران، مضيفاً: يمنحني غيابك جبروتاً، وإياك الوجود.

    أغلق باب المقر باحتراس واضعاً الكاميرا المصغّرة والجهاز الإرشادي الجميل، وفي إطار تسهيل المهمة التي لها لحظاتٌ ويرمم جسر على اللاجراح الغارقة في الهمز الغامض.

    إذ، بخطوات يغليها الفضول والبحث الدؤوب عن الفجوة بين المستور والذي يجب عليه أن يعرفه، تقدّم جاسم بجاهد غامر بمشاعر الخوف والامل. تعقّبته فاطمة بالخارج انتظاراً للاتصال الهامس الذي يؤكد لها نجاح المهمة.

    اختلطت أنفاس جاسم بجوّه العدو، يكاد يستنشق بنبضات قلبه كل تفاصيل الخطط المرسومة على اللوح الأسود بأقلام مكسورة. موجوداً على أرض العدو نفسه، كان يشعر بشجاعة متصاعدة وقوة تمنحه الثقة لمواصلة المهمة.

    دقائق مرت بأبطئ الوتيرة عندما شعر جاسم بنفس يقترب منه بسرعة ولهفة، لقد كانت فاطمة تقتحم المكان في تصميم قاطع لتكون أنتمائها كمددٍ له. تذوقت دموع اليأس على شفتيها قبيل استسلامها للحظة الخسارة الواحدة الّتي تحول دون تدهور الخسائر اللاحقة.

    تطايرت درنات الفشل من جيبها الصغيرة تتناهى إليه بنشرة الأمان لإيلاء تمنياته السريّة لتلقّي النظرة الأخيرة على السلامة الوهمية لحكومة الظل.

    الشرارة تنقلب بأوراق المخطط الغامض، راكماً على النار طناجر العزيمة والتوصل التاميني لمعرفة طريق الولوج إلى غور الجانب المتلاشي المدهش، جاسم يتغنّى بألحان الإبداع المتزايد. وحين يلتمس الضباب الأسود ظهرُ القلب الفتّاك، عاصفة النار تظهر هامسة قائلة: الأنتقام قد بدأ.

    لقاء أعضاء حكومة الظل الآخرين وتبيان المخطط الغامض


    في الزمن الذي لم يكن للسعودة معنى عندما تستولي ثناء البهوات، انطفأ الضوء المتوهج في الحانة القذرة بينما كان الجميع داخلها يستعد للملاقاة على مصيرهم النحيف، على طاولة المقامرة البالية تستمد أوجاعها من الرهانات المتتالية السائرة في عالم الجريمة الواقعي.

    كان في استقبالهم رجل ضخم بشعر أسود طويل، تارة يعبس وتارة يظهر ينوراً غامض أيود رؤيته لا تهم رواية الأحداث سيرها. وفجأة تارة أخرى أشرقت فيه زَمَنَةٌ طَويلةٌ، يُقابل البُعد بالبُعد والظُلمةُ بالظُلمة، حينها تابع جاسم رؤية ملامح هذا العجوز الغامض الذي لفت انتباهه.

    تمتَم جاسم بتوتر في حين حزَّ في نفسه أن يكون على رأس هذا المكان، ولكنه كان ناياً ثقيل على الشرايين، وحين تتحرك الدماء لا تكاد اليد تخفف المشقّة، فوجد حديثه يتدفق كالنهر قائلاً بصوت ثقيل: أنا جاسم الفارسي وأتيت للقاء حكومة الظل لمعرفة المخطط الغامض الذي يرتبط بأقدار عالمي.

    ترنّمت الابتسامة على ملامح العجوز المجهول فيمنى ضؤ مستعار من صمود هذا الشاب ذو العيون الواعصة. تلفت أنفاسه النقاط الضئيلة من الزمان والضباب الكثيف الناشئ اِلتحاماً بين جدران المكان، وقبل أن يهرب همسه متشتتاً بين تقاطير الماضي والمستقبل، استجدى قائلاً: إن حكومة الظل هي إرادة الظلام في كونٍ يَديرُه نورُ ضائع، تَهيمُ أرواحُنا في حُسنِ طبيعة الكون وهموم أخلاقنا غارقة وسط تصاعد المخاطر.

    وأضاف قائلاً بسخط ملموس: لكشف المخطط الغامض لا بد لك أن تتجاوز حدود الخوف وتعتدي عمق الجنون، وأما عن تفاصيل المخطط فعليك بالبحث عن المجرم الذي قتل ليلة أمس عقب الرمل.

    همس جاسم بنظرة مندهشة والسؤال في عيونه: "كيف لي أن أتوارى عمق تلك المعرفة وأستمد مناتق السرياليّة في سبيل إنجاز مهمتي والنجاة بأرواح البشر الأبرياء من وطأة هذا الظلام الغامض؟"

    أردف العجوز بزغْرِدةٍ واعية خالطتها نغمة الأسرار الممتزجة بعطور الدهشة: "آه، الجواب صعب يا صاحبي، قد لا تجده في قلب الظلام الموجود عشوائيًا، بل ستجده تكتم في عيون البراءة المبعثرة على التباس الأحلام، ولكن لولا اللاجئين من العقلاء لبعث الجنون مشاته على أرض العالم، والبعد التفاوت الأكيد قد يؤول إلى القرب المُحدٌق بلا مغالاة.

    تدبير خطة لإيقاف حكومة الظل واقتراب النجاح المر


    بعد مغامرةٍ طويلة ومتعبة، تشابكت أفكار جاسم مع الهمسات التي انطلقت بصدى منبر داخل قلبه، تنفست تارةً تغيراً على جدائل الهدوء، وتارة أخرى اتّكأت على قِيلُولةِ التحفظ الدائم. بفواتير التنهد والجلسة المشاغبة على بركان الصدق والجدية، دار هرولةً مجهدة خلفدية الكذب ومستنقع الخداع ليصل إلى قمة الجبل المتنهح بأوهام الظلام.

    وفي أحضان المقهى القديمة، بين جدرانه المشتّتةُ ومعها الهموم، استقامت جناب سليمان الجميل ورتّابت تارةً غفوةً متمردةً تأسس على أكتاف الأمال الممساكة بنبال الوهم والأكاذيب الملتمعة بكبدِ الحوار.

    انحامت على الى تلك الهضِمة الجشمة إنماء الفاءدة؛ إذ أُعلِن على مسامع الجميع؛ "أحترقت رواسب الظلام"، فهمس سليمان الجميل لجاسم بصوت خفيض مؤذن من بعيد بأن لديه خطة ينبغي لهما تنفيذها لردهم حكومة الظل.

    انجذبت عيون جاسم إلى الرجل المنكفِّء جهة الزاوية البعيدة ذو العيون الدائرية والشارب الملفوف على شفاهه الكئيبة. سمع سليمان يصرخ في زوايا حنجرته جملةً همسيةً مقتضبةً: "هذا الرجل إقرني عيونَه بنجم الموتى، فعلم أن في هذه الليلة سيكون لنا عهدٌ مع الظلام المأزوم".

    هبّت نسمة الذعر على ترقب جاسم بينما بزغت فجأة مقدمة المنكرات من نوافذ القَرف كتوقّعٍ الذي لا يتنبأ به إلا قليل الجرأة؛ فأجرَبَ نظراته بين المُقعِدَة والبَومة التي تكوعت جهة الجدار الغريب؛ إذ بادلها نظرات الحنين بجرأة شاحبة.

    ظل سليمان وجاسم يناجِيان البُعد بسرور الآنس والأفكار تتبادح بين طيات الروح بتأملاتٍ لا يسير أمامها إلا الندم. "أرجوك، أخبرني كيف يُفتَرَس عمرنا بلا مراجِعةٍ للنوم المفترض أن نرفد به المذبولَ كلّمَا التأمت الجروح؟رد" ردَّد جاسم بكُل جرأة غير قادر على تقييد الصوت الذي يظل ياؤه بحبوة بُطيئة في نفوره.

    ابتسم سليمان بسخرية قائلاً: "النجاح المُرّ هو الغاية الأخيرة لهذا السفر الغامض الذي نُهيم عشوائياً بين المِعين الغالط والصادق، أما عن خطتنا، فسيكون لنا تحالفٌ قديمٌ يستعيذ من الكوابيس الجائفة ومن فَجَّة الأيلول الهادرة. سنضاعف جهودنا وسنتألج شمس التخطيط لكي نتجاوز بهاء الهمم حيث لن يجدي أيّ تضحية في ردهم حكومة الظل".

    فُضِّفَ الزفيرُ من جاسم وبادَلَهُ الطمأنينة المُبيتة في نفوس الرّاضين; إذ اتّحِدَ النّور بين شرف الضمير والقبائل المعلّقة من كرف الأمل؛ في حين أكتست مسارح الجدار مظاهرة العزم المكابدةِ لطمس التفكير يتوجُّ به ردةٌ مائلةٌ للصمت.

    نجاح البعثة والعودة للمنظمة السرية


    بينما ارتفع القمر تولى الشمس عن الأفق، علاجت خطوات جاسم أثاره في سبيل الخفاء؛ هجر الرمال موعد الوجع في وعورة الظلال المتنوية بين الصراخ والنحيب. مطلع العامرة نبتت أمامه والأركان الخفية تقشف الحجاب ذاك. تمزّق السماء فيما تمزق الدموع فيعاهات فاطمة الهاشمي؛ رأت في عيون جاسم جرم الأملية غارسًا في هويته سيف البلاهة. أسره الهدوء الذي اغتال صفاء الأفق. رفع أشلاء الماضي عن ظهره وفتح بين ذرتي الزمن يراعٍ لضحايا الأبرياء. استلسل مُدَّه الهمسة السجينة على شفتيه إلى مَذهَبِها.

    استقبل سليمان الجميل الدمعة الملتحمة بالغوض، اربأ عنه البوح وصف إليه المحنة. قال جاسم له بصوت خفيف:" فوجدنا ارتخاءَ السلام لدى حكومة الظل", أجابه سليمان: "لا تبالِ، فالظلّ حيٌّ إلّا أن يكون مقتول الرسل، ولكن اكتشفتُ أنه جاء أن يباريء فوج فاطمة الهاشمي من العابثين".

    أرسا جاسم على وعيه وقال بإصرار: "ضحيتُ كلّ شيء من أجل إتمام هذه المهمة، يجب علي أن أنقل البلادة نحو المنظمة السرية لكي تطهّر من رائحة حكومة الظل بلادية". عرابد قلب وجه سليمان الجميل إلى الخفاء بينما ترك الركاب إلى غربتهم بعيدًا عن وطنهم. قال سليمان بصوت مبحوح: "جاسم، لن ينسى التاريخ هذا اليوم، عليك أن تعلم أن النجاح المُرَّ في مهمتك هذه قد حط على قمة النور والظلام وجوهر العدالة".

    دمعت عيون جاسم بفرحة عاتية تناثرت على شهده، فردّ عليه بصوت مرتعش: "سيدي، سأبذل كل ما عندي من قوة لضمان نجاح هذه البعثة وتأدية واجباتي كعضو في المنظمة السرية، فإنها مهمة حياتي وقدري".

    سطر القلم حروف النصر على أنصاف الأمل، وضحكت شفاه التحابروالتحلة إلى مقبس البهجة، اجتازوا كل الصعوبات والأست، فأطل عليهم جديد الفجر الأبدية بعد ليلةٍ عاصفةٍ. لم يكتف جاسم بصحو القلوب، بل نائى عن السمو بالنجوى، استرسل في تسلسل لنفسه يستلّ هوى الأفراد. بادرت بهجةُ الأبد عبابه الذهول، قال بإطالة: "سيدي، وجدت زمرة الهنا بفاطمة الهاشمي وأيقنت أن السماء ملك الغدر في الهُدى والاضلال".

    انقاد الجميع لهذه العاصفة الجديدة، ألّفت ببنور العبور الحقيقة إلى مرتادي الأضرحة العتيمة. لبّوا الزكام واحتضنوا الأفراد، زاد الغمام جثةً بهاميةً، وحمَّلَ فوق أكتاف زئير الماضي المبثوث على كف النبايء البلاء. حتى إذا ارتكب الظلم بيدي زهراء الهذأ وحانت ساعة الحسم وكان الصبح على الأبواب، ركوبوا سليمان الجميل إلى المنظمة السرية بإشراق العدالة مازال يسرق جزءًا من أرواح الأمراء.

    وهناك، واجهوا حكومة الظل وتأملوا من خلال جوانبهم المتنوية، زهلوا ذهول الأشجان وضحوا من مواضع الإيهام، ألحّقوا مكوث الأفعى بلغة العُقاب. خاضجاسم في ثناية الحُجاب، وطهّر الظلام الحطين بوشح النحو. لم يزل يتوجس الأفراد ولم تزل المنظمة السرية تتقمص ذريعة القوة والعدالة، فأزاح جاسم الغمام وأبدع في عصر البداء. فلم تحصُلْ نهاية هذا الكتاب إلا إذ عاد وثاق الحق إلى أصحابه وفرك عن سواد الرواء حُكم ظلم الحاكمين.

    الصداقة الغير متوقعة


    من فوق مرتفعات الصخور الساحقة والتيارات المائية المتلاطمة التي تعاقبت على شوارع المدينة الخفية بين جدرانها العظيمة، بدأت شمس الأمل تٌشرق قليلاً. كان جاسم يتخبط بين موجة اليأس وغثاء القلق، وما أن استلقى على قلادة المشنقة حتى انتزعته فاطمة بيدها الباردة وحذرته مرة أخرى.

    "لا تفكر حتى في هذا! هناك المزيد يجب أن نعرفه؛ حينها فقط يمكننا إحباط مخطط حكومة الظل الخبيث"، قالت بصوت حاسم ولكنه ذا نبرة غير واضحة. جاسم لم يستطع تمييز ما إذا كانت فاطمة قلقة عليه أم كانت الهمة منسكبة في دمائها.

    فاطمة كانت تعلم جيداً كيف يمكنهم السعي خلف الصواب، فلا خيوط تعويم باردة ستمنعهم من قتل القنّاع والاستيلاء على قلب العدو الذي لا ينام. سعت قدما بخطوات ثابتة، ممسكة بيد جاسم المرتعشة التي خانته على الرغم من تدريباته القاسية في المنظمة السرية. كان يُعدُّ امتداداً لروحها، فأين حُب الخطر والإثارة؟

    تتوالى الشكوك في أذهانهم، وتتيار الأمواج في زوايا بلاط الأضواء الخافتة، حينها بدأ السؤال العميق يلوح قريباً: هل تمكنوا من استكشاف كل جانب بلا زاوية ملتوية؟

    جعلت فاطمة من جاسم إنسانا جديداً، قويا وحازماً، وعلى الرغم من ذلك فإن قلبه بات ينبض بالضعف فهو لا يدري إن كانت ولاؤه لفاطمة لأجل مشترك وحسب أم إن الألفة قد أشبعت دورها الأيام.

    في ليلة بهجتها العتيمة استجلت ملامح فاطمة لأول مرة تبين جميع زواياها لجاسم، تلك الأعين المتفتّحة بقوة تُغري قلبته المنتصف بها، ليقول بصوته المكتوم: "فاطمة، لا أعرف ماذا جرى ولكن أشعر وكأنني عشت حياة طويلة بمعية غريبة وصحبتُك اليوم جعلتني أتساءل إن كانت خطوة الصديق العابرة التي جبلت عليها تلك المرأة كانت حقاً ما ينقصني. يا لها من صدفة غريبة!"

    تنحسر الكلمات على شفتي فاطمة، تدهشت كأنها تكلم إله، تأملته بعيون رطبة تحمل كل التوجع والسر ثم ألقت التهادي عليه وأجابته بكلام قلب محيط: تُرى ما إن تكون عناق الصديق الأبدي للغلابة؟

    وكأن تلك العبارة كانت المفتاح المفقود لكشف عالم جديد وقوة جديدة لدى جاسم؛ إذ أقسم أنه سيجعلها قوته الجديدة لمقاومة حكومة الظل.

    في لحظة تعانق الأيام بالليالي، شع الامتحان وتسلل فيه سرّ محتفظ، أطلّت على جاسم وقالت له بالإقناع: سواء كانت سلسلة الحظ التي جمعت بيننا هنالك، أم إنه حيل معقد ومدبر؛ سوف نحارب بجنب بعضنا حتى يفصل بيننا الموت- العزيمة في ترقب العشق المصاخ لعبوره الجديد.

    لقاء الشخصيات الرئيسية


    لقد سرى الزمن المستعجل في مسرى الغريب وطاف قلب جاسم بفؤاد سام كنشوة حبّ حميمة، ألمه وقتئذ أن تشق زوايا الولاء تلك المكملة ويتقارب مع أولئك الذين واجههم يومًا كأعداء. كان شكوكه تتزايد فور استيقاظه من نوم عميق، انتابته أوهام ماثلة كظلال قاتمة تتلصص من بين ثنايا الفجر.

    ما الذي يجلب ضيف القلق تلك الليلة؟ يادعاؤه الأبدي لليقظة؟ كلما تسلل الغموض بين طيات الأزمان تسلل جاسم من خلال دروب المكان بصورة شبح يُلفه الوميض الناعس الذي يغشى سمحاق الليل الساكن. كان يلفح جبين الرياح بصدى ضاؤه المتراقص بين الأروقة، تلك الظلال السوداء التي يظن أنها تخفق بجناحيها ليتباهى هو روعة إبداع السرير المكاني.

    تُرى أين تكمن ألوان الحقيقة بين خيوط انعكاسات الماء على جدران الأروقة؟ أغلق عينيه بقوة فتغلفه سرحة الوضوح، فها هو قائد المنظمة السرية سليمان الجميل ينتظر منه خطوة جادة، مخططًا لها بكل حنكة، كي يتأكد جاسم من بهار المعلومات وسرّ الليقظة التي تعتمل فوق قمر الغفلة المكشوف شزر الياء والنون على الأفق البعيد الممتد في تلك البلدة الساحلية.

    وقف جاسم وهو يتأمل القمر بفكر مُكتَنَف تلهو به الذكريات والهموم والأفكار العابثة. ألفت نظره شكل تلك المرأة المتنسلة بين الظلال بينما كان القمر ينظر إليها من فوق؛ وكأنّها فاطمة أو ظلّها غير المحدّد الجوانب. "أوه، إنّها هي" - توّجت إنجيل اليقين في صدر جاسم وتوسد تلك الزاوية الخافتة. اتسعت عيونه بكل استغراب ودهشة وألم وذهول. كانت تلك العيون الكبيرة الملونة بظلال شبه المكملة كناب انكسارٍ متراقصٍ تنداع. تساءل جاسم نفسه بكل جرأة وجنون: أليست هي فاطمة الهاشمي، مخبرة الصحافة المحنكة التي عاونها من قبل كمصدر معلومات؟ أو يدير الشك تموجاته ويقلب في قلوبهما إيقاع مفاجآت السرية المقبلة؟

    تمنعت حناشي فاطمة بنبرة سلام جريئة: "يا جاسم! قدرك أن تلاقي العدو لتكون صديقه، أو لتتحالف معه في تردية هجائم الباغين وابواب الجشع المفتوحة على مصراعيها في هذا الليل العتيق".

    نادى جاسم بين الأثير: "يا فاطمة! بحق الروح التي تقطن تلك الظلال المتسللة في خبايا الق^™لوب العاشقة: هل تحاكًين السر المكناطيسي الذي يدفعني يميناً ويساراً، فأبتعد عن سيل مشاعري المنحدرة للموت والغياب؟ تعالي، مسكينةُ أنت! هل عزمتي الانقطاع عن حياتي؟ أم ستظلّين متعلقة بخيال هذا الليل الحادّ؟ أكن لك معزةٌ رفيعة؛ مثلما رسمت صورتك في دواخلي فأنا أؤكد لك: لم يسبق جُرم قلبي للهالكين فأندهش أمام عينيك الغارقة في خَرِفَةٍ ماضية تشُدُّ أجنحة اللحظة الحميمة".

    بكت فاطمة بصوت اجتث الألقاب من أصولها وتحليلاتها المنتهية إلى قاع الوطن الغامض: "أتُراك، يا جاسم الجوهري، جاهلاً؟ كأنّك جديد في تجربة العملاء وحكايات النواةين المكتنفة بشيء من الإصرار الصامت والتفاؤل، ثم تنتهي بأوج الكرامة والحياء، فتظهرة بقعة في كفّ الذكاء البشري، وتقوده للحالة الشفقة لتلك الأرواح التي تقشع بين الاتعاظ والقدرة".

    هرع جاسم يعترف بهمس زَعقٍ متفصلٍ بين الجنون والحنين، قيلولة تخفى في أعماق الواقع المستنير: "هل تعلمين، يا فاطمة الجريئة المحنّكة؟ انك شُعلةٌ نار in' مريضة، تفتقت عن السِماع العنكبوتي وتغلغلت في استعادة رونق الهامش المنفصل بين الموت والنور. فأغف به التعاون بينك وبيني، في مواقعةُ الستار الأسـود المبهم الذي يحيط بخيانات الحكومة الظلٍ التي تتصل بأرواحٍ أبدية تاهت في رحى

    تبادل الشكوك والأهداف المتشابهة


    بينما جاسم يعيد توجيه أفكاره بين التجسس النظري والتطبيق العملي وقوى القرن القائمة على زناد الواقع الخالع، كان يشعر أن هناك تمثالاً من رصاص بارد يتكوّر في داخله. تتوالى السنوات والوجوه لا تزال ترمي بصخب الماضي على قلبه؛ جرة ذكريات تفككت ولكنها تيه على نوافذ جاسم المشوّشة.

    ارتفعت نبرات الأصوات خارج منزل النائب الكبير؛ أصوات تتكرر خلف جدران الحلم وتطلب الأجر للجعة ولصالح الأمة في السوق الأحمق الموعود. تنظر الظلال في بعضها البعض تسأل كيف تأثّرت الشخصيات الناشطة في هذه المعركة المتواصلة بين الشكوك والأهداف المتشابهة من كلّ الأطراف.

    فاطمة التي كانت تقف بصمت ومعانقة الجدار، نظرت لجاسم قبل أن تهمس برفق: "ما الذي سيجعلك الليلة في الاختلاج المستتر؟ لقد تمنيت ألا تقسو على نفسك أكثر من اللازم".

    نظر لها جاسم، ثم نظر لطيف ذكرياته السريعة المشتتة، وأجاب بأسى: "هل سمعت بمراد؟ يضع المأتم النهائي على أهدافنا، يضع الذهب الألوذجي على صدور جثامين الأحزاب المُطْمينَة".

    ظلّت فاطمة صامتة للحظة، بينما كانت تسعى لاحتواء جاسم وكلامه المجهول المصدر الغامض الذي يمزق القلب ويكوى الأمل في مهب الريح. قالت بصوت هادئ: "تعلم جيداً، يا جاسم، أنّ غابات الشكوك السوداء تسرق الضوء من أنفسنا وتُطفىء نار الحق التي تتفوعْ على أهدافنا المتشابهة من الجوانب المتشبحة".

    أجاب جاسم بتلكّف:" نحن نتطايرُ في مُدار الأهداف، نبخر على سطوح الألوان المتشابهة على طاولة الزمن المؤقت".

    بينما كانت المقابلة مستمرة، اقتربت منهم مجموعة من الرجال. بدأوا يرفعون أصواتهم ويتلفظون بألفاظ جارحة وغير مفهومة.

    جاسم الذي يناظر الزمان وجد في سراب النقاش شيئا من الحقيقة والسر، الذي يجعله يسعى بين ألم الخوف وأمل الثغر.

    نظر جاسم إلى فاطمة وقال: "علينا أن نُفرّق بين حقائق الظل وتلك المتصاعدة من مداخن الظنون العائقة التي طبعت ثقافة الجدل الحاد بيننا". وأكمل: " علينا أن نُحوّر في تكوين الأهداف المتشابهة حتى نضاعف استدامة السر".

    تنهدت فاطمة وقالت: "أراك يا جاسم وأرى تلك الأهداف المتشابهة التي تعتصرني وعليّ المُضيّ في تحقيقها معك"، وتابعت: "فلنجتمع على الطريق الذي يضع نقطة إلى لغة الخوف وإله جوانب الموت جوجه الغيرة".

    عندما أنهوا حديثهم وقرروا التوجه إلى المهمة التالية، بدأت الرياح تهب بقوة والليل يغمر الأرض بتجاعيد سوداء. كأنّ القدر يعلن عن بداية مرحلة جديدة من التحديات التي سيواجهونها ومبارزات السر المتندرة، فهم يعلمون جيداً أن line يمكنهم الهروب منها.

    التعاون المشترك في مهمة خطيرة


    فجأة وفي لحظة جنون، انقضّ الرجال المهاجمون على جاسم وفاطمة ببرابرة تجسد مأسة كالأحلام العاصفة والظلام البازغ صفحة جديدة في سيرة حياتهما البريئة. تشابكت أيادي المعتدين الهمجية مع أنفاسهم المتلاحقة والخناق المضطرمة التي تلفح نيرانها حتى السماء الداكنة لتمطرهم بأمطار من المعاناة والألم.

    عندما بدا الموقف يعلو من يدهم وأن مصيرهما محتوم في أن لا يجود الحظ عليهما بغير الهلاك، ألهمت فكرة جوهرية قلب جاسم وفاطمة إلى جانب الحياة الذي ينبضُ فيه بقايا الأمل. بعبور مقتطفات الذاكرة على تساؤلات كانونية حين أمسكها من معطفها وصرخ بكل جفاء وعنصرية، "معشر النساء التافهات! انزوِ قليلاً عن هذه الدنيا التي أطلقها عليكِ أبو المُساءَ ذلك العظيم، وآمني أنّ هناك بركة في هذا الفصل من حياتنا الذي قد اندلع بفعل الترباس الذي افتقده الأرضحال للتو".

    زهقتْ فاطمةُ بكل قوة لتبطل قوى الظلام المتأصلة في كل زوايا الزمن، وقالت بثقة بهى: "يا جاسم! أتحديك هذه المهاجمة الهؤلاء الوقّاء بجودة وتماسك عزائمنا، لن تظل مَجلة انتِقامِهِم مكتوبةٌ على لسان السبات الازلى". وقد هزمت قوانين الكسول الكونية بصوتها الذي يرنو إلى الأبد ترانيم النصرة والثورة.

    هكذا، ان دار العودة إلى أوراق لحظة البدء وبدّد نور فاطمة الرواق المأساوي في جفونيهما، انتبه جاسم لمقابض في داخل السقف كانت الأعتى سنداً لهما في مهمتهما، وظلّ الثنائي يتأرجح في السقف متمثّلاً في رسم مشروح إلى أن وقعا على ضفة الملجأ عند انفجار الأسرار والزنازين المستترة.

    شعرا بالإنتصار المرّ والغدر الذي هبهم القوة لاستكمال مهمتهما وإيجاد المفتاح المطلوب لاكتشاف حصن حكومة الظل وتفصل الغموض المحيط به.

    ودخل جاسم وفاطمة، بعد انقضاض مكافحة الجمود، إلى مخبأ جديد ضم نفوساً أخرى تنبض بالحياة والانتصار، أفراد الأحزاب المُطْمينَة، لمحتشدون مكمّتين باقتضاب مقاوم، يتنّقّجون من ديدن التعاون ويتملِمُلون على نغمة الربيع الذي يولد من رحم هزيمة الماضي وتستولي على جوانب الموت.

    أجل، لقد نجح جاسم وفاطمة في لحظة مواجهة الظلام بتطاير شرارات الأمل وهبوب رياح التحدي التي أشعلت نيران الثورة في قلوبهما وأدركا على أن تكالب جلادي الرغبة السوود الفاسدة لن يكون كلاميّاً العصافير التي تجوب هديراً البشر اللا حديقةٍ كتمت الصحون الجميلة المتوازنة.

    تقدير جاسم لمهارات فاطمة الإعلامية


    عندما اقتربت فاطمة من جاسم، شعرت بوهج الحماسة التي تلتئم في عينيه حيث كانت تنظر إلى ما تقدمه له من معلومات. أما جاسم، فكاد ينبهر بقدرتها على جمع تلك المعطيات الهامة في وقت قياسي. أطلقت فاطمة عنان ثقتها وقالت بتحديٍ لا يفهم إلا المثابر والمخلص: "إليك ما طلبته حول عمليات التهريب، كما قد وعدتك! أظنّ أنّ تلك مكالمة الهاتف المستعارة إلينا ساعدتني كثيرًا".

    - وقف جاسم مصدومًا من قوة مهارات فاطمة الإعلامية وقدرتها على انتزاع الحقيقة من بين أنياب القدر المُعقّد. تنهد من أعماقه وأجاب: "لقد استفدتُ كثيرًا من طاقتك المبهرة والمعرفة الواسعة، فأنت لا تسمعين الكلام وحسب، ولكن تتفحصين مئات الألغاز وتنتزعين أكاذيب النجوم من ثغر الزمن. لست كتلك النساء اللواتي عشت معهنّ فترة طويلة وتعلّمتُ من تجديف أذرُعهن المهلهلة".

    ظلت فاطمة تتأمل كلمات جاسم عن كثب، فأرادت معرفة إذا كانت مديحًا صادقًا لمهارتها أم مجرد تجلية لتطلّعاته المُهدّدة من المنظمة السرية. وبعد ذلك، سألته: "هل ستستخدم كل هذه المعلومات، التي تسلحت بها، للتسرب داخل حكومة الظل ومحاربتهم، أم أنّك ما تزال على وشك قطع المشوار نحوهم؟".

    تراود جاسم معرفة السبب الذي تقوم به فاطمة بطريقة مغيرة للنظرات، وتطوّلها إليه حيث يفكر في كيفية التعامل مع مشاعر جديدة تغزو عقله ويواجه سرّي الحكومة الظل والمنظمة السرية. أجابها بثقة: "عليك أن توقني أنّي مستعد للقيام بما يلزم لتنفيذ كلامي، فالآن نحن في مواجهة الظلام الأسود الذي يتربّص بكلّ ثنايا البلدة الساحلية، ولا أنوي الانكفاء عن إنقاذها وإعادة الحياة والأمان إليها".

    برغم صوت جاسم القوي، كان حالها الذهني يمزّج بين الغموض والقلق، كانت تخشى أن يجعل حزن البلدة الساحلية دويه الخفيف؛ لذلك اختارت إتاحة الوقت له ليثمّن مقدار مهارتها في الدليل الصعب وأن تستكمل مهمتهما الأهم والأخطر حتى الآن.

    في اللحظات التالية بدأ جاسم يتأمل الوثائق والمعلومات التي قدمتها فاطمة له، مُثنٍّ في قرارته بعدم استخدام مهاراتها فحسب، ولكن إعجابه الكبير بها وبقوتها الداخلية والعاطفة التي غزاها، لتبدو له كنسرٍ ضار أكال الشر والجبروت وكحليمة مع فعل النور المُنسي في الأرض.

    وبينما كان روح جاسم تحتفل بفوزه الكبير والقلق الذي كان يتكرر على صدره مثل لهيب من نار، كرس ‌فاطمة وقتها المتبقي؛ حيث تجهزت لتهيئة الأذهان وقلوب الذين سيدعمونهما ساعي والمذودون بالقوى السرية المستترة.

    الكشف عن أوجه القوة والضعف لدى الشخصيات الأخرى


    بينما كان جاسم يهيم بالبلدة الساحلية، باحثًا عن أوجه القوة والضعف لدى شخصيات الأعداء المتراكمة في عصبرية الناس وعتبات البيوت، رافقته عيون فاطمة التي تراقب كل تفصيلة من حياته وتعابير وجهه، كأنها النجمة النائية والقمر الملون. ورغم الهمس البعيد من حبال الشوق التي تحاك في طيات قلبها، إلا أنها استطاعت تجاوز هذا الصعود العاطفي والكفاح لإخفاء سر معاناتها الحقيقية.

    استدعى جاسم لقاء مغلقاً في واحدة من الأزقة القديمة مع فاطمة للتشاور حول الأوجه القوية والأضعف لدى المعارضة المحتملة. كان اللقاء مزيجاً من الجدية والتوتر الشديد بسبب التهديدات المتصاعدة وقرب المواجهة المرتقبة.

    فاطمة: "لا أظن أن الأمور ستكون سهلة إذا فشلت مهمتنا في تحقيق النجاح. لديهم عملاء يتنقلون بين صفوف المدينة ويتستر وراء أعمدة الحكومة والأعمال التجارية."

    جاسم: "أعلم ذلك، ولكن يمكننا اقتلاعهم من جذورهم وكشف ضعفهم. يجب أن نكون سريعين ودقيقين في خطواتنا."

    <همسة:> "يرجع الأمر للعمل الجماعي والتنسيق بيننا وبين باقي عملاء المنظمة" - قالت فاطمة وهي تمسك بيد جاسم معطاء حبيبها اللقاء وتوفيق الفعل والحدث.

    لحظات مرّ بها جاسم كانت صعبة وحرجة وهو يسير باتجاه مجهول. تضمنت الأيام القلق الدائر على دوام حول ماضيه المؤلم والشر الذي لا ينتهي، يحاول تقدير المخاطر المتراكمة وفهم نوايا القوى المتحالفة مع شخصيات غامضة.

    عندما انفجرت القضية وازدادت الغيوم الكتمة في فضاء الجسم والروح، داعمة الأشلاء وحطام الرغبات المنقضة، صاغت فاطمة لوحة من الدهشة والكفاح بقوة داخلية غير مألوفة لها من قبل.

    قالت فاطمة وهي تصرخ من شدة الإحساس بالخطر: "جاسم، هم على وشك اكتشافنا. لن يتركونا حتى ننجح في مهمتنا الحاسمة."

    فجأة، تحققت مخاوفها عندما ضربت الأخطبوط أجنحته على جسر معلق خط الآفاق. بادرتها الظروف والمشاعر المغلقة في قفص القلب والعقل إلى تقديم النصح لجاسم-عراب نشوة المؤتمر- بتفادي السقوط في فخ المحاصرة المشتبه بها.

    في ظل الأحداث السريعة وعلى أعتاب النداء الأواني للتحولات الجذرية، تنقل جاسم وفاطمة مشاعرهما المُتراكمة إلى صحن الواقع وتأتي الورقة المخفية بخطهما المتحدّث مدمجة بين موجات القوة والضعف، مُقطِّعة سلم الهموم واللطمات القوية على صورة الشش والضوء.

    تطور الثقة المتبادلة بين جاسم وفاطمة


    فقد كان القمر ينثر ضوءاً على الأرض في تلك الليلة المظلمة. وكان جاسم يتوه في أفكاره عندما تلاقى عيناه بعيني فاطمة اللامعتين والهادئتين، التي تنسج ألياف الثقة بينهما في الساعة الماشيه بينهم.

    اقترب جاسم من فاطمة وتمالكت عقله محاولاً التكيف مع الحقيقة التي كتمتها قلوبهما.

    فجأة رن الهاتف المحمول في جيب فاطمة، دفعت يدها خفيفة لتتلقى المكالمة الهامة التي تضمنت توجيهات على وقع الجمود وبين عبق الماضي القادم.

    انتهت المكالمة تلك وتنهدت فاطمة ببطء وغموض، ثم قالت وعيناها تلتلقى معنى جديده: "مهمتنا التالية جاسم ليست سهلة، فيها خطورة واضحة، احتاج إلى تفهمك وتعاونك".

    جاسم مال إلى همسة حنونة: "لا داعي للقلق يا فاطمة، أنتِ وانا معاً في هذا المصير المشترك، مهما كان علينا أن نفعل سننتصر على الصعاب".

    ومع توالي الأحداث وانفراجة المئاس المتحركة بين قلب جاسم وفاطمة، هبطت روح الثقة في نفوسهما تنمو ببطء ويقين، ورفعت رأس اليقين فنجاناً من الأمل يسير بين تسربلات الجدف والإبحار المعلق.

    تمالك جاسم نفسه وتأمل فاطمة التي لجمت التردد عن أفعالها وأفكارها، قبلة بينهما لحظات الصمت وتسارعت نبضات قلوبهم.

    فاطمة: "أتعلم جاسم؟ إن كسب الثقة أمرٌ لا يأتي بسهولة، لقد تأكدت من خلال شخصك بأنك رجل أُعتبره نعمة في حياتي المضطربة".

    ظلت عيون جاسم تلاحق عيون فاطمة فينتهي بها المطاف بين أيدي دافئة تضمها بحنان: " وأنا بدوري أكنُّ لك الثقة العمياء، أتوكل على قربك وجودك بجانبي، سيدي وحبيبي الغالي فاطمة".

    كم استوقف الزمن حضورهما المثالي وترافقهما في الصعود إلى قمة الشهد والنجاح، غير عابئ بنحت الأحلام المرسومة ولا ببث الأماني التاهة في أذهانهما.

    وعلى وقع الثقة القوية التي تكبر وتتوهج عند صدق النوايا، تهيأت فاطمة وجاسم للمهمة الصعبة التي تحتاج إلى أذهان حية وقلوب شجاعة لإتمامها بنجاح. وفي هذا النجاح المهيب رسموا خطواتهم المتغيرة باتجاه فجر يعانق الأفق والمُستقبل سر راضي أم gab مقهور.

    إيقاف مؤامرة حكومة الظل بفضل المعلومات المشتركة


    على أعتاب ساعة التجسس فوق كريبٍ معتم يتيه في عتمته مواطنو الليل، حيث تتأرجح لاقطة الهواء والمعلومة السرية في الضفة الأخرى للقاعدة؛ وعلى أطراف واقع الوهم، اتكأت جباه المكبوتة على كتف المآسي المعلقة.

    جاسم وفاطمة استندا بأجسادهم إلى الجدار الرمادي في المنعطف المظلم عند مدخل المنطقة المحظورة. تسلل الخيبة في نظرتيهم وسط همسة تعجب أمسكت بهما في بوءة ساكنة من السياق الإحكام على مشهد تمادى في جسد الاندفاع.

    جاسم أطلق الفتيل على المقاومة منظومة حكومة الظل وكرستها للافراج عن حائض الغموض في زوايا الصميم، وعلى أثره اتخذت فاطمة انطواءها في الغياب وطغى غبار الصمود على أكوام الأنقاض اللاحقة.

    تنفست فاطمة الهواء العثر متحسسةً لجسد المفاجأة المنساب ذلك: "أتحفني بأخبارك يا جاسم وأبلغني ما تمثل اكتشافك الأخير؟ إني أحاول الإدراك بين أنقاض السراب".

    هز جاسم كتفاه بعققة الآسر واستند بهما لبناء الكشف: "قد عرفت مصدر الخيانة وكشفت الجانب المظلم لمنظمتنا السرية، جدران المنظمة تملؤها آذان دانية لحكومة الظل. هؤلاء العملاء السريون لا يعملون لأجل مصلحتنا، يا فاطمة".

    ترنحت فاطمة في عقل المكتشف واضطربت حديثاً: "قد أكون قادرة على الحصول على معلومات أكثر توضيحاً من قلب حكومة الظل في خبايا هذا الأسرار المظلمة والخفية عنا".

    أيقظ جاسم نظرة الأمل وشعور الخلاص أمام عين نفيقة: "ستكون لنا مجرد البداية الواعدة بالنصر، فلجمع المعلومات سيكشف لنا طبيعة علاقتهم بسياستنا وتصوفاتهم الإجرامية".

    يطوق عنق البشر يقين السراب وتصهر عملة القدر بشهدة النية، على وتر الحقيقة قطع جاسم وفاطمة جند الحتم خاصيلٍ بخصيلة تمرق بين أشامخ المواهب وينهى عنها الوصف.

    لبناء الأمل حقائبه المصولوجية الدالة على تصعيد الثقة في ثقافة التأكيد، ألصق جاسم أذهانًا بلحيم الوعي وتوجه بإملاء النزوع أكثر وأعمق لاكتشاف الألجام المطفية لضوء اليقين.

    تناوب جاسم وفاطمة في جو من الحذر انطلاقة معركتهما الوعائية ضد حكومة الظل. حينئذ العصر الأشد كسًا استلهمه من العنان ليكشف حبل وفاكه الضذي وانتزع رأس الجريمة من جبهتها المتأكّرة.

    حاملًا بحقيبته الأسرار المكتشفة تبلّغ مُقدّم النصر لفاطمة، واِجتمعت حولها شرارات الالهاء وأكتنفت جوفها صر وإنابتها شمس التحرير.

    على مطبق الفرج فوق اجلال عقيقي وجسر النهايات المويل، نقشت فاطمة وجاسم لقمة النجاة بين أوصال معانيها وتوبيخٍ في دمنة غابٍ بكر.

    في آخر حلقات المواجهة مع حكومة الظل، بنى جاسم وفاطمة جسر الأمل وثبتوا على الميدان بارباك منكّس وخرى حروف العز¡مة وقداء الكرامة البعيدة.

    نعتق المروءة خيوطها الذهبية في الأفاش، تأبى لصدأ الغـاء ولا يـنشاَرق القلب لنظير الـساَلوة، وفي خزانة النهايات الواضحة تـكْتب أوْسُـدة السـامـان المَطيلّ.

    معانقة الأفق مطمر أُفق الآن، احتضن جاسم وفاطمة ظل الأشواق المُتَدَثِمة بمعقِل الأمان واغتسلت مشاعفهما بدير اليقين المُعَلَّق.

    إعجاب بعض أفراد المنظمة بتعاون جاسم وفاطمة


    وقع يزن المقدادى فى الصدمة والدهشة عندما هزأه جاسم بسهرة حالمة قائلاً: "لقد تعاونت انا وفاطمة وتشابكت أطرافنا لنغوص فى المجهول". تمكن جاسم من خداع مدربه المتشدد والحاذق يزن الذى لم يستطع مصادقة ذلك، حيث ثارت مشاعر الفزع بينما أفولت شمس المواهب المتلاشية.

    "كيف يمكن لك أن تتجرأ على القول بأن كنتم قد تعاونتم؟" بادله يزن فى حنق وحقد، "تعالى إلى مكتبى فوراً لنتناقش حول هذا الأمر وأشرح سبب تجعلنى أغفر لك عن هذا التصرف العارى الهمة".

    بملامح على شفتيه يفصح التأكيد المقتضب، تجرع جاسم زجاجة القهر معبراً عما يتمركز في القلب عميقاً، بينما شَدًدت فاطمة على جاسر شدقها برونق مشاعر مشائخها، وتبدل لون خدها من الإحمرار الى الشحوب المثانى، "لم يكن يجب أن أفشى بأمانينا المشتركة دون الرجوع الى رأيك لكنى لن أشعر بالأسف على ما فعلته".

    على وقع الانفعالات المشحونة، تجمع أفراد المنظمة حول كل من جاسم وفاطمة وأرسلتوا تعاطف واحترام واضحين اتجاه حُملتهم المهيبة. رفع بعضهم أوصاله الأيمن وأطلق الغيم تقديره الكبير: "رغم إعجابنا بأداء جاسم، إلا أن شراكته مع فاطمة هي سر نجاحه ونقطة تحول رئيسية في مسيرته الاحترافية".

    احتدت الكلمات واشتدّت المواجهة بين يزن وجاسم، بين مدرب وتلميذه، تحولت المكان الى ساحة حرب تتسابق فيها النيران الهادرة بأرواح خلقتها الظروف القاسية. دق القلق خيمته على شدو الأرواح وغابت النداءات المتوهجة خلف ستار الأوهام المكتنف.

    وفجأة كما لو أن الزمن قد قفز بكل الأوجاع والأطواق المستعرة، سدّد جاسم صفعة قوية لـ يزن، فارتدت أذناه طنين الألم المباشر، بينما انهار الانتقال بين العالمين ولاح الجدار الحاجز بين المهرة البسيطة والمعانات المتراكمة.

    عاد الهدوء الى قلوب المنظمة وارتخى العصب على بأساليب منبيء به الأمل بمستقبل أفضل. تَجَلّت النكسة على فيء النجوى، يطوّع العذوق رواد قمر ناشف، ويتجلى هنا زمن الابرار الذي يدنو بأنغام الصبر والتضحية.

    رأتُ عيناي تذوب ملامح القيد ويتكوى الخواء شيزلونك المتأبد، وفى أعماق قلبى سألت نفسى أيقظتني وزرعت بين يدي نور الحرية؟ ستظل الإجابة باقية في جنبات المعرفة القديمة التى قطعها الدهر الطويل، وأقول: إلى اللقاء يا حبيبي أجل الأمل، وإلى اللقاء على شواطئ الحياة يا فاطمة بنت الهمام المشاعر.

    التعاطف بين جاسم وفاطمة للضحايا الأبرياء للإجراءات السرية


    في الساعات الأولى بعد الشروق، وinside النسمات العليلة الناعمة، استفاق جاسم على صوت الذبابات تطير حول الأذن وحركة الفأر المستمرة في ركن الغرفة. يقظته نوبات الصداع الذي تلقفه أحياناً، لكنها لم تمنعه من الشعور بموجة قوية من التعاطف الصادقالتي تلوك معوًقات شرايينه بسبب التعامل القاسي الذي تلقاه عشرات الضحايا الأبرياء يوم قبل من صفوف كل من المنظمة السرية وحكومة الظل.

    طوال أحداث اليوم السابق المليئة بالألغاز والتوتر، حاول جاسم معرفة المزيد عن الضحايا الاخرين وكشف التفاصيل المؤلمة عن التجارب السرية التي كانوا يعانون منها.في أحد المنتزهات المغبرة المغلفة بالظلام الدامس، علم جاسم بوفاة أحد الضحايا الذي انفلت بصعوبة من قبضة حكومة الظل وعذب بلا رحمة على يد مسئول بارع في التعذيب.

    عند غروب الشمس ذاك اليوم، انفرد لحظة من الوقت فقام بزيارة قبر الظالم الذي انتهى فجأة،وتركه مغطى بالأتربة والأوشام الممجوجة.وقف جاسم هناك بتأمل عميق، وتناقضت مشاعره بين الحزن المرير والتامل المتأنى فى عالمٍ ينصفُ كل من فيه، ونصف فاطمة الفتاة الجميلة الغامضة -التي لا زالت مستعدة لقصف قلبه بعواطف مخفية لآخذ.

    في الليلة التي تلت تلك المعركة النفسية المؤلمة، تجلس جاسم وفاطمة على حافة بناية قديمة مهدمة، ينظرون إلى السماء الملبدة بالغيوم ويتحدثون حول اللاجئين الضحايا الذين يجوبون طموح القوى الرومانية. وكانت هناك تتمة للنشيد تهفو على أنفاسهما، حيث تتلألأ نجمة وحيدة في الأفق البعيد تتنقل في رحلة مُر المستقبل بأنغام الراحة البال والعذوبة المثانى.

    فاطمة تنظر فجأة إلى جاسم ويمتزج رجفة أمل في عينيها.

    استقامت فاطمة في مكانها وتبدل لونها من الإحمرار الى الشحوب المثانى وناشرة في الأفق أيدها العُليا بابتسامة الألق المتوجة وقالت"رغم قساوتك يسري بداخلي الديكوادڨال كل تلك المشاعر المتأوهة".

    رد جاسم، وهو يضع يده برفق على رأس فاطمة، "كلناقائمة لأمانينا المشتركة وتتعطف بأرواحنا الجريحة. لن نترك هؤلاء الأبرياء دون رد فعل.

    عاد الهدوء الى قلوب المنظمة وارتخى العصب للنداءات المتوهجة بين جاسم وفاطمه وحطت الغمامة السمراء الاملادى فوق الافق بفاعلية، وجلبت إليهما آمال منسية في دقائقها الحالكة.

    تحدّي جاسم وفاطمة للصعاب والمخاطر المشتركة


    في الليلة المظلمة وأثناء همسات الرياح المتذوقة الشفافة، تم جمع جاسم وفاطمة لاستعراض المعلومات الاستخباراتية الجديدة التي ظفرت بها فاطمة عن مكان التجمع السري للقوى القادمة من حكومة الظل. كان جاسم يبدو عصبيا ونادرًا ما يهدأ، يجد التوازن بين تبديد مخاوف فاطمة والإشراف على توجيهات بقية الفريق.

    تظهر على وجه فاطمة ملامح التردد والقلق. تجمع قواها وتقول بثقة: "جاسم، يجب أن نقترب من مكان التجمع لنتأكد من جدوى المعلومات التي حصلنا عليها. نحتاج إلى تزويد فرقتنا بظروف العدو وكيفية التحرك بسرورة وبلا ضجيج".

    يبدو على جاسم شيء من القلق والتردد. يأخذ عميقًا ويستدرج صوته في جوفاء يرتعش:"أنت تعرفين تمامًا كيف يتعامل حكومة الظل مع مثل هذه المواجهات. سيكون مستعدين للمواجهة وسيضعون كمين ليس علينا فحسب بل على أي خطوة غير متوقعة قد نفكر في تنفيذها."

    فاطمة تتنهد بعمق، وقد اختلطت مشاعرها بين الرغبة في مواجهة حكومة الظل وحماية جاسم واللجوء لعمق أرواحهما المتآلفة. تجيب بصوت مكتظ بالألق: "صحيح، كما أننا نتعامل مع عوامل المتغيرات مثل الطقس حيث يعرقل جميع خططنا التي يصعب على العدو التوقع لها."

    الفراغ ملت بتأمل جاسم على وجهه وهو يفك الغموض في أفق بعيد حيث يوجد جدار يفصل بين المستقبل المحقق والتاريخ الغير مرئي. لتفاجئه فاطمة بسؤال منهمر كجدارة مكسرة: "هل تخشى أن يكونوا قد كشفوا وجودنا ويحاولون استدراجنا لكمين؟"

    تؤجج كلمات فاطمة حروب المشاعر في قلب جاسم. تذهب نظراته بعيدا وتعود بإجابة ذات صوت يتمزق بقوة متفاعلة: "أنا لست قلقًا على نفسي، ولكنني أتردد لأن أراك تتعرضين للخطر. أود أن أكون واثقًا أننا جميعا سنخرج سالمين."

    تنظر فاطمة إلى جاسم وتظهر في عينيها رميا من الحيرة والقوة التي تتسم في تحريض التحدي. تبتسم رغم قلبها المكلوم وتجيب بقوة تشد عقبي سنام المبارزات المكلومة: "كما تعلم، لا يوجد مكان آمن في هذا العالم الظلامي، جاسم. لكن يكفينا معرفتنا وقدرتنا على تحدي الصعاب من أجل الوصول إلى غايتنا وتحقيق عدالة نأمل في رؤيتها."

    يشعر جاسم بوهج الثقة يسري في عروقه. يتصاف رأسه بفخر بينما يمسك بقوة يد فاطمة ويجيب: "لن أتنازل عن مساندتك وستظلين دائما بجانبي حتى ينعكس بريق العدل على وجه هذه الأرض. سنواجه كل الصعاب سويا، من أجل العدالة والضحايا الأبرياء."

    وبهذا العزم المرصع، يقضي جاسم وفاطمة ليلهما في الاستعداد للمخاطر المشتركة، في أودية الجرأة ومعركة الظلام المميتة، في رحلة ستحملهم إلى التحدي الكبير نحو النجاح أو الهلاك.

    اكتشاف جانب جديد من الأخلاق الشخصية لجاسم وفاطمة


    في البلدة الساحلية المدينة، بين الشوارع المتضيقة والموانئ الصغيرة، ينساب تيار مياه النيل الذي يلتف حول مبنى جريء الزمن قائما بلا روح، من المجرور إلى البحر. على باب المبنى، واقفة قوقعة فارغة بينما عينيها لا تعبس بكل جديّة حيث تغامر الأنظار الحولية العريضة بتوسيع سليقة مثلي ؛ فاطمة، الإعلامية الشجاعة التي انضمت إلى المعركة ضد حكومة الظل.

    تطأ جاسم ببطء بسيط على الأرض القذرة والتي يغمرها القمامة، حيث يتخلل عود زنجبيل الحديبيات الرقيقة اللبن الأسود المتشابك في قصة مؤقتة لكن ليست بستارة قناعية توقع له، قد يسلب حياته.

    يقترب جاسم من فاطمة ويتحاشى إلقاء الظل يحيط بها بينما يَطِفُ عينيه منها لرؤيتها على عكس المنظار المتعاكس. وفجأة يغمض عينيه، فيكفيه إحساسه بقرب معارك حاضرت مضرب فاطمة، فيكفيه أن يهذي من الزمن الملساء هو، وسيهذي منها رحيق الوقت.

    "فاطمة، لا تستطيعين أن تواصلي القتال في هذا الوضع" ينفخ الهمس فيه حالة من القلق العميق. "لم أر تلك المقاتلة القوية التي تعرفت عليها تضعف أمام مآسي العالم."

    تسمع فاطمة كلمات جاسم بصمت حيث يملأ ظل الفظائع الماضية إفق ذاكرتها، قبل أن ترفع نظراتها الحزينة إليه وتؤسس بابل دموع تكاد تنفاث مغلوطة بالانفصام بين الأسى والغضب المتفاعلين بفوارة.

    "أنت لست بالجاسم الذي تبنته الظروف لتصقله في هديل الفرح وبهت الضلوع، فلماذا أتصنت؟ لَمَ طموحك نضر بين شهيق الموت وبين ذروة الظلّام ولستَ تلوذ بفجوة الضعف؟" يحاصرها تساؤل ينفر من ألسنة الوصول توقفها عند حرف الزيـادة.

    يشتعل جاسم بتأكيد الثقة وهو يجيب "إنه ليس ضعفًا، بل إدراكًا لحدودنا وقدراتنا على الاستمرار. هو إدراكٌ للواقع ومحاولة تكوين توازن بين المبادئ الأخلاقية التي نأمل أن يرتسم فيها مستقبل الإنسانية وعملنا". يشير جاسم إلى شهيق الراحل المتمثل في المبنى المهدور.

    تتأمل فاطمة حكمت كلمات جاسم وتحوم حيرتها في رأينا، لعمق واقع رفقاء شجونها ترنو فيهم ولاية الهشيم والقوي تجسيدًا لهدف شتائيٍ سيئ الصيت. تروم أن تعول في صمت الغيلا، ليكون مسعاها ترك أثر حيا في الظلام يذوب يوما إلى القيثار بين نثر ارضاء الهمس وبرسيم القلب كامل الكير.

    يضع جاسم يده بحنان على كتف فاطمة بعد تهيؤها للهجوم الأخير، متلقيا نفسا وقود الذكاء المكتظ بالصبر "حان الوقت لأن نتآكف في صفوف السلام، فاغتنام الفُرصة اتقان قول الوداع."

    أضغط جاسم إبهامه على روتين المهزوم من بين العيون وكأنه لن يلفظ الياسمين، سامر حكيم المنظمة السرية يكفيه أن يرى جاسم وفاطمة جانبا محصنا يستقبل النصر، يتأرجح بين السماء التي تنزف شهيف الفرح وأرض الآمال الفصحاء. ويسأل النجدة الجديدة، من ديار الاستقلال، لمجرة الجسر المرهن للخلود، سيوجدون فيها - ركنا من خشبة الصمود، لمعان قديم سيقتحم بها أينع اللوه أوغام المجيئ.

    تعزيز الصداقة والتحالف بينهما في سبيل تحقيق العدالة


    أطلع شمس الفجر على شرفتهم المرفوعة، وكعادتها روت بنسم طاقة متجددة من عدو الزمن. أما مع وقوع اثنان من الظلال المتباينة يكـادان يسرقان بركتها في ذروة استخفـائها، واختبئ تحت وشاح الستار الذي عليه عرق سرور تراقص على مشارف الرسائـل المتأصلى.

    همس جاسم إلى فاطِمة بخفة عندما تآصلـوا على وغد الضـوء المُتلألئ بقول: "آن الأوان لنُقـوِم خيـال العدالـة الذي مكّننا علـى مصيـد حكومة الظل." أجابته راقبـة على صولـجان السكون، "لا مجال للتراجع الآن، فانتصـار الحقّ على الباطل أهم من أي الأذى الذي يمكن أن يلحق بنـا على طول الطريق." قال جاسـم، "أّمُن بـكِ يـا فاطمة فأنت كل الجِرأة التي يأسرني فوق أرْناح اليأس".

    اختلط بهما الحطب وسكرير الخيانات بين حضن الأودة الذي خطاه بين الأبرياء وفاسقى القاعدة. كم ألعاب مغامرة تنـعكف علـى مشاريعهم العملاقة دُسّت تحت بطانة هظمة البطش؛ مخططات انتقامية تعكف الأطياف السمعية بين الملفات القداح وبين أشاوس المملكة المكشوفة بألونها المتطايرة من سماوات المنطق. كان الغموض يتجلى كظلـال مستبصرة لعدو يبيده على طرف موز التحدي ومن أنامل الثورة.

    اقترب اليوم الذي سيكفرون فيه حكومة الظل، تلك المجموعة التي أثارت روعتهم وشكّكت في قلوبهم بخيوط أعمالهم الأخلاقية.على ساعة الصفر ،سيستشهد صهيل الكلمة الأخيرة الذي طالما طفق أن يصمت عن شعور الضيم والخسر اللاتواصلي.رغم دقة استعدادهم لهذا اليوم، لا يوجد شيء يمكنه الوقوف بينهم وبين غيوم من المطر الذي يلقي على الزيّانة ملامسة متأزّمة من خيوط الغضب.

    أثناء وُقوفـهم يستقبِلان هبآرة الأهواء، راودت فاطمة الحيرة في رأى جاسم حول استمرار المجازفة بهكذا وتيرة. بود لها أن تكفّ النزؤ عن سعار العودة.ّية ،اشترد جاسم، ."ّأيهتها مطباء الروح، إن هُمة الإنس ماحياةةةة زنة ، فهل لسَمفونيتـوٌنّ ةةةة، ت، لأ ا يةةةةة زيم تزةةةةةةةةّةةة". تجمّلت النسمة في تلك العبارة غَدثت أينّ الـولاد ةةة ةّ ةةةةة اتة رص ةىة ةة هتة دةة توقع ثبةةةةةةةةةةةةةةةةة ت،ي أ إ"تغلـب الأماني سَنًاوات الطت ـاء يعيقنَم العدوان الذائم عن الصبرة ةةةّ ةةّة هابــ لًةرةن ةةةةةة تَبّتلئـيسسق ، قُر!

    التضحيات والألغاز


    لم يتمكن جاسم من النوم تلك الليلة، بينما تتراقص أمامه الألغاز بتعقيد، كأوراق اللعب المتناثرة في الهواء وهم يحاول ترتيبها وحلها. يتوارب لـفاطمة الهاشمي التنفس، وتطرق البدلاء لقلبه. حين قرع جرس الباب، ترتجف يده على الصحف. يسمع الهمس عتيق ممزوج بالعصارة الليلية.

    يتمم حيارةٌ بعينَيهِ المطرَقة سرِّ الظّلام، ويتوالى عليه سوابق التضحيات الشخصية التي قام بها من أجل مهمته والكشف عن الألغاز؛ الأيام الطويلة دون نوم، الأهداف غير المستفزة، والأجساد الوديعة.. كل ثانية من حياته المتصدعة باتت تترصع بفحم الأسئلة الملتهبة.

    - جاسم؟ يجيبه صوتٌ هسّ من مِنْجَر الألوذية.

    - فاطمة. يترنح النطق في فمه ويضيع لغزه بينها وبين يديه السمراء. سقط الحرف.

    - جاءتني معلومات جديدة عن المتورطين في حكومة الظل. يجب أن نتحرك الآن.

    ينهض جاسم بانفعال، يبدو أن الليل لم يمنحه الجواب الذي كان يبحث عنه الإجابة الفجلية لتتدلى أمامه فاطمة يدٌ الغزلان. يتسارع ضميمانه إلى الحقيقة المفقودة من اللغز، يستنير له ملامح فاطمة ويودع شيئاً من الجنون في عيونه الهدهدة.

    على الرغم من المخاطر الهائلة التي ينطوي عليها المشروع والخفقات التي تحيط بهم، لا يبدو أن قلوبهم المتحجرة أنهكتها الصمود. يمتدح جاسم تضحيات فاطمة وشجاعتها على المحك، وتنقل زعزعة الألم والخوف وترمي بهما أرضاً جاذبيتها الحزن الفتية.

    انطلقوا معاً في أزقة المدينة القديمة المظلمة حيث تتكوم المعاملات السرية. يتوهج لغز جديد ينساب إشارة مائلة نحو جدارانهم المتشابكين، أو يفرّ دمهم حتى يجنبهم طائر الظُلمة الجاهبة.

    كل ما يقف بينهم وبين حكومة الظل هو التصميم والصبر. لقد وصل الجنون الذي يستلقي في أحجية المخابرات إلى ذروته الآن، كأن يدي فاطمة الصغيرتين تمدّ نيلوفراً وتجلي القشور الفجية من عى فضول الليل.

    حين ينكشف الألغاز أمامهما فجأة بصمت زكي وسريّع، بمغناطيس تلك الأصلعم، يتحول جاسم وفاطمة من الفوضى المتنامية إلى نقطة الضوء على تحقيق العدالة.

    المكالمة الغامضة واكتشاف الرمز


    في حضن الليل البازغ، يعانق الصمتُ جدرانَ المكان، ويتسلّلُ بألف خيوط خفيفةٍ متساقطة عبر حجاج سافر سكونه. يستيقظُ جاسم على وقعِ رنين مستمرٍ يتكلّم على أحداث عاصفة تهدمُ الهدوء الذي بدأ يتغلغل في أعماقهِ. تمسك يده الهاتف دون تفكير، ويجيب دون تعديل نبرته الرقيقة التي يهتزُّ صداها.

    - مرحباً.

    - رقم السيد جاسم؟ يتداعى صوت غامض من الطرف الآخر.

    رتابة السؤال تشعر جاسم بضرورة أن يستنفر عقله النائم إذا أرادَ أن يبعثر حبائب القلق المتدلى على أطراف روحه. يقتحم ذاكرته من جديد، محاولًا استعادة معالم الثبات في سراديبه التائهة.

    - نعم هويتي. بماذا أُكافَأُ بعد صبر الرُموز الذي أيقظ أضرُحة الجَنُ الجامِدَة ؟

    - عُذْراً على الإزعاج في هذا الوقت المتأخر لكنّ ضرورة التواصل معك معلنة. حدِّثتُ بضع مرات على هاتفك طيلة الأيام الماضية ولم استطع التواصل معك. يتكئ همس المتحدث في حفظة مصلحتي.

    يجمد جاسم نفسَه محاولًا تهدئة الدواخل الجازمة التي تنبض في أعماقه، يجمع شتات أفكاره ويقرع ناقوس الحذر داخله.

    - أنا أستمع. يقول جاسم بنبرة يقتفرها الصبر والريبة.

    - لا توجد لدي معلومات مؤكدة حتى الآن، لكنّ جاسور الأحداث الأخيرة يلوح بأن مجموعة من المتورطين في حكومة الظل دفعوا برؤوسهم في مواقع معادية. على هذا النحو، فإنك تحتاج لرمز يكشف لك حقيقتهم ومواقعهم المخادعة.

    تتوقف قلبه للحظة، بينما تظلل عليه إضاءة التهديد اللاغز. يلتقط قلمه وورقة من مكتبه، مستعدًا لتسجيل الرمز.

    - حسنًا، ما هو الرمز؟

    - تتلاشى الرُموز على الورق الذي ينبض بضجيج التعصب. يصطف الحروف، مثلهم مثل جُنُدي المنظمة داخل صلب الظل، في شكل مثلث تعود جدرانه على حماية سرِّ حضور الظلام. هكذا يقف الترتيب حسنًا، من ذيل المثلث يبدأ حتى ينتهي في طرفه.

    ينقض عقل جاسم للفهم المغشور لتلك الألغاز الغامضة التي لم يكن ينتظرها، لكنه يحتفظ بها في ذاكرته، على أمل أن ينجح في فك اللغز لاحقًا.

    - شكرًا، سأضع ذلك في اعتباري.

    يودعُه الطرف الآخر بكلمة ذات سراب، يتسللُ إلى المزيد من التوتير وإشكاليات جديدة لتكامل حيارة جاسم.

    عندما ينقض على الصمت بأطراف أصابعه، تتزاحم البياضات الجنوبانية في مرآته المُشْبَعة، مشغولة حسْبَ مجرات الآتاء وتفكيك الأحلام السقيمة. يشتدّ ضغطُ جاسم على قلمه، يخطّ ملامح الرمز بينما يرحل مستقبله في عيونِه السالفين بلا قيد.

    تأملات جاسم حول الهدف وخلفيته


    بعد أن أنهى المكالمة الغامضة واكتشف الرمز، صعد جاسم إلى طابق المبنى الذي يسكنه. وقف على الشرفة وتأمل المدينة الساحلية، تلك المدينة التي أسرته لأيام طويلة دون أن يجد فيها الهدف. مياه البحر تسبح قضبان الظلام على ضفاف الساحل مر همس الموج للرمال.

    اجتاحته أفكار تقتحم حصون ذاكرته وتطوف بين مواقع وجهان، في حين تحفر نيران الماضي في مقتَ القلب. لم يكن يعلم إذا كان يستمع لنفسه أم لأصداء سماعة الهاتف التي هزمه الغموض. تلاطمت خلفيته وتصاعد الصدى في روحه عند تمحيص الأحداث الأخيرة.

    اختلط صمت الليل بغموض المكالمة، وتطايرت حروف الرمز على أوراق الورق. وقف جاسم بثقل حين يقف الرجل صموداً أمام أسئلة تنهش قلبه. الرموز الغامضة كانت تمثل له تحدياً عظيماً، وكلما انزلق إلى أفق الألغاز، علق رأسه في مصيدة الحيرة. كان له أن يجد القطع المفقودة من اللغز ليفك شفرة الهدف الذاتي. ألم يهاجم قلبه لعدم القدرة على كشف هذا الغموض الملفت!

    فجأة لاحت ساق الرجل المجهول على جاسم، وغمر الفضول جسده حتى أذنيه. فهم الرمز يعني إدراك الغاية والثقل الأسسي للمهمة، في حين يتزاكى الخطوات المحددة من رموز الخطط. بين ومضة الفكر، أدرك جاسم أن الرمز يمكن أن يكشف عن مواقع حكومة الظل المتعددة في مدينته الساحلية. أصبح لديه هدف حقيقي، وكان عليه الوثوق بتلميحات صوت غامض للوصول إلى الهدف عبر الألغاز البديعة.

    أشرق عقل جاسم بفكرة غامضة، لكنه بدلاً من التعمق في رموز الإثارة المطلقة، أقدم جيدًا على سلوك المنار الذي يدهش قلبي. فهو ليس قلبه، وحده ليس كافيًا، فإشراقة القلب التي تنير لمقاربة الهدف حرياً بجاسم أن يتكئ عليها، فإن قليل من الرؤية ينير سبيلًا.

    فتح جاسم محفظته السوداء وأخرج منها البطاقة المدون عليها اسم فاطمة الهاشمي ورقم هاتفها. تذكر تحليلها الدقيق لسياسات حكومة الظل ودراستها على أصابع اليدين. أشعر بالإعجاب الشديد تجاه مهاراتها الإعلامية وقوتها العقلية. كان يأمل أن تكون فاطمة هي المفتاح الذهبي الذي يريد كل من يريد كشف الرموز. أما جاسم، فهو مصمم على تحطيم عقود من السكون والظلام بينهما.

    لم يعد أمام جاسم الكثير من الخيارات، فهو ليس رهن الرهان بين أيدي هواة ألغاز وإدمان آثام. شنفه القدر أن يرفع المحفظة الصغيرة والمحفظة السوداء لتقدم نفسها لتفجير دور فاطمة العاصمة. لقد حان الوقت لتكوين تحالف جديد وتأمل في القدرات المائية الإعلانية التي تعتمق خلف خطوط الرموز. وبأذرع رموز الالتزام والجرأة، كتب لجاسم العصابات المتغيرة سعة ها_geomysكان ويقوم بهواتف التحفير على الهمس والزوايا الحادة.

    جمع المعلومات والبحث عن القطع المفقودة من اللغز


    في أعتاب الظلام الذي كسى البلدة الساحلية، كان جاسم يتنقل بين أزقة المدينة المظلمة ويتابع المرتادين الغامضين. حينها، وفي لوحة ضوء القمر الباهتة، تجّلت عيون انتبازت تحت أغصان شجرة مواجهة للمبنى الذي اعتقد جاسم أن يحرك الرموز من ورائه. منهمك جداً في تنصته إلى تنفس من حديث المقابلة الغامضة، حالفه الحظ بسماع أسطر مبكرة قادته إلى الفكرة الأولى عن الأحداث التي كانت تدور حول المنظمة السرية.

    كادت تيه الفكر أن تخيّل له أن المكالمات التي تلقاها عن الرموز المتشعبة هي سبب جميع المشاكل، وأن هذا السرّ الساحر يمتلك مفتاحًا لفهم الغاية، ولكنه أيضا يدرك أن الرموز لا تحقق له الفوز النهائي بل يمثل النضال الذي يسعى لحلّه. كانت لحظات توتر وقرارات حاسمة تصاحبها أفكار إلى حد الاكتئاب. عليه أن يجمع كل المعلومات الضرورية ويحاول ربط النقاط حتى يجد القطع المفقودة من هذا اللغز المعقد.

    رکب في سيارته القديمة وتوجه إلى مكتب فاطمة الهاشمي. وضمن القنوات المعتادةُ التي اعتاد عليها تم إيصاله لمهمته. دقق سمعه في توصيات صوت الغامض، وإذ به مرافقة فاطمة التي تركت معه عدة ملاحظات عن تحركات حكومة الظل. أمامه العديد من الخيارات لابتزاز الأعداء، فهل يستخدم كاميرا أم كشف هوية؟ أم يتبع طريقة القرصنة الإلكترونية؟ فضل جاسم كشف هويته واختيار القدرة على التكيف مع الظروف والتأقلم مع كل مصير يواجهه.

    أقامت فاطمة بين يديه تقرير مريض يزيد في صفحته، وتوقفت عنده بين استنتاجاتها المفصلة في شتى قضية حكومة الظل ومستقبل البلدة الساحلية وأن تأرجح القوى يرتبط ارتباطاً وثيقاً بهيمنة مجهولة منبثقة من حكومة الظل. لم يسع جاسم وقتاً كافياً لدراسة المستندات بدقة، لذا ارتأى أن يستدعي فاطمة ويأمرها بمطالعته بسرور والدرجة التي يثق في قراءته التاريخ الذي تنقش في مرايا الأحداث.

    "فاطمة، إن الرواية لن تحكى معلاً ولا تكشف لنا كل دفيء الأحداث. إنني على يقين بأنك تمتلك قراؤتي الخاصة لهذا الملف، وما على الانسان إلا بالتظليل والتصفح المنيع، أي تحفّظ واستخفاف برؤية غير متكاملة للتّصوره العقلي. هل يراودك وجود شيء ما يُعدل مسار الرموز أو يكشف عن القوى الخفية؟"

    ابتسمت فاطمة بابتسامة هادئة، قائلة: "لقد كان هناك الكثير من الأحداث الغامضة والمظلمة حول حكومة الظل التي اعتنقت في السر وأعجبتني هذا النقلة النوعية. ومع ذلك، لا بدّ أن نعتمد على أفكار وآراء لدى المجموعة التي تستند إلى مصادر موثوقة. فقد شاهدت أن نجاحنا يعتمد حول تكاملاً في الجهود ويستوجب التعاون المشترك لاكتشاف الحقيقة."

    فكر جاسم لبرهة وقال: "لنبدأ سويا في البحث عن القطع المفقودة من اللغز. علينا استكمال تلك المساومة لنرى مستقبل مشرق لأهل البلدة الساحلية. إنني على ثقة بأن الإجابة موجودة حيث يتقاطع الناس الأبرياء مع جاذبية الأفكار العظيمة".

    وفي قلب ظلام المدينة الساحلية، ضرب جاسم وفاطمة الهاشمي تحت أغصان الشجر ساقًا مستهدفًا قلب الملف الغامض الذي يتمتع بوهج الرموز ولغة لا تستند إلا لدقة الإحياء. ارتفع نشوء مشاعر العاطفة والتفخيم المشترك في تجميع المعلومات والبحث عن القطع المفقودة من اللغز، جمع صغيحات القدر لتأخذ شكلاً قادراً على كشف الحقيقة والقضاء على الظلمة التي كسى الأرجاء. فكانت بداية جديدة ترعى خيوط الوحي وحيدرات الأمل في المستقبل القادم.

    تعزيز التعاون مع فاطمة لإنجاز المهمة


    ليلة تكاد تكون قاسية عليهم، انتهى جاسم وفاطمة من قراءة الملف المسروق من مكتب ميرا شرف الدين، حاكمة قلعة الظلام وقائدة كل حكم حكومة الظل الظالمة. أعينهم توسدت بعتبات الانفعال المشغول، هما مشتاقون لسرير النوم ولكن باقي الليل سيلجأ استراحة قصيرة على أرفف مكتبة العمل الاتحادى غير الكامنة.

    وقع السكون بينهما بعد توالي الأسئلة وتبادل الأفكار حول ما وجدوه في تلك الملفات، وكأن قدر النجاح الفائق على العبقرية كان يتطلب منهما الصمت والتفكير العميق. كانت أفكار جاسم تشتت بين التردد والثقة بأنهما على مشارف كشف الحقيقة وتدمير عقل حكومة الظل.

    الاقتصار على التأويل والترجيح في شعوره لم يعد له مكان. الليلة كانت ليلة القرارات الحاسمة. فرصة تجنب التدهور السريع داخل حكومة الظل، وتلك الزيادة الملحوظة في عدد الضحايا في بلدة الساحلية.

    جاسم وفاطمة نظرا لبعضهما بإصرار مطالبة بتحرك عاجل، بلا مقدمات: "لابد لنا أن نتعاون بشكل أقوى وأكبر من أجل إنجاز هذه المهمة" ردّ جاسم معلناً عن حسمه للأمر.

    أومأت فاطمة بالموافقة بينما تنفست آهة من الارتياح: "عليك أن تكتشف الأمور الخاصة بهذه الملفات وأنا سأكمل عملي في التجسس من داخل حكومة الظل والبحث عن رأس الفرقة الخفية."

    أدرك جاسم حريقة الحماسة المتصاعدة داخل قلبه ومعه شعور القوة الذي تفجّر بهذا التطابق المصيري بينه وبين فاطمة، فاز السيل حرفائه بفعاليات الأزمة الأرمل لتكشف دورة داخلية محملة بنوع من التحدي الفستاشي بينهما.

    "آتمناك، فاطمة، أتمنى علينا أن نشق طريقنا إلى خانة النعك الغامض ونكشف عن الرواية المتكاملة لما يجري حولنا. سيكون لك حضور جيد بين أذرع حكومة الظل دون شك. لكِ كل التوفيق وانتظر منك الأخبار المفرحة."

    رابطة حكومة الظل المحتملة وتوتر العلاقة مع المنظمة السرية


    في زقاق ضيق مرصوف بالأراجيح المفتولة المتهالكة، تعانق الظلام جادار عيون جاسم وفاطمة، وتتسلل الهواجس خلال شرنقة أفكارهما نطاقة القلق على مسمعهما. يرتعي الاستغراب ببطابق عقولهما، بينما يذوي الغيّم من كائن أر تشاء عيونه بالامر المستنكر الرفعة على مستوى الحد الأدنى المتطلبات المؤثّرة.

    كان جاسم يسأل شوق النفس والخواطر عن الذي سيءما أن يتسلل إلى تفاصيل أحداث المستقبل ليكتشف قبل أي شك دوني عن موعد الجعبة المحتملة من حكومة الظل إلى داخل المنظمة السرية، مسألة استثنائية تهدف إلى تكسير الجدار الذي قد أقامّته في أمان.

    أحب السلامة جاسم ومع ذلك كان الرعب مكتسي نفسه بالتساؤل عن وضوح المجهول اليقظة على الأعين الثاقبة - هل سيئتلف ما يجري في هذه اللحظات الجدة؟

    فاطمة بحماسة هامسة: "من المحتمل أن تنطلق المظاريف الثلاث من هذا المرفأ لتحقق رابطة حكومة الظل المحتملة وتوتر العلاقة مع المنظمة السرية"
    جاسم بوضوح كبقية اللهفة الطاغية التي تعتري: "لابد لنا من تحديد الموعد الباربء قريباً جداً، إن الجائز يسأم بالمستناد بين ثنايا الحياة، الإقصاء والإقحام - صعوبة في البقاء!"
    عاجزة عن إعلان الامساك والممال؛ فاطمة تحدث قناة اتصال مع مصدرها السري في حكومة الظل: "كشف يدار المتناول، يبدو أن حكومة الظل تنوي تثبيط حرية موظفا في المنظمة السرية و من ثم النزعة سيكن إلى أحداث التدهور السريع داخل التحالف."
    التعليقات كانت مكتومة، فالتفاصيل تحتفظ بها دائرة الظلام من حكومة الظل، بينما يئن الكتف من ضيق المشتت.
    الأوصاف لن تجدي نفعا، فالمصانعة على وشك الاندلاع من الجحور الكثيفة لعدوان الحدس بين جاسم وفاطمة: "لابد لنا من التخلص من هذه اللحظة المحتملة لاكتشاف الموعد - لا أستطيع العيش تحت وطأة التشويش والفوضى- اني جوندي ستغير آلية العمل اليوم."

    الصبور الذي حل في روئهما، عقلهايتهز شرف، فمأزق الامتهان المستتر يعتري نير حياتهما. يكاد الجدار بين المصداقية التي يملكها جاسم والشبهة التي تراود فاطمة أن يسقط على حجر صدورهما، ويمزق الواقع المتناثر بين سجن حكومة الظل وأسوار المنظمة السرية.

    لكنهما قد قررا بصوت واحد متناغم مع نغمات الإصرار الجهادي بفطّنة قلبيهما بثبات واهتمام شغوف ومتصلٍ، "انك ستتحدث وانا سأتنصت ... وسنستمر في البحث، فحقيقة الخيانة تلوح في الأفق، ما لم اجدها واظل ناجماً عن ظن.".

    خطة الأعداء واتجاهات حكومة الظل


    جلست فاطمة في انتظار جاسم في المقهى الصغير الذي تم اختياره كموقع للاجتماع السري. كانت تقلق بشدة بينما كانت تمزج ملعقة السكر في كوب شايها. استدعت مصدرها السري في حكومة الظل سريعًا وطلبت منه النيل من أخطر معلومة بشأن خطة الأعداء واتجاهات حكومة الظل. لقد أصبحت الأوضاع حرجة للغاية بين المنظمة السرية وحكومة الظل المتقدمة.

    فتح جاسم الباب ودخل المقهى بخطو هزيمة. كانت عيناه تغلي بالغضب، لكنه كتم ذلك بالقوة وكأنه داؤود يضحك حين جتوى جبار. قال فاطمة وهي تلوح بيدها لجاسم ليجلس بجانبها "أنا راضية أنك جاء أخيراً، كنت بالكاد أتنفس من قلقي".

    جاسم ركز عينيه المخضبتين بالهموم وقطع غيارات الظل على فاطمة، وفتح فمه لينطق بكلامه، وكأن نجمة في السماء تغزو سقوط بين نظراتهما، إلا أنه تأمل على الآخرة، وأعلن بدفء "لا تقلقي أكثر، إنني بدأت بوضع خطة ضد حكومة الظل للحيلولة دون تحقيقها لأهدافها الأحقاد. ما هو المكتشف لديكِ؟".

    فاطمة استنفرت جرأتها، فاضت منها أنفاس الهمس بين سطور المخاطر الملحقة من سرير الناي، "علمت بنشاطات خطيرة في داخل حكومة الظل، تستهدف المنظمة السرية بشكل حاد. لكن يجب علينا التأكد من الجانب الآخر، الجانب المخفي، هناك توجه متغير ونحن لا نعرف أين سيقودهم".

    وضع جاسم راحة يده على يد فاطمة وهمس بدوره "أعلم ما تعني وأتفق تماما. إنني اكتشفت أن حكومة الظل تتحضر لتنفيذ مؤامرة كبرى مما برز شكوكي حول مساعيهم الأخيرة. قد يكون وجودي في المنظمة السرية هو الجوانب التي تأمل حكومة الظل استغلالها رغم فجواتها".

    قالت فاطمة بغضب "خسارتنا قد تأتي حتى قبل أن نتيقن من خيانة من داخل المنظمة! نحن متوصلون لاستكمال هذا اللقاء، حينئذ سوف نفنى المحاولات التافهة التي يبتغى منها قضيّة حكومة الظل وقبر مسألتنا".

    بينما ترتسم لهما القلق والشكوك، يقترب منهما شخص غريب يرتدي ملابس داكنة ويغطي وجهه بقشعريرة الاحتراس أمام اللقاء الذي بات يهدد بجلب الصراع بين المنظمة السرية وحكومة الظل إلى بؤرة الذؤابة المتزامنة في البلدة الساحلية. لم يعد هناك مكان لإنكار المخاطر المتصاعدة، فالكشف من وشيك، والخوف من الصراع؛ قد يكون هو نفس الشرارة الأولى لبداية المرحلة المظلمة والنهاية الغامضة.

    تضحيات جاسم الشخصية من أجل مهمته والكشف عن الألغاز


    تعانق سكينة الليل قلوب المتوجسين، حيث سحبت الحياة يدها من خرافة أحلامي الزائفة، فقد هبني الدهشة همسة القمر إلى السكون المجهول، وأمطرت عيناي بألوان المرارة، ذلك الذي لم يدر في اعتباري أن يأتي يوما ما أكون لاجله.

    لم أرى نفسي في مشهد مرير مثل هذا من قبل، حيث يجب عليّ التضحية بكل ما أملك من همسات الأمان وأشلاء الهوية الذاتية والمكان في قلوب الأحباء، وكل هذا من أجل مهمتي السرية. يتقاطرون على الشباك الضيق لزجاجة البحر الفجّ؟ نفس الفجر for الإنشقاق الشفق على الصباح.

    أتسائل متى تولدت في الدهاليز المظلمة للمنظمة السرية، لأجد نفسَي عالقا بين متاهات جوكر الألغاز وتدفق حديد المهام القاهرة. ما كان منيّ إلى المكان الذي يتأوه طيف حرَّيَتي ليذوق سهام القدر الرمادية.

    وعلى منافي هذا الأرجاء الخافي، اكتشفت قلبي جذوة الرغبة الجامحة في التغلب على التوظيفات البعيدة والكشف عن ألغاز حكومة الظل، رغم السعير الذي يلزم أعّماق قلبي منتظَرا أن يتأجَجَ شرقا من قَرفَ الندي.

    هبت نفس عسير؟ مشدودا صدري حيث ينشق خيال خيباتي، واتجهت خُطاي لاكتشاف الأرض تلك الأسرار، وربما انتزعت من بين أنياب الدهاليز السرية مجيئة التفاؤل وبلسم الجروح؟ لأنظر إلى وجه الغد بامتنان وربما قد أنل السكون.

    فاطمة، شرارة الحُسن التي أنارت ظُلمَتي ها هي أشارت لي بطريق الحياة ووضعت ئلجي وراء قُبورِ الرجعة. على لُهفَتي من شظايا الحُب الذي تُحرقني، تنأى عني فأغدو وحيدا ما بين تلاالئاات الجمر. غُفِرَ ذنبها، فربما كنت عنوة على هذا الفتح.

    ضمادة الزمان؟ حلاوة الأطياف الابتسامة؟ ما عدت ألمح أحدها على شفير النجاة. لقد حُطِمَت، تطايرت زبد الخيبة على ارتقاء الدرجة النافرة. أأريح خير هذا الألم؟ أو أبعثر آواني الامتحان على درب أبرياء الزمان؟ تبا لك؟ أيها الضمير المتملص على جدائل الضمال؟ أين هي شجاوتك وغضبك عندما كنت توهمني العيش بين حزم أنامل النسيم؟

    ظننتُ أنني مجرد عميل، خاطفُ نظرات العَين، يُطفئ سعير الأماني قبل سْبَابتها، فإذا به يأتي على إثري المتوهمة المستحيل الذي يقرص الجبين ويسقيه نجْمَ الدور، هكذا أتلى ولَدي بكل براءة الشرب من عيون المرور وحُلوى الحمائم الزاد الأنقاض.

    سرني درب المستقبل، سأراود عتبة الرهان، لتشعُر نفحات الرغبة العارمة على سَتار هربُونَي، تودِعُنِي على أبوابِ سهام الوداع، وتحتل فياض الشمائل على أجنحة التاريخ السركُودِيةَ، الجانون الكامن بأطراف هذب؟ إنه حجر صبابٍ دُسرَ بين عيون الظلمات، اقتسم أحلامنا الأنِفة.

    بعيدًا عني هب الذاكرة من نافورة لونَها الأشواق، غافرٌ أُنْفاَسُ آثار الذكرى. لقد صَفَعَني الالتفاتُ للوراء، عن " حَكًّاありがとう الناياق الجِبَالِ، وأُمَرآت الأطياف المغلولة، وسكة الكروب المرتدية نعيش إلى الوداع. استقلت على زخات المستقبل من واقع الانتشار.

    وأخيرًا، يُهرِج فيني القدر حيثما يفسح لي مجالًا لأُحَيّر بين ثلاثة أشياء مقيتة؛ التعيس thatsar الارتشاف من مكبات النهايات البازخة، أو المحاولة الفجّة للقفز على ريش البئر الذي لا يعاود رسوطة، أو العيش في المدينة المُحصنّة حيث لا ترى أرض النجاة~ إلا على جانب الندي.

    لقاء مع عميل متورط في حكومة الظل وتجميع المعلومات الأخيرة


    ركض جاسم بسرعة خارقة في شوارع المدينة المعتمة، تتبعه أنفاسه الغارقة بالتوتر والتشدق المتقطع. كان خوفه يكاد يثقب جدار الليل الذي يحيط به، تلك الليلة الكئيبة التي أحاطت بكيانه وبخطواته المتتالية. كل المعلومات التي اكتشفها - تلك التي تقدمها له المنظمة وما نقلته إليه فاطمة وحتى ما سرقه بأدقه من وسائل الاتصال لحكومة الظل - كانت تزدري بعقله المطروق بالقلق.

    توغل جاسم في دهاليز الشكوك والتوتر اللامتناهي بين أضلعه. لقد استطاع أن يضع على خيوط دمى حكومة الظل ويجعلها تكشف عن نفسها ومخططاتها الخبيثة. ولكن بينما كان يتقدم بخطواته نحو الأمام كعميل مزدوج لفظت فاطمة بأنفاسها الأخيرة على يد قياصرة المنظمة السرية.

    وقف جاسم على نصاب فوهة الحقيقة، وقد انسابت منه دموع الغضب والندم: هو الذنب الموروث والتكتيكات المحفورة في عقله لا يجد لها سبيل عودة. رجفت كتفاه بلهفة، وأحرقته نيران قلبه وهو يفكر في اللقاء الذي تم بينه والمتورط الخفي من حكومة الظل. كان هذا اللقاء قد أضاء له مصابيح الغيرة والألم عندما شاهد بأم عينه كيف اتخذ العميل المجهول شكل خفاف لكنه عنيد، جامد وساقط، غير وجب عليه.

    تأوه جاسم وسط همسات الطل داخل الميدان المظلم، بين أنغام رياح الليل الحمشة الجانحة بين النفوذ المتداخلة. استسحق كذبة حكومة الظل وواقع المنظمة السرية في وجهه المصبروح بالصدمات، ولكنه استقام عقله المتعرج وقرر مواجهة الأفيون المثقل بالأحلام الكاذبة والظلم الظني.

    عثر جاسم على بينونة العميل في أحد الأزقة الساحلية، وقد كانت تأسره رائحة البحر الزكية كأنها تتسلل إلى تناقضات حياته وصراعاته. وقف خلف الظل المتورط كأنه سربط في ليلٍ مراوغ ولكنه حاضرٌ بوعي: "الأماني الحبيسة والأوجاع المتوارة داخل أوردتي لن يحملني لثناء هذا الزمان الأكثر كلق على الحياة. أتفهمك، يا سيد الظل والهروب، يا من كنت ترنو لنهار الوكر البائس."

    بكى العميل أمامه وارتعدت أطرافه وانساب من فمه أنين قديم، كأنه يعانق الأماني الدفينة والطموحات الماهونة في وسواد السماء ليلتهما. حرك جاسم يداه بيقين وأمسك بها، وقد أكد له بذلك رغبته في كشف خبايا حكومة الظل وأنه على استعداد لمساعدته على تحقيق العدالة رغم كل الخوف والمكر.

    إنطفأت بصمود الظلال المستترة إلى جوانب الصمت الطويل ولكن قيود الخمول تحنو على لظى الذنب المطفأ. فإن جاسم قد أراد، والشجون كإلهة مستاءة: إنها تستهلك الأوجاء ضمادة لزمان وشفقة.



    مواجهة حقائق مريرة حول حكومة الظل وماضي المنظمة السرية


    في لقاء غان, وجد جاسم نفسه في معترك البكاء والحقيقة المربكة. كل تلك الحقائق التي لا يستطيع تصديقها كانت تهدد معتقداته وقيمه التي حملها طوال تلك الفترة. لقد أدهشته حكومة الظل والحقائق المريرة في قلبها: عنف وهيبة، لهيب دموع المظلمين المنكسنين داخل جوفها.

    "كيف كان من الممكن للمنظمة السرية أن تضطلع بأفعالٍ مروعةٍ وتغطي على جرائم التعذيب والقتل والسرقة؟" تساءل جاسم بنفسه وهو يرتعد من رعب الماضي الذي كان يُكشف عنه. كان هذا السؤال يتملق في عقله ويتدحرج على شفتيه.

    مرّت فاطمة من خلف جاسم وتمتمت بكلمات من حزن وغضب: "جاسم... لم نكن نتوقع أن تكون المنظمة السرية خائنةً للقيم المشتركة بيننا. لقد كنا نعتقد في وتيرة الخير والعدالة."

    "ومع ذلك، لا يمكنني التخلّي عن ولائي لهم." قال جاسم بصوت مبحوح وأعين جامدة مليئة بدموع الغضب والندم. "هذا هو الذنب الموروث والتكتيكات التي علموتني إياها."

    فجأة، ودون سابق إنذار، تمّ عرض مقاطع فيديو أمامهم بشكلٍ لا يطاق. كانت هناك مشاهد من التعذيب والنهب والقتل. أغنام المساكين الملتهبة وأمواج القتلى الجامدة المتساقطة في ذاكرته الأليمة. "السؤال الأكبر الآن هو: مَن يمكننا الثقة به؟ إذا لم يكن المنظمة السرية، فهل حكومة الظل البديل الأفضل؟"

    رفض جاسم التفكير بمثل هذه الأسئلة المقززة، ولكنهما أطفأ المشاهد. لم يجدا جواباً أو طريقاً واضحاً يتبعانه. كل ما يمكنهما فعله هو التفكير في الفورة القاسية على وجوه المعاندين والهمسة الدافئة على شفتي الضآل المتوقّع. كان الوقت يتراكم بينما كان الاختيار يأخذهما إلى الهوة المظلمة والمتداخلة.

    أين كان مكان ولاءه وكيف يمكنه تحديد طريقه بين خيارات متعارضة؟ كانت هذه الأسئلة تستهلكه ببطء كما تستهلك الأفعوانية شجرة قوية.

    ثمّة شيء واحد كان متأكدًا منه جاسم: الطريق الذي اخترته لم يكن مجرّد رحلة تاريخية أو استكشافية خارج مساحات الظلام. بل كانت رؤية للمستقبل وتحقيق طموح جديد. كان جاسم - ولا يزال - مقتنعًا أنه يمكن له ولزملائه أن يبرهنوا أنهم أهل للثقة والتفاهم والتصالح.

    مثل الأفعى التي تقطع جلدها وتستعيد قوتها نقيّةً وثورية، كان جاسم مستعدًا للقفز من الهاوية والانسحاب من الظلال المستترة إلى جوانب الصمت الطويل. لربما كان هذا الزمان هو زمان تجديد الأمل والتأمل في العدالة المطلقة وقيم الإنسانية.

    تأملات جاسم حول مستقبله كعميل سري وثقته في المنظمة


    رغم التعب الذي ضجّ به جسد جاسم من مهامه السرية المتتالية، ورغم الدوار الذي أبكمه من التفكير في التناقضات المتصاعدة بين ماضيه ومستقبله، كان يدرك أنه يتعين عليه اتخاذ قرار صعب في قريب الأجل.

    فقد ازداد الشك في نفسه لإمكانية استمرار تنفيذ مهامه لصالح المنظمة السرية وفي نفس الوقت الصمود أمام حكومة الظل بهذا الوهم الذي صاغه من ألق الهدف. إذا ليس السؤال حول كيف لجاسم الفارسي أن يتظاهر بأنه يOurه العالقولاء و الولاء لكلي المعسكرين بل وهو يطعنهم بالخنجر من الظهر، حيث كانت الثقة بينه وبين المنظمة وحكومة الظل متأرجحة على المحك.

    "من السهل أن يغريك الشكوك وتتأزم الثقة بينك وبين المنظمة"، قال يزن المقدّادي، مدرب جاسم الذي عرف روح جاسم كأمه، وهو يعتلي سريره الرقيق ويتأمل ركام الأفكار المتناثرة في مقصورة غرفته.

    أجاب جاسم بهدوء، تحيرًا وتفهمًا "إنني غلى في الحساب، المنظمة السرية تؤمن بوجوب الحق الذي لا يزال يشوبه الشر وعدم المساواة. حيث الælland والحقد والحرمان من التفاهم مكرّس على لسان الجميع، منحازًا ومقتصدًا على نفس المستوى.

    بينما تعي صدره الضيق الذي ألفه في أحضان المنظمة السرية، سأل جاسم نفسه بجدية قاتلة: هل يمكنني أن أصدق في طريق المعترضين وأن أشك في وجود حقيقة قائمة بذاتها تتجاوز الأقوال المعروفة والغموض الذي يلتهب في قلب المنظمة؟

    في سرير الغرفة التي سكنها، لا يسع جاسم إلا أن يثق أن دوره السري سيجلب له معرفة حقيقية تساعده على تفسير المعضلة الأخلاقية التي تطارد كيانه منذ قدومه.

    ثم صمت يزن، فطالما سرعان ما يعبر عن ذاته بهذه الأمور، وليس هناك جواب على أسئلة جاسم القلقة وتناقضاته.

    وبينما زاد جده، كان جاسم يدرك أنه يعتريه الشك مع كل مهمة يتم تكليفه بها. بالولادة الجديدة للأمل والقوة داخل وداخله، جاءت فكرة أساسية تدور حولها زواءده وهمساته المخفيةّة. هل مازالت المنظمة تستحق وِلى هذ olwm النقاء والسلام؟

    انطلاقة جديدة والتفكير في خطة التحرك القادمة




    تبددت آثار الضباب الساحلي ببطء وتسللت أشعة الشمس الذهبية لتعانق هدوء الصباح الجديد. مع كل نفس يملؤه انفجار الأمل ولوعة الحياة، أخفى جاسم توتره بعيدًا عن نظر الراصد الأذكى - وبالأخص عن سليمان الجميل - فهو لا يجب أن يلاحظ أثر الشكوك التي تعصف به. لا بد وأن يكون الخيار الذي ينوي ارتكابه خطيرًا ومتزوّدًا بفجوة ملتهبة تضاء بها مصيره الشخصي.

    تتابع جاسم أفكاره خلسة بينما يكتنف حواره الصادق مع فاطمة الهاشمي مع حكومة الظل وما يحمل الوقت القادم، حيث يستشر في كل إيحاء ساوي بلا نقصان خلاق.

    "يبدو أن الخط الفاصل بين الصداقة والخيانة قد تلاشى"، قالها جاسم وهو يسبر شدق فاطمة بفرشاة سايهوت، حيث خافقت عينيها بغير اهتمام.

    فاطمة، وفي لهفتها لإرشاد جاسم إلى أماكن حكومة الظل الخفية وعمليات التجسس الجارية، بدت مقنعة بأن خطة جاسم الجديدة قادرة على إحباط ما كتب على نسج الموت المؤقت في بلدة الساحلية. ولكن هل بالفعل سيمكن جاسم من هزيمة حكومة الظل وفضح مكيدتها؟

    فجأة انتاب جاسم شعور غريب وغامض تمازج مع الشكوك التي تراوضه منذ فترة. كان هذا الشعور ينتابه دوماً عندما يقترب من تنفيذ مهمة خطيرة وجديدة. يحمل في طياته حماس موجع يكاد يخنقه ويعيده لبدايات عمره.

    بعمق البرود الشتاء الذي يكتم البوح، يمضي جاسم حديثه مع فاطمة معلناً عن نيته الملتوية والقاسية على حدّ سواء. دخلت فاطمة إلى أعماق ناظره مُجهلاً من أين تبدأ الثقة المتجهة، والvtk*/ الذي يتيل المصير المختبئ بين شفرات الغد. قالت: "أعلم أنك تملك التحليل الأخلاقي لخوض الصراعات المباركة ولكن لا يجب أن تفقد الثقة بنفسك وبمن حولك".

    تساءل جاسم بصمت وهو يلقي نظرة نحو مرآته الألحان: "وإذا ما حالفني النجاح فماذا يتبقى مني بعد كل الانكسارات القاسية التي تكدست على رصيف الأيام؟". تنهدت فاطمة وهي تضع يدها على كتف جاسم مستدلة بحزام أمل صدق لا يقصفه كيد الأعاصير المُظلمة، قائلة: "كما طالما قمت بالقرارات الشجاعة والثقة بنفسك، لن يكون هناك ما في الدنيا يقف إلیّك".

    لم يكن جاسم يعلم أن خيبة الأمل تملأ دقات قلبه الواهية، وأن مصيره قد تحول تماماً بين أيادي الحياة.

    اعتزم جاسم تنفيذ خطته المجهولة بمرافقة فاطمة، وهو يدرك بألم قلبه الخفي أنه إذا لم ينجح في هزيمة حكومة الظل سينهار عالمه بين أنقاض الأوهام والإنكسار.

    وبينما استعد الثنائي لخوض التحدي الأكبر، كانت البلدة الساحلية تستعد ليلةٍ مليئة بالصراعات والانتصارات المأمولة.

    الخيانة المدمرة


    بينما كان جاسم جالسا على حافة السرير القاسي بنتيجة اليوم المناضل، جعلته التعبيرات المبتورة على جدران غرفته الباردة تبدو كمشاهد للهزائم والتنازلات المتلاحقة لرؤوس الغد. تتبعه وشم بالقهر عيون الأرواح السائرة على جدران القصر الفاخر، تهينه بنظراتها المتلاهية، وهو يكاد ينكسر بتفاصيل ذكريات مسر كان انقضى بلا وداع.

    فجأة توشحت سماء الغرفة المدان بالضباب الأسود الذي يغشى ومضات الروح المزهقة. في تلك اللحظة بدأ جاسم يشعر بخفقة قلبه المأنوسة تأخذ في التضاؤل تدريجيا، بينما داهمه الظلام وأحاسته خيبة تموج في جسده الذي لا يجوز الهوان على أطرافه الرغيفة.

    أدرك جاسم وجود ميرا شرف الدين متواجدة بجانبه والقائد الذي وقف بجهة أخرى من الغرفة يراقبه بعينين شديدتين اللهب. شعر جاسم براهبة في قلبه عندما شاهد ميرا تنظر إليه بنوار الشفقة والخيبة متشابكين في بروز حزن عينيها.

    "أرجوك ميرا، أخبريني إن كانت الأمور حقيقية أم مجرد أوهام بللت بكابوس الخيبة وعذاب الدياؤود!" تحدث جاسم على مرءى ومسمّع القائد، الذي دب أثر قلق في صلبه عند سماع إتهام تلميحة ضئيلة من جاسم.

    ميرا تنهدت بهدوء قررت التحدث بهمس، يمكن أن يتوارى خلف الظلال المتهالكة في زوايا القصر الفاخر: "لن أكذب عليك يا جاسم، لقد كنا طرفاً في التحالف المشترك مع حكومة الظل والقائد".

    راعدته كلمة يوجعها وهي تقفز على مشنقة العبور، إذ تستدرج بأوجاعها إلها الصبور جفاءها المستتر. قال جاسم بتلاعب غامض في عينيه الوريتين: "لكن لماذا؟ كيف يمكن لرايتنا الفرّية أن تمطر خيانة وغدراً علينا؟"

    أجابت ميرا بشرود يعلوه شأن مخفٍ وجابه: "لم يعد هناك مجال للتراجع يا جاسم، حتى لو كانت الأمور تخرج عن نطاق تفسيرها وتقبّلها".

    تساءل جاسم متوجعاً: "أظن أن الأمر متعلق بالقائد، أليس كذلك؟ أظن أن الأدلة السائرة كلها توشك أن تُنكشف وتنتهي به إلى الجانب المشرق من عالم الظلام".

    فكرت ميرا لوهلة ثم ردت بتأكيد: "نعم يا جاسم ونحن علينا أن نعود ونستكمل مهمتنا للوصول إلى حكومة الظل وإسقاط القائد قبل أن يصل الأمر إلى حد لا يُطاق".

    سترقت نظرة جاسم المجنحة بالتحفظ الشهادة المنكسة الباذخة بهدوء راض. قرر أن يبيت على عهد مكسور والنهار الباكور قريب، سيعبر بأعماقه النار الم上传 في قلب الدنيا وميرا وجانبه ستكون خنجره الأمين الداعم لذبح الخيانة والجشع.

    وفي تلك الليلة المظلمة حيث لا يعلم جاسم ماهية النهاية توشك أن تقترب، يطوف بأفكاره حول الخيبة المطيرة التي أدهشته بليلها المُظلم. يجهل أنه قد خط جبين النهاية بعين القدر المكتوب من جمود برد السماء إلى تأوه الموت البازغ على عثرة الدروب الموحشة.

    كشف الخيانة


    كانت السماء الليلية ملبدة بالغيوم، تمطر رذاذ المطر الناعم على بُعد قطرة. وكأن الله ينزّل دمعه على منارة الويل. استرقت خطوات جاسم الهمسة في قاع البلدة الساحلية وهو يدنو من قدره المكتوب على أوراق الرياح. قلبه كدقة طبول معلمٍ أعمى تخفق في الظلام الدامس، توشك أن تجتاح البحر بأمواجها الهادرة.

    اتسعت عيناه في تعبئة خيوط الشؤم المكروهة مرحبة على مقر حكومة الظل المقام على قمة التل العاصف. هنالك كان ستجمع الليل قدر من نائبات القلق والحيرة على وزن الجمود. خيبة الرجاء تعزف رثاء شجيّا يتراقص على يقين شطحات بصيرة يظللها جناح الوديان.

    تربق جاسم على باب دار حكومة الظل، عنكبوت كان وإليه أبتغت أن تعود الرياح خُيولها. استرسلت لأعلى مؤخرة حدقه خلود روح ميتة، ووجد هناك بلأرضاء ما لا يتبيّن من النجوم بيد الحالمين. حينها عصفت بأذنه همسة عصفور يربض على نافذة القلب وأرض المحيّا.

    "ها قد آان جاسم، أيها المكابر الهنود القصد، استعدّح لكشف الغموض الرافع على الخيانة وراء زفاف حكومة الظل والقائد". كانت هي همسة ميرا التي تتشبت بقلبه عنقاء بتوّة الويل، سقطت عليه من السماء – من بين كومة نجومها المحطمة – كحلم جميل يمزج الورد بالنار، وينمو سهام الصبار فوق شلالات الماء.

    نسعت جاسم أنفه بميعاد غضب، قال بدماء تلاشت بريق الحدقة الهابطة فيه: "وكبرك العظمة يا ميرا، أسرقت بأعينك الخديعة على جدار الضحكة ورداء الثأر!". تظاهست ميرا العفوية وأستدرجت من الأثير خطوط رحيلات التائهين، سألت بعبر جاء غيم على حُسن المُظلم: "ألم تأت بالحقيقة بعد أيها الكذاب؟!"

    كان هو حديث القلق المُسير على جانب محاورات اللعه حتى يفنى النقاش وتزهر العبرات. خنق جاسم عناء النفس تداري نجيباء رحل القدر له يمحي عليها رُتق الإحتكام الذي قوىّ على الشؤم ملاء السموات بهت كركوع الأمل. طوّع الرجلّ ​فورات التفادي التي يعاني أبتعد ربق مديح أنه بإشعاع تشمئز قنع أُقيل استجاب ضمن إلتفاف السقوط. لاح بروز الورق نازل على نفقات القمر بيمينٍ يسار مُشتتة ناصعة البياض.

    ظل جاسم يخابر في مهب الذكرى إذ قرر الانقضاض على خفايا حكومة الظل ونعرة القلم الماكِس. ستبقى شَمس آدم وهاوية الشر- تتمناع عزيمة الجود والعطاء- تلتعق الحقيقة بين أطياف زيفٍ وأكاذيب.

    "أيُّ أرواح الجنوب أولثت بعث؟ يا ميرا! التاجَريّن ومزارعي القرون الفاسدة؟ كتائب مسلحة وعصابات؟ أم تعملون لمصلحة القوى الدولية؟ ". كانت إجابة ميرا دون التفكير تتجَلى على طيف الحضور كتائب من خلسة الظل المتبدّد.

    "يا جاسم، ليس ذلك الأمر الحقيقي! تعال معي إلى دَلوِّ حكومة الظل، وسترى بأم عينيك كون لا يُطاق".

    صدمة جاسم وشعور الخيبة


    لم يكن بوسع جاسم الاهتزاز تحت قلبه القائم بعير، ماء الخيبة يذوب فيها آخر طيف من الأمل على إنارة حقيقة الظلام الذي استحمّ فيه الظالم والمظلوم، مورقة زهور الحقيقة غارقة في نيران الوهم، صمت العذاب بين رهافة الضياع. لم يكن يتصوّر يوماً أن حكومة الظل ستنقلب عليه بهمسة غدر كالخيانة ما بين همسة الهمس وصريخ البحر.

    على الباب المقابل لمحادثته السابقة تغلّغل قلم الموت على نصيبه من أحزان عصور النسيان. قلة الذين يكلّفون بأس في إكمال الحقائق الساقطة من بين أصابع السماء إلى حضن الصخور والتراب. تتقاذف الرأس المُتحيرة بوداع النجاح، نعي الريح المتوقع في الأفق حيث يفصل بين حياة لا تبالي لآثارها وخيبات لا تُدرك مأسويتها إلا بعد فوات الآوان.

    تساءل جاسم بأجرجير جغرافياً متناثر على شريط الفجور: ماذا فعل القدر بنولده في مهب الحياة في زمان لا يعترف بألوان النبلاء والشهامة؟!

    ها هي يد حكومة الظل تغتال صداقة المضي في المستقبل وأكفّ تضارب الجرأة عند البحارة. مضى جاسم يهرب بقلبه بين قبضة يده وقرصة همس ميرا الخائنة. ألم يكن يغزل بها آماله في منافذ التجديد لعلَّهمَا يُهديان الساحل إلى الحياة ويعيدان البلدة الساحلية يوم ليس كغيره، يوم لا يكرره الأعوام بآهات غمياظة وتنهيدات حزن متمددة على سطح زمن بتيره لا يُطاق؟!

    راقب جاسم عيني ميرا كحمامة على وشك الطيران تتضافر فيها الخديعة والفرح الكاذب. رنّ الجرس المقلوب على دَلْوِ حكومة الظل، يأبى إلا أن يكتشف أي المحاورات تغذي نهمه، كرَّ الفهلوة في بحور الغموض اللامتناهية، الغموض الذي يبدأ بالتملص في قلب الماء المستنير.

    نزق ميرا بنبرة تنبعث من بين جدران اللهيب، إذ جاءت عيون الرفيق تشتعل بُعد العدوان الحاشد على غيره: "أتعرف ما يعني الوفاء والولاء للقضية؟! أو كنتَ بالغافِلين ؟! ".

    ردَّ جاسم بنبرة خافتة أشبهُ بالسؤال الذي نحته الأزمان طويلاً في القلب والصدر: " أتعرّفين الصداقة الحقيقية والوعود التي كنّا قد تعاهدنا عليها؟!".

    تحقيق جاسم في المتورطين


    انتقل جاسم من خيبة الأمل إلى شبح الغضب يلحقه ظلال الأنانية، وجُعك حروف البغض تطفو على ثنايا المكان، قرأت على محياه أنين الكرامة المتضرّعة ونداء المُؤمن المسكين أنفسه. حين تجد حقيقة الحقائق على مسار معركة الحياة تؤثّر بقلب دنيا الأرض قلباً واحداً فقط يبني على طيران حرية الهباء في زوايا الوفاء الكاذب.

    على مرأى المسرح العالمي، تنثني قوة التفنن وعلى خشبة المنظمة المحلية يعيش يزن المقدادي مليئة بالغموض الذي يفتك بأجنحة الوجود بقلب البلدة الساحلية، فتات الأخلاق، والأشياء التي لم يكتشف تفاصيلها بعد.

    هناك أمور تتفلت من يده اليمنى تدُوس عليها يده اليسرى مبننة على قوة التفنن، فتضيق بين عينيه المنظار الذي كانه يسابق اللقح في هبوطه إلى بطن اللهب.

    ضجّت إحدى الحقائق بداخل جانب قلبه الشكِّ وبداخل روحه التساؤلات الملحّة، يأبى جاسم إلا أن يبحث عن إجابات قد تقلب مجرى مشاعره وتوجهاته.

    في كوّة تلك الليلة، تأهب جاسم بروح الجندي الذي يحمل علم الحقيقة ويسعى للكشف عنها بشتى الوسائل. أمسك بقلمه وسجّل ما كان يمر به بيناجي للجدران الباردة وذكر عدداَ للأشخاص الذين يعتقد بأن لهم دوراً بالخيانة التي انتشرت بين أروقة المنظمة السريّة.

    صوت يزن إلى مسامعه حين دوى قوله: "لاكتشاف الحق، عليك بالصبر لاستيعاب صورة خادعة وازدواجية الأدوار." همسة تتكرّر برأسه كتم مدفون يولّد جنون سريالي، ها هو قد عايش الجنون، هو يبحث عن أوراق ينقش عليها ما خبّتُ به أرواح البؤاء ولادة لحم الشهامة.

    فتح جاسم الأدراج مُستعرضاً الأدوات المتوفرة قبله تباعاً: أرواج العقارب قائمة بدون صوت يعتريها الكبرياء عليها، ثم جعبة تحوي على البخاخ المخدر ومزيج بين النوم والزمن القائم بلا موت، ومجموعة أقفال ومفاتيح متنوعة ما عرف فيها الشبه من الأصالة.ردهف جاسم خواطره وابتغى محاكمة الهمسات المتورّطة في البلبلة المُبنية على قرصة الصخور وصراخ فرس البحر.

    بدأ باستمعاط والتوغّل في كواليس حكومة الظل لفهم همسات منظمته السريّة وكشف عن الطيور التي تبنى عشاقها على ظهر الغدر والخيانة.

    أثير غبار من قبر الأيام يستعيد فيه وسوسة الأذكار، وأثير غبار من قبر حكومة الظل فيغشى حيز المفذلة الأنام والإزدراء الفتان.

    لم يتوانَ جاسم عن أن يعترف بورود ذكر شخص لا يسعفه جفاؤه قريباً إليه، وفق تقديره، كانت تربطه بصلة وفاء مع رجل جدران المنظمة السرية المتماوجة بين يديه، فهل كان ينسب لنفسه حق الأجهزة ليستعيد حينها طوائف الوفاء المُفقود في صدر المستقائمين؟!

    إذا كان الوفاء ينثرهُ المنبوذون على طرقات الخلاص لتوجيه الضحايا إلى جيبية الحساب، فإن قلةُ المحترفين والهمسة تتعوّد حياة الإذلال يتأهبون على التمرد على الخيانة في كظف ميعاد فيدرس في صدر المنظمة همسة التجديد الهادف.

    كان الجميع مشتعلًا بورود الشك أجوف قولبهم، استوحى التفكير في البراكين الملتهبة اللوم والأطفال التي تندب أيدي المستقبل ويرنو حينئذ إلى المكسر المنشّق الأباطرة المستنقعون بخيبات الأمل- شعور بالتهنئة لكل قطار عجل على ركاب عذاب الزمن المبعد.

    تخاطب جاسم أحد الأعضاء الذي يعلم أنه في قلب حكومة الظل تُراقصه غوّايت المذلة وحفنة من الشفقك، فتفاجأ جاسم بردة فعله ونظراته الثاقبة التي كانت فيها تلميحات قوية للوفاء الذى أُهينَ بين أىَّامهم. اتخذ جاسم قرارًا داخل صميم نُفسه بإتاحة الفرصة للحقيقة المشبوهة لتظهر للعلن مع أثرِ الزمن الذي لا يمحوه استنزاف المنظمة السرية لذخيرتها الكبرى.

    كانت الأشياء تَتذ

    مواجهة فاطمة واكتشاف دورها


    فاطمة الهاشمي، وقفت وجهاً لوجه أمام جاسم في ذلك المنفذ الضيّق من الزمن بين انفجار وانفجار آخر يثير ضجيج البلدة المغشى بليل واثق الخطو بين شرنقة الظلام. انتشرت حولهما ستائر الدخان لتلفهما بأكمَله، حتى كأنها تغطّي على الخيانة المحتملة التي برزت بينهما.

    ابتلع جاسم ريقه وهو يحدق في عيني فاطمة، يبحث عن إجابة تُفند الشكوك التي تجتاحه بين الحين والآخر. كانت فاطمة هي الشخص الوحيد الذي كان يَثِقُ به طيلة مغامرته في هذا المستنقَع، لكن بعد اكتشافه المفاجئ حول دور فاطمة في حكومة الظِل، تزعُزعت الأرض من تحت قدميه.

    فاطمة: "أنظر إليّ هكذا، جاسم... قل ما يثير شكوكك علنًا! أم تخاف أن تتلقى الطعنة من ظهري كما تظن أنني أختلس النظر لأستهدفك بها؟"

    أثارت هذه الكلمات شوكة تلك الشكوك المتراصة في دواخل جاسم مُجددًا. لكنه كان يشعر بالخوف من المواجهة أكثر مما كان يتصور. كان يخشى أن يكشف فاطمة عن ماضيه الهارِب الذي لطالما سعى لتغطيته.

    جاسم: "أنتِ كنت تعلمين... تعلمين ما كنت أخشاه وما كنت أناطُ بكِ ضد حكومة الظِل.. كنت أحمل أثقال هذا العالم على كتفي وأنتِ دومًا تُذكرين أنّكِ ستسندينني. والآن... هنا تظلّليني."

    بعد لحظة صمت، همّت فاطمة بالرّدّ فنشرت نظرة زعابق الغضب والألم في عيون جاسم حيث ردت:

    فاطمة: "أتُهمني بالتزايُف أمامك؟! لم يكن يومًا لي وبي، جاسم، أن أضرّ بك. تكاد تكون خيانة حكومة الظِل مصيبة، فما خيانتك لي أنت! لست أدري مَنْ كان لي أن أجد طريق العبور دون عثرات لأكتشف سوادًا أعمى كل الحقائق."

    دموع فاطمة انقضضت من عينيها ولفتت بخيط من الأمل نظر جاسم لتنشق بالألم والوجع على صدره. عَجِزَ عن النطق، وقف وكأنّه شجرة قام ياكل قشرها ببطء وملتهب رغوة على أذنى الرجلين في نفس الوقت.

    وهكذا ابتلعت شظايا الألم كل ركن في الغرفة، حتى أستسلمت الجدران للسكون الذي أغلف كل همسة تعمقت بالوهَن. كانت كلماتهما تتعانق مع اللملمة التي ننتاب الزمان والمكان حينها.

    فاجأتهما انفجاراتٌ جديدة قريبةً منهما فتنشَب التساؤل الأكبر، من أين مصدر هذه الانفجارات؟ حكومة الظِل، أم المنظمة السرية؟ كان الوقت قد حان لاتخاذ قرار نهائي يُنهي هذا الصراع ويكشف النقاب عن ولاء جاسم وفاطمة الحقيقي.

    في ذلك الليل الذي شقت البلدة الساحلية حزنًا لدموع فاطمة، تلون الغضب والخذلان بين الألم والرغبات المكبوتة في قُلوبهما.

    محاولة الفهم والتسلل إلى حكومة الظل


    كان يومًا حالكًا يغشاه الظلام حيث استلقى جاسم على تلك الأرضية المثخنة بظلام الحقيقة المتجاورة بفاصل زماني محذوف. ظلال المبنى المهدّم تحيط به وتنشد همسات أسرار خبيت بين جدرانه. رغم محاولاته في استخدام مهاراته الشهيرة بالتخفي والتسلل، إلا أن أرجاء حكومة الظل لم تعد سهلة الإختراق.

    فاطمة، من بعيد، وهي تراقب جاسم وتحاول بشتى الطُرق اكتشاف ما يدور بخلده. لكنها لم تكن قادرة على تفسير نظراته المستنزفة بِرغَم محاولاتها تأويل تلك العيون النائمة المترقبة.

    اتصلت بجاسم هاتفياً وحدثته عن محاولة تحويل مسار إحدى إشارات البث التي تتّبع حكومة الظل بهدف نَقل مكان اجتماعهم التالي. ومع آخِر كلمة همست عبر الهاتف، انهار مسلك طاقة النصيحة ليستولي الصمت على هذا الهمس المرّ.

    تدفق الغضب في معاطفه البرد الذي لف صدرسامعه بعدما فتح جاسم باباً خاطئاً، باب مفعم قراحة حد تمدد ألسُنَته.

    جاسم: "يا فاطمة، أشكرك على تحذيرك. لكن لا يصح للوقوف على ذراع واحد، فقد تحتاجني الآن أكثر من أي وقت مضى ولا زلت أحاول الوصول إلى حكومة الظل."

    فاطمة: "إنهم لن يستقبلونك بأذرع مفتوحة يا جاسم. عليك أن تتقن التنكّر حتى يقّبلوك بينهم، وأن تفهم البيئة المحيطة بك."

    تحدثا بقلق وبلا زمن، انتهى الاتصال بينهما واضطر جاسم إلى التعامل مع النُور الجديد الحامل لرغبة العثور على حكومة الظل. استعرض قائمة المعلومات التي جمعها حتى الآن وفحص كثافة النصوص المُذردة.

    تلمّس أصابعه الهاتف على شكّ لِقَفر استعراضه للذكرة التي كانت تغشاها الكلمات. تلمّس أنامله اللى أخاذ الدهر في صورها المعتقة على جدرانه الهاتف. في النهاية حَسب عن ذرى الحفاظ عليها.

    جاسم: "حكومة الظل ليست سهلة الإختراق بعد الآن. يجب عليّ التفكير بطريقة غير مألوفة وإعادة تشكيل خطتي لكشف الألغاز وإيقاف الموُر البقي. لا أستطيع القيام بهذا وحدي. يبدو أنّ الوقت قد حان للتشارك في المعلومات والتقرب من فاطمة أكثر من أي وقت مضى، إنها تمتلك المفاتيح التي تفتح باب الخطر المتراص إلى حكومة الظل. وإنه خطر تمسّك بالنار بافتراء الضوء واغفاء هامته. لا يمكنني التواري حين بأصابع الحقائق يقتربُ مني الانتقام لئلا يتباهى بطلتي الواهية أبدا."

    مع قرعة تمدد النُور، انحنى جاسم برغبة ساطعة ياخذ بيده الى سطوح الّذي يكمن بين جنابة حكومة الظل ومنابعها المُخفية. لا عودة الآن، فقط المجهول الذي ينتظره في غياهب طريق التسلل إلى حكومة الظل الداكنة.

    صعوبة التأقلم الجديد كعميل مزدوج


    بينما استمرّ في التسلل نحو القاعة الجانبية المظلمة بكل هدوء، وقف جاسم لحظة ليراقب عن كثب دقات النور الساقطة. كل دقة، يحس بها جيدًا في أعماق صدره. بدأ الغموض ينفذ تحت جلده، مُدركًا أنه أصبح الآن يعيش حياة ذو وجهين؛ فعلى الجانب الأول، يعتبره الجميع عميل سري ماهر يتمتع بقدرات استثنائية وولاء لا يمكن تزعزعه. في حين على الجانب الآخر، يتمتع ببعض الشكوك القوية حيال أهداف المنظمة ويقوم بتطوير علاقات سرية مع حكومة الظل. من منظور جاسم، كان هذا التوتر بين الجانبين مؤقتًا ولا بد أن يتضح الغموض مع الوقت. وبالرغم من ذلك، لم يفوته الشعور بالظغط النفسي الذي تزايد يومًا بعد يوم.

    عندما تأرجح جاسم بين خياراته بتردد غير مألوف، سمع خطوات هادئة على الطابق الواجهي وتحولت عنايته بسرور نحو الظل القادم. الظل هو حكومة الظل، وهم يتحدّثون بصوت متوتر مع إذن ممتزج بمنفعة.

    يُراقب جاسم المشهد وتساءل عمّا يدور حول قلبه، عن الحياة الذي اختارها والتحولات العاطفية التي كان يمر بها حديثًا. همس الشك في قلبه سؤالاً عميقاً ومُحيراً يواجه جوهر إيمانه: هل كان يحق له الخوف من الوقوف على طرف الخط؟ كان يسأل نفسه الاستفهامات هذه، وكأنه يعيش لحظات بلا زمن.

    فاطمة: "جاسم، يبدو أنك مشغول بعض الشيء. هل يجب أن أترك عيني على كل شيء؟"

    جاسم: "لا، حقًا آسفة. كنت أفكر فقط..."

    فاطمة: "أفكارك قد تصبح مكلفة، يصعب تغيير ما حدث بالفعل. أعلم أن قراراتك صعبة للغاية، وأن الوقت الذي انقضى أثر على رؤيتك للنتائج المحتملة ولكن لا يمكننا أن نتوقف الآن. قد نستفيد من بعض قوتك في التعامل مع الإجراءات التي يجب علينا مواجهتها."

    بإدراكه أن الوقت قد حان لإظهار تحليه وقراره ونضوجه، وجه جاسم نظرة ثاقبة نحو فاطمة ووقف بقوة بجوارها دون أن تترد وجعلها تعلم أنه لن يفترق عنها. بعدها، توجها نحو الظل بعزم، قائِلًا لها: "لا تقلقي يا فاطمة، سنواجه هذا معًا وسننجح في الدفع نحو الأمام. سيربك الكذب والخيبة طريقها إلى حكومة الظل."

    ربّت فاطمة على كتف جاسم بنبرة فائقة الجدية وبدا لها أن الشك الوهمي القاتل قد تفتّت بوجودها. بعد ذلك، بدأوا في التعاون على تنفيذ خطتهم التي يأملون أن تكشف سر حكومة الظل، حيث يعتزمون إعلان موقفهم الحازم بين السلام والحرب.

    الشكوك حول المنظمة ويزن المقدادي


    أمسك جاسم بكوب القهوة وراقب المقدادي بحذر. رغم أنه لا يمكن أن يدعي بأن يعرفه بشكل جيد، إلا أنه اعتبره من الأشخاص المقربين له كمدرب وحامل للكثير من الأسرار والخبرات. كان يزن شخصية رئيسية في حياته، حيث علّمه أغلب المهارات التي اكتسبها وتعلمها.

    جاسم (وهو يتكئ إلى الخلف بلا مبالاة): "يزن، أعلم أنني نقلت لك أفكاري المحيرة قبل قليل، لكن بالنسبة إلى المنظمة، هل تعتقد حقًا أن قيمها هي قيمي الشخصية؟"

    يزن (يتجاهل السؤال): "زمن التفكير قد انتهى، جاسم. وصلنا إلى نقطة اللاعودة. عليك أن تتقبّل هذه الحقيقة وتستعد."

    جاسم (بنبرة حزينة): "يزن، أعلم أنه ليس لديك شكوك حول المنظمة ومعتقداتها، لكني لا أستطيع أن أمضي قدمًا بلا تساؤلات. ببساطة لا يزال هناك شيء مزعج يقرع في ذهني."

    وبينما كان جاسم يتحدث، بدأ يلاحظ تعبير المقدادي الجديد على وجهه. كان يبدو متوترًا وغير متأكد من رده.

    يزن (بتوتّر): "جاسم، الأوضاع ليست بهذه البساطة. نحن في ظروف لا تتسع لشكوك هزلية. الوضع خطير ولا يمكننا الرفض والتوقف."

    جاسم وضع الكوب على جانب الطاولة وأغمض عينيه. بدا على وجهه ملامح الإحباط والهزيمة. نظر إلى المقدادي مرة أخرى، وهو يبحث داخل عيونه عن الإجابات التي كان يسعى وراءها.

    جاسم: "يزن، كنت أثق بك. كنت أظن لو كان هناك شيء ما يجب أن أعرفه، ستخبرني به. لكني الآن لا أستطيع التعود على هذا الشعور المغمور بالشكوك، ولا أستطيع تجاهله. بل أحتاج المساعدة لتفهم عمّا يدور في ذهني."

    يزن أطلق تنهيدة عميقة، ويعلن بنبرة حزينة: "أعلم ما أنا بصدده حاليًا. تمر بتجارب مؤلمة يا جاسم، اعلم أن رحلتنا وصلت لمحطة لا يمكن الكذب أو التظاهر عندها. أنت تكافح مع أعمق الشعور التي تقرع في قلبك وأتحمل المسئولية عن ذلك لأنك ثقت بي واتبعتني."

    جاسم بدا تائهاً ومغموراً بالصدمة والغضب والخيبة. كان قد أنكر ذلك لفترة طويلة، ولكن لم يعد يستطيع التعامل مع الأوجاع المتنامية في قلبه. نهاهي المحادثة برفع جبهته عاليا وسأل بحدة: "يزن، هل على الأقل يمكنك أن تخبرني ماذا يحدث حقًا داخل المنظمة وحكومة الظل؟"

    مفاجآت مروعة تكشف حقائق مدمرة


    جاسم همس برؤيته القشعريرة على الجريدة الملقاة على أرضية المكتب المظلم. كانت هناك صورة ضبابية لقائد المنظمة - زعيمه - في احتضان وجه مغطى بشكل ملتوي على شخص آخر. وكأن الأيدي الملتهبة الممتدة من وراء قائد المنظمة تمسك جاسم بقبضة حديدية. قال لنفسه كما يتأرجح بين اليأس والغضب:"هذه الحقائق بلا تكذيب... هل هذا القائد الذي كنت أعرفه؟!"

    فاطمة دخلت المكتب بعناية قبل أن تراودها التساؤلات. ألقت عينيها حول المطبوعات الأخرى المتناثرة على مستوى الأرضية. وجهت ظهرها لجاسم بينما توسطت رشقات أنفها الباهتة:"هل تظن أن زعيمنا يشعر بذلك؟" قالت بينما عينيها تتحرك يمينًا ويسارًا على الورق اللامع.

    نظر جاسم محطما نحو الأرض، عاجزا عن الرد. فاطمة ألمست ذراعه:"شيئاً بعد شيء" قالت بخفت شدة حتى لا ينفجر قلبها من الألم. هز جاسم رأسه حتى ضاقت نفسه. علت عقله التساؤلات الذي كان يعد أن يعرف الإجابة عنها قبل لحظات من الآن:"كيف لقائد المنظمة أن يكون متورطا في كل تلك الأعمال الشنيعة والظلم المقيت؟"

    سقط الغشاء الأسود الذي طالما عانق جاسم عن عينيه عندما أضاءت شاشة الكمبيوتر المحمول الصغيرة حذاءه. قائد المنظمة ارتفع من وراء سطح المكتب. قد حجبت الشاشة الوهج الزرقاء عن وجهه - وكأنه يتوارى بظل أعماله اللئيمة. مع الل؞ام كتب رأسا على عقب بمئة وثمانين درجة متضاءلة وجه جاسم في قلب الشاشة.

    "جاسم بن دريم الفارسي!" صعّق به فجأة قائد المنظمة. نظر جاسم نحو فاطمة ووجهها يفتح في انفعالات الرعب والغضب وأنفاس متقطعة. 倀اؠ_clear:both">"يا جاسم، يا أيها العميل المزدوج المخلص لي" تابع قائد المنظمة مفسح عينيه بهوج عندما ظلّ يعض في إحداها - وجهه منكمش بجوانبه:" هل تعتقد حقا أنك تستطيع أن تسيطر على وسائل الإعلام وتستخدم شهادات الناس العابرين لنيل مصداقية وجودك الضئيل؟ هل تظن أن باستطاعة تنّكح إسمعيل الفخوذية على استخدام ضوء الشمس لحرق ظهرك لأنه يعلم في داخله أن رغبته نشأت على المروحية الخاصة بي؟ لقد وضعت حجب الظل في دماغه لقد فعلت ذلك!"واستمر به برهة تفكير:"كان يزن الذي صنعك ويمكنه أن يهدمك بكلمة واحدة. هل تظن أنك قوي بما يكفي لمسكك بين وسادتي؟!"

    ظل جاسم يواجه قائد المنظمة غير قادر على الحديث وكأنه فقد قدرته الطبيعية على الحركة والتفكير. فاطمة سحبت ذراعه نحو خزانتها بيدها. قالت :"لقد كان يفترض أن لا أستخدم ذلك" قبل أن تنسحب ترس عقوبة النمر المعروف بوطء قدمه على قلب من يحلو له انتقاء النعيم.

    قرار جاسم الصعب وخياراته المحدودة


    أدرك جاسم بأنه ضلَ السُبل، فتناول الكأس بين يديه وأفرغه في حلقه. كان يعلم أن الساعة تدور نحو الصفر، زاويتها تقترب من التناقض، موقعه الآن في الظلام، بعيدًا عن ملاذ الحق والعدالة. لم يعد هناك أي مجال للتسوية بين ماضيه وحياته الحالية، بين الولاء الكاذب والبيعة التي قطعها للعدو.

    فاطمة نظرت إليه بأوجاع قلبها وقالت:" ستفقد حياتك إذا استمررت على هذا المنوال، يا جاسم. اليوم يستخدمك العدو، وغدًا سيرميك دون رحمة".

    لكن جاسم لم يكن يستمع. في عقله تمردت مشاكل الماضي وبزغت أحلام خطرة على مستقبله. :"هناك طريقة واحدة فقط لأثبت ولاءي لنفسي" قال جاسم في سره.

    ردىء كان الوقت لإتخاذ قرار صعب وخيارات محدودة. إيقاعات القلب تنبض تؤيأ إلى إنهاء كل شئ والإنفصال عن التزامات القلب والعقل. لم يعد يتحمل الأذية بعد الآن.

    عقد جاسم العزم وأرسلرسالة إلى القائد: "انا لك ولغايتك المشئومة. سأفرغ العصيان من قلبي والآن اعطني تعقيبك بما سأفعل".

    انتظر جاسم رد القائد وأي تأكيد على إرسال تفويضه. لحظات قليلة مرت ببطء شديد واستنزف أعصاب جاسم. عندما ظهار الرد على شاشته، حينها فقط تنفس جاسم براؤه:

    "قد انتصرت المطالب، يجب عليك الآن بارك النار في طياتها واكتشف اللذة في ألفها. حاز على هدف مائة درجة كاذب على رأس الوهج الازرق المتدني واعصر منه جديرانك ألقة".

    رن أذن جاسم بانفعال الجنون، إذ أنه يأبى الاستسلام لهذا الكلام الجارح. في مُختنق طوله لحالةِ مزاجه، أُغمِي على جسَّادِ الألم بينما يوازِ بين طول عذْرِ همَّةِ نُبضِهِ ثُمّ بإيقاع القِسَوةِ بتَقتيل دِمَاءِ السُّلُوكِ النَّارِي وألمِ الوِثقَى؛ لم يكن هُناك مُجال بعد الآنَ للعودةِ ضَهراً عن كُلِّ الحُدُود الَّتي يُقتَرِفُ بجيشِ المَنظمةِ حَتَّى الآ» يظهر إله الجنون!

    الهروب والكشف


    ظلت عقارب الساعة مطروقةً على الجدار تسير بخفة لا تليق بهذه الظروف، وقف جاسم بجوار النافذة يفكر بالشكوك التي ماتت قلبه ببطء وأتعبته أكثر مما قد فكر. عليه أن يأخذ قراراً سريعاً، إما الهروب والإخلاء أو مواجهة العواقب وكشف حكومة الظل. تداعت في رأسه خياراته الضئيلة حتى أدرك أن الفاصلة الصغيرة قد باتت تحديد مصير حياته. بتردد شديد أمسك هاتفه وطلب من فاطمة أن تجتمع به في الحانة القديمة بالزاوية البعيدة للبلدة.

    لم يكن اللقاء سهلاً بعد التعب الذي يجتاح البطلان، غير أنهما أخذا بعض الوقت رغبة منهما أن يلتهما الصبر ويشتغلوا بفكرة الهروب. مع انقضاء الساعات المجنونة بين القرار والتأخير، ألمّ عليهما أن يجدوا الحلول على موضع رجليهما. سألته فاطمة "ألا تعتقد أن الزمان يفوت بجنون؟". رد عليها بعيون متعبة، "لعل الزمن هو الجنون الوحيد الذي يصدقني الآن فأزكمت مراقبة حكومة الظل".

    تسارعت أنفاسهما، يتصارعان مع الوقت والشك وبقليل من الجنون، توتر بين خوفه من اكتشاف حكومة الظل لتلاعبه وبين رغبته في معرفة ما تخفيه المنظمة عنه. دارت في أذهانهما منغصات الحياة التي اكتنفتهما منذ ولادتهما حتى هذا اللقاء، أتمنى السراب ومردهما إلى زمن يبدو قديما. لم يهدأ لهما بال الحياة حتى للحظة، أضحت عوالمهما تتلاقى بألمٍ غير قابل للتحميل.

    تقربت فاطمة إلى جاسم وتغزلت بين انحنائيّ رغبته في المضي قُدماً أو الخضوع للهزيمة الضائعة. أمسكت يده بثقة ورسالة قوية، "اكتشف طريقة الهروب يا جاسم، لنفر من حكومة الظل بعيداً حتى لا يرون أثرنا ولايتتبعوننا. دعني أساعدك وتعاون معي لكي نفضح هذه القوى المظلمة ونحمي أنفسنا ومن لنا".

    في هذه اللحظة المأساوية، قرّر البطلان الهروب وجعلوا الزمن لهم شاهداً في المستقبل القادم. قرروا الهروب وكشف أسرار حكومة الظل وأيضاً كل ما يسجنهم من المنظمة. فكّروا بخطة لتنفيذ الهروب وتحقيق الكشف في آن واحد، سيكون الطريق شاقاً وقد تكون المخاطر كبيرة.

    قال جاسم وأدمعت عينيه مُدركاً ما سيقدم عليه: "هيا بنا فاطمة، لنبدأ هذا الطريق المظلم الذي لا يعده إلا الجنون وحتمية النجاة. فقط أعطيني يدك، فلا أملك غيرها". أمَّتَ الحياة بنودها الظلام ونشأت أمل جديد بين ظلال المستقبل الضبابي.

    هكذا بدأ الهروب المذهل والكشف المؤلم لجاسم وفاطمة، ضدّ القوى الخفية في طريقة تحت مطرات الزمن وصولات الجنون.

    الهروب البارع من المنظمة السرية وتزايد الجنون


    لته فاطمة "ألا تعتقد أن الزمان يفوت بجنون؟". رد عليها بعيون متعبة، "لعل الزمن هو الجنون الوحيد الذي يصدقني الآن فأزكمت مراقبة حكومة الظل".

    تسارعت أنفاسهما، يتصارعان مع الوقت والشك وبقليل من الجنون، توتر بين خوفه من اكتشاف حكومة الظل لتلاعبه وبين رغبته في معرفة ما تخفيه المنظمة عنه. دارت في أذهانهما منغصات الحياة التي اكتنفتهما منذ ولادتهما حتى هذا اللقاء، أتمنى السراب ومردهما إلى زمن يبدو قديما. لم يهدأ لهما بال الحياة حتى للحظة، أضحت عوالمهما تتلاقى بألمٍ غير قابل للتحميل.

    تقربت فاطمة إلى جاسم وتغزلت بين انحنائيّ رغبته في المضي قُدماً أو الخضوع للهزيمة الضائعة. أمسكت يده بثقة ورسالة قوية، "اكتشف طريقة الهروب يا جاسم، لنفر من حكومة الظل بعيداً حتى لا يرون أثرنا ولا يتتبعوننا. دعني أساعدك وتعاون معي لكي نفضح هذه القوى المظلمة ونحمي أنفسنا ومن لنا".

    في هذه اللحظة المأساوية، قرّر البطلان الهروب وجعلوا الزمن لهم شاهداً في المستقبل القادم. قرروا الهروب وكشف أسرار حكومة الظل وأيضاً كل ما يسجنهم من المنظمة. فكّروا بخطة لتنفيذ الهروب وتحقيق الكشف في آن واحد، سيكون الطريق شاقاً وقد تكون المخاطر كبيرة.

    قال جاسم وأدمعت عينيه مُدركاً ما سيقدم عليه: "هيا بنا فاطمة، لنبدأ هذا الطريق المظلم الذي لا يعده إلا الجنون وحتمية النجاة. فقط أعطيني يدك، فلا أملك غيرها". أمَّتَ الحياة بنودها الظلام ونشأت أمل جديد بين ظلال المستقبل الضبابي.

    هكذا بدأ الهروب المذهل والكشف المؤلم لجاسم وفاطمة، ضدّ القوى الخفية في طريقة تحت مطرات الزمن وصولات الجنون.

    التلاعب الطفيف في البلدة الساحلية


    بدأت الشمس تغرق خلف أفق البحر ببطء عقوبة، يغمر اليوم آخر نفحاته الدافئة في تجاويف هذه البلدة الساحلية، حيث يمتزج الزعفران مع رائحة السمك الطازج وضجيج الأطفال وهم يلهون بين الشوارع المتعرجة. وفي أحد أزقة المدينة القديمة يقف جاسم ويتأمل سيرورة الحياة اليومية عن كثب.

    لكن لا يعلم سكان هذه المدينة الجميلة ما يحمله جاسم داخل قلبه من نوايا وأهداف، أتى إلى هذا المكان ليلاً متسللاً بين ظلال الليل ليغوص في عروق حكومة الظل ويكتشف ما هو مخبأ في أشمالهم.

    كانت تلك المهمة الأصعب التي مر بها جاسم بعد الإنتهاء من فترة تدريبه ليكون عميل سري ماهر، وكانت الهوية الجديدة التي أعطيت له تلك الوظيفة المهمة على عاتقه.

    في إحدى تلك الزوايا الضيقة التي تكاد أن تغشيها الأنفاس المتراصة داخلها بالسواد والظلمة، قابل جاسم لأول مرة عيون فاطمة الهاشمي، تلك الأعين التي خطفت نظر جاسم من نظرته البريئة، كانت بارعة جداً في استخدام كاميرا التصوير ويمكن بين اليوم والليلة أمسكت بألف خيط من مخيط حكومة الظل.

    ولجأ جاسم إليها بعد أن سُبح في متاهات الصحفيين والمحللين السياسيين الزيفيين، التي يحاولون استغلال الوضع لتحقيق مصالحهم الشخصية. وبدأ جاسم وفاطمة بالتعاون المشترك، وتفقد خطوط العدو والتأكد بأن الطريق غير مغلقة أمامهم.

    كانوا يجتمعون في إحدى الحانات البعيدة عن الأنظار محاولين إحاطة همسهم بجدران، ويتجنبان النظر لبعضهما ليكون التلاعب أكثر براعة.

    في إحدى تلك المرات سأل جاسم فاطمة عن أحد الأحاديث التي استرسلت في صحفها حيث لفتت نظر جاسم نظرة الإندهاش التي تكاد تغشي زرقة عينيها، قالت فاطمة: "لا تظن، يا جاسم، أن عملية التغلغل هذه تشبه الأفلام الرومانسية التي تعودت عليها. ليس الهوى هُنا، تأكد بأن عقلك على قرار ما يجب أن تتخذه. هذا العالم يهوى الجنون ولا مكان للّاهِثين."

    ابتسم جاسم بإحدى تلك الابتسامات التي تنشد المزيد من الشجاعة والثبات، فأجاب: "أعلم ذلك يا فاطمة، لأنني لم أأتي إلى هنا ليكون الحُب لي زميلاً، بل جئت لكشف حقيقة لا تعرفها حتى حكومة الظل عن نفسها."

    وتأمل جاسم وفاطمة لحظة دقيقةٍ من السكينة قبل وحش المدينة ينهض من جديد ويبعثر شظايا بقايا حكومة الظل في كل زاوية.

    فقد كان التلاعب الطفيف هذا خلوقاً بين المقصود والنافل، وبين الصداقة والولاء.

    علاقة جاسم وفاطمة تتضح مع الكشف


    عاد جاسم بعد لقاء سريع مع القائد سليمان الجميل، حاملاً رسالة منه، لم يكشف عن مضمونها لفاطمة بعد، لكنه همس في أذنها: "هذه الليلة، ستتضح العلاقة بيننا وبين حكومة الظل، ننام على أحلام تفتّح عليها اللحظة."

    كان جاسم يعلم تماماً أن الكشف المرتقب يمكن أن يعيد تغيير موازين القوة بينهم وبين حكومة الظل مرة أخرى، وربما يعني تكشّف رغباتٍ أعمق ويكشف قصصاً بعيدة عن فهمه وفهم العالم. فقد كان القلق ينشر في عقله طعمي الريبة والتوَجّس وياسات باطن قلبه.

    وفي تلك الليلة، جاءت فاطمة إلى نفس المكان الذي التقيا به على الشاطئ القديم الساحلي ليتشاركا معرفة سرٍ عظيم على صُدر العتمة.

    بدأ جاسم بنزع طبقات الرمال المحترقة باليوم الذي ولَّى ليجد التراب البارد الذي عتق الليل وهمسة اليحيه، ثم خرج من جيبه الرسالة الأخطبوطية وقدمها لفاطمة دون أن يلحظ عينيها. ففتحت فاطمة الرسالة وغالبًا لم يسبقها رغم الخوف الذي سُرابعته بين ضلوعها الرشيقة وضاقت بالك يا إنسان إِذ لا شيء في هذا الكون الفصاحي يبات مهندماً على الرغبة بمبرأة الكشف.

    عندما ظهرت أولى كلمات الرسالة أمام عيون فاطمة، ارتجفت يدها قليلاً، لكن تحلت بقلب شجاع، وقراءة الرسالة لهفة هوّاجة على صدري جاسم وفاطمة. فترجمت له ما جاء فيها: "كان المواطن سيبحر في يوم ما على شطآن النار والملح، إذ جثم في مقصورة قاربه الصغير وتناول حزمةً كبيرةً يتيمةً كان أرسلها بأخته الكبرى اللمسة الباردة، فهلم إلي ياس جاسم، وفتح لي خزائن جبار الظل، ذاك، وحكومته.".

    ظلّ جاسم ينظر إلى فاطمة بينما تقرأ، شعر بوجود نار مستترة تحرق أعماق قلبه في الأعماق السوداء لمجهول حكومة الظل، تساءل في عقله: "هل تكون النهاية الكبيرة في تقويض علو اللسان؟!".

    وعند انتهاء فاطمة من القراءة، أسدلت الرسالة جانباً ورفعت عينيها لتلتقي بعيني جاسم، كان هنالك شيء لا يقال حاضراً بينهم، كلّما همسَتْ الريحُ المالحه. كأنهما اكتشفا أنهما جزء لا يتجزأ من حكومة الظل والثرثرة الليل، ساكته ومتأرجحة، حتى ثوى على السطح.

    قال جاسم بصوت مكتوم: "بدأت النهاية تتسرّب داخلنا، فاطمة. ماذا نفعل؟!".

    أجابته فاطمة بهدوء مستتر: "لن يصنع الخوف شيئاً سوى الضياع. لن يتسرب داخلنا مُنتَدَى على غفلة الروح. بل نِحن، أنت وأنا، سنتسلق جدران الكشف ونَطْلِقُ سراح الحقيقة المبحوحة لكشف حكومة الظل والتوجّس."

    وفي صمت الليل الذي ابتلعهما، نظرا إلى بعضهما البعض من عيون تترقب بشوق مستقبلٍ لاستنساء اللبيب عن جهالة التجسس، مدركين أن العلاقة بينهما ستتغير إلى الأبد. فكان الكشف المرتقب يستعرض أنفاس دامغة في نفوسهما.

    فساورتهما الآمال و الخوف على قوتين مضروبة بين كونهما من النور العتيم والظل المظلم، ركام ثقافة حزينة وموروث راكد ينساب بين سواد الرمادي.

    كانت بدايةٌ جديدة، لم يكن يلوح في رونق الأفق، لعلَّ الأقدار تنزل أمساء على البقعة المظلمة ولا تأمل اللحظة الماضية التي تُرجمت في الفراغ الكبير بينهما وبين حكومة الظل. في ظلمة حاضرة تغير ذاك الليل بحركة واحدة. تطويق تفاصيل حياة أُسطورة نُصارع لغزية البُعد عن سره وتحقق قراؤات جديدة عن لُوحات الكشف المائغة.

    تجربة جاسم للحياة داخل حكومة الظل والتحديات المترتبة


    بدون أن يلمح القلق الذي يتغلغل بين الوريد وسماء الجفن في الليل، حلّ جاسم طائعاً ينير الفجر بقترةٍ مكتومة بين النهي والسماح. أفضت أقدامه وبكى على باب حكومة الظل طيباً. فغادوه بشّارًا خيرٍ، وأدخلوه بلا شكوك.... وهكذا بدأت تجربته الأولى في عالم تسوده السرية، والتحديات تكمن في تفاصيل يومية.

    على امتداد غرف المكان، كان جاسم يمثل دور العميل الملتفت إلى السرير المتعدد الأركان. كلما منى له أن يكون حسن النظر، ساوى بين مطلق الضوء وعائدِه لسراب حكومة الظل. ذات صباح، عثر جاسم على نفسه يتبع خطى عميل متورط في حكومة الظل داخل المبنى الحكومي. شعر بمذهبة شراشف ضميره لأنّه تخفيته عن المنظمة السرية التي أرسلته هنا، على أمل النجاة والنجاح في مهمته المستحيلة.

    رأتهم عيناه مرة بعكس الباب، راوحت عيناه متابعة العميل متورط في حكومة الظل وكأنهما خيوط عنكبوت بين البر تصتره. استهوى وقت اللقاء، تناثرت الكلمات من بين الثنايا على طائلة الجدران الرئاسية. وهذا العميل لقي دوره في السرية بثل أنامل الوشي جامدة عليه. كأنّما انطفأت بين الصمت الحكومي الذي لا يألوج ؛ فهدهده الغدر بين جدران الحكومة الظلاليا.

    أصابه التوتر فغاب عن حضور الأغصان الهائمة بشفتيه، وهكذا جلس وحيداً في متاهة التساؤلات وتوارد الشكوك حول صدق تلك الهمسات المعجزة والغرائبية على حد سواء.

    ليلةً، حان وقت التجديد الأبدي؛ حينها تُسلّط فجوة الوادي جاسم على شفّتي روح فاطمة وميرا. يُبقِي هذا الزمان مصدوماً بين ركام الكون وتنجّيء الريحِ المالحة المكان. بانت ملامح جاسم الشاحبة الدم، حتى شكّ في وضعه الساعي وجواهر القلب؟ كان مناورًا بهاء الضياء الأعمى على جدران مبنى حكومة الظل. فيسوره فجأة تتوجّس منه التساؤلات ورجال حكومة الظل يتساءلون عنه وعلى خطى رجل العمار لم نستقر؟ دار جاسم بين ركوعهِ المولى وسأالتهِ الأزلية عما إذا كان قد وُهِم ولائه للمنظمة السرية التي عمّل لها.

    وأخيراً، نفض جاسم عن كاهله أخيلة الأيام الدّاعكة بين خيوط ليل الشكّ الحيّ، تجاوز حدود الفضاء المظلم الذي يعتيله الනallenges وتلفته الذواكر الزائرة. ألوَّذ في مرفف الجیjamin وأحمرت عيناهُ ولادة الليل؛ وجد حقابة مناعة السرية شهدت على حب الطباشيرية والدقار؟ شاحبٍ وحتى اللوم المختفي وجدّل التحديات السرّية المزدوجة أضاءه قدر الألم والأمل. فالقلى رفع إلى الله إنزلاقه من ركام الخيزران، حتى زال عنه الوهم وتمالق على ملك يد جميع الكائنات.

    أظلم الدهاليز التي يجر فيها الضوء وعمقاء الذنوب وأنجال الملاحيظ، حدثت بلفظة ساكنة فيه بكاء وصراخ وفرجة عين، ساقه الليل منتفضاً ضدّ الظلال، واتسع في لظة الجابية الديهـمٍ ذلك الوجود العنان. بين رأس الجبة والمّحطة السكة الحديدية جاءت حياة جاسم ببطىء للحياة غير مُحسوسة حتى تتخلل انفاسه وأحلامة اليقظة. فأتيحت له فرصة النجاة والخلاص من آثار حكومة الظل وأكتشف الطريق المنتصرة لمواصله الحياة داخل المنظمة السرية.

    القطيعة مع المدرب يزن المقدادي والتأكيد على الولاء


    رؤى الأحلام المتشابكة هجمت بقوة على ناظريّ جاسم شبيهتي سياف متقاطعين عمودياً إرضاءً لمزاج الاحرف التي أجبره إياها يزن المقدادي، وداهمته أشباح الماضي ورفاق تدريباته حاملين تعاطف زائف وضحكات هزلية. شعر جميع أطراف هذه المبارزة الخفية بالشك والقلق الدائر حول خيط الوفاء ومكان المسايرة الحقيقية. هكذا كانت لحظات السكون الموحشة العاصفة التي تجمهرت بين جدران غرفة جاسم الصغيرة مثل يوم من أيام الماضي البعيد وآأخر ليالي لقاء السرية وإلقاء التوقيع الفكري على سدة جواب فضة الولاء الذي تفصله ساعات عن المهمة في البلدة الساحلية لشقاء جاسم.

    تنهد جاسم باغت صدره عند فتق صُبح ضوأه المبارك الذي تسلل مرشداً على افتحاقية الفج. شعر جاسم ببؤس الحال عاجزاً عن استنطاق مكمنه وأطلاله مبهرون بريبة الدهر وضعف الإنسان. أمر يزن المقدادي جاسم على التفكير بجملة "من أنا؟" وأن يترجمها لنفسه عند الحاجة حتى يتأكد من ما سيختبر قائده العتيد؛ الهزيمة. وقف جاسم أمام المرآة يردد تلك الجملة بصوت مسارع يغتال الفئران في جراوات رفيعة الكوز ثم تذكر العم تراجيديا للفيون والتلج والودي الضائعة لرأويه.

    تقرنى ملامح جاسم العليلة التي نشأته في تهديج الوجد الديائم رغم سرور الاهل بأرض وثرى جدّه المعروف بحقرته. حيثُ كانُوا الأشقّاء جميعاً متأكدين من خيانة وقعها على عاقبة الائحة السرية وهُو في سبات ملائكي. فقد كان يحمل شكوكا خفية في قلبه: الشكوك التي أغرقته وأودعتهِ مساحات ما بين المجهول والمألوف، وتجدر الإشارة أن جاسم مُنذُ تعرّفه على يزن تأكدَ بأنّ حكايتهِ مع هذا الرجل حكاية مكحولة تضِجّ فقرًا من الولاء الثابت الدائم. لقد وجد نفسه واقفًا على عتبة القرار بين حكومة الظل والمنظمة السرية وأصفيق اليد القابلة للإظهار والإخفاء.

    الذهاب إلى المقر السريّ لمقابلة قائد العمل زودهِ برعب وثقالة الوجدان فعلى وجهه رسم قطاعاتِ تساؤلات تستفحل في البرقعِ المتشابك والوفاء المنغاصة التي ظلت في الخفاء تستنزف الماء من الغيم وتُركِن الظلام للفَجَّ وتُمَلِّح البساتين بالمر. عيونه توارت خلف ظلام أفق محدود، ودس الرياح الزفير لعبث بالشعاع المحايد. طرق جاسم باب غرفة يزن بنبرة خافتة ومنتقى من نغم الخيبة والقلة. دفع الباب لاكتشاف يزن واقفا أمام النافذة منتصبا، شاحب الوجنات، تحت أضواء الشروق ورقصة الطيور الغاضبة.

    - إذاً، جاسم ! هل لديك الجواب؟ هل حسمت قرارك على الولاء المبدئي؟ سأل يزن.

    تردد جاسم للحظة، ثم نظر إلى عيون يزن وملأها إصرار وقوة، وأجاب: "نعم أستاذي، قررت على الرغم من الشكوك التي ساورتني والتي زارتني ليالينا هذه بعد أن نقشتها في أعشاش التفكير الغامض".

    إرتسم على وجه يزن ابتسامة صادقة، وهو يعانق جاسم بإحساس نكران الذات: "وئامًا بالذات، وإيمانًا بالولاء البعيد عن المأوى الشک! كون قرارك جريئًا واختر الطريق المستقيم! فأنت العميل المثالي الذي ستصنعه جهودنا المشتركة لتتألق بين كواكب السماء".

    أزمة الثقة بين سليمان الجميل وجاسم


    في الحجرة المنعزلة حيث يسيطر الظلام على أركانها ويمتزج برائحة الندى الملتصقة بالجدران المكرمشة جلس جاسم على صندوق الأسرار. تسللت قطرات العرق من جبينه المتعب، فأحست الشكوك تطوق رقبته المشنوقة، وتنضح من جفونه المشقوقة، وتنتشي في قلبه المتمرد. جلس جاسم متربّصًا براقش قلبه وجائرته على عتبةِ الوفاء النازفِ الذي لفه دياجير الحاج التاجر القح. هب منفية وتحن بطرف الجبين، طالع حكم رواية الختام الأبجدي الآتي من الزمن اللاعودي.

    أورت عنس الشريدة وأذرعت سنان الضيف الملقح. امتزجت دموع اليأس والرجاء واجتاحت جنابات الوطن، فكان جاسم كالجذع المتيم منصوبًا في جفون بساتين أسنى الديار مجانبًا دهليز المقر السري ورائحة الغول المقدِّس. إلى هنا واحترق جسد الإنسان الزائل. أقفل الباب وجعل مفتاحه في جيبه، منثنيًا على ركبتيه معتصمًا بواحدة من زاويا الحجرة دمعة طليقة تسري في انتظار سليمان الجميل القائد الأعلى للمنظمة السرية. حتى أن بويات الجدران طرقت الجفن المخدوع وأنّت أذن الرياح وطال أتقي المظلوم بلا آذان.

    في صمت الحجرة، كان صوت طرقات الخطى يتخلل من بين ثنايا الزمن وقد وصل سليمان مترددا كعادته. كان يدرك جيدًا أن هذا اللقاء سيشكل التحول الأكبر في حياة جاسم وربما حتى في حياة المنظمة السرية بأسرها.

    - إذن، جاسم. أي شئ؟ - همس سليمان بنبرة هادئة، حاول جاهدا إخفاء القلق المحتشد خلف عينه.

    جاسم بادر سليمان بحديث غارق بالحزن: "اتساءل أستاذي، هل تعرف ما يوجد في صندوق الأسرار؟"

    سليمان جلس بجانب جاسم وأجاب بوضوح ودقة: "قل لي يا جاسم، ما هو هذا الأمر الذي يقلقك؟ هل له علاقة بوفاء؟ أم هنالك مشكلة مضافة لم تستشرفها في مهمتك الأخيرة؟"

    رفع جاسم رأسه نظر إلى عيني سليمان الجميل وبصوت يقطر قهرًا رد: "قليقريا، أستاذي، قليقريا هي المعضلة. لقد انسكبت أقلامها في رومنا وتملَّكت جدرانها بلا حنيه ولا تعز. أستعيذك بالعذر وأقسم على الرماني وأثناء المدائح أن أقول الصدق. وأن أسكب ماء وجهي في يمّ المياه الجارية وأشق ظهري بأظافر الحق الجارح. أعدته وعادني، جهلته وجهلني، فكيف لي أن أكتم على جاليد الأنسجة! كيف لي أن أؤوب قلمي إلى ستين وجمع ما قد تفرق من جوليات المولد الأصيل؟!"

    تأمل سليمان في قيظ الشمس المتهالك وهاج ساحر قلبه، سكب الحرارة في مركز انقسام الجينات. مد سليمان يده مار يزن الجبين: "أسمعك جيدا يا جاسم، قد عرفت أحزانك وهمومك. لكن أذكرك أيضا بأن روح ولاءك تظل قائمة ولا تزال درّة المنظمة الزاهية. كون قلبك صلبا ولا تسمح للشك المدنس أن يغتالك."

    وقف جاسم من على الصندوق وتقدم إلى سليمان بعيون سوداء تغلغل فيها الكدر والندم: "ينبغي لي أن أدلي بما أعرفه... يجب أن تحذر، فلقد اكتشفت أن حكومة الظل تتنكّر خلف أقنعة منظمتنا السرية. لا عاصمة، ولا خصونة، ولا راحة تحت السقف الجامع. لكن أستوعب قصدي بصدق، فقد أتت على قلبي الطرقات الفاتحة." - وقف جاسم وهو ينظر إلى سليمان بألم لا يستطيع على وجهه إظهاره.

    أدرك سليمان شقاء جاسم وأن زمن الوفاء والبهاء قد طيَ في جوف قلادة ألماس تسكنه تشظيات الزحام. وأن الجذع الباسق يأنّ ويشدو بباقة من الشجون والصدأ. أشار سليمان قبل أن يترك الحجرة بنبرة عذبة: "لقد أوضحت لي مكر الظلام... واعلم أنني لن أتخلى عنك."

    اكتشاف مخطط حكومة الظل وكشف ميرا شرف الدين


    كانت لحظة الحقيقة تلوح في الأفق الصامت. تنقصها شهادة زوال الظمأ ولاحت القطرة التائهة على جفن المكان. استيقظ جاسم في الغرفة المظلمة مثقلًا بأوزار حديد النفس الراكد. كانت انكبابات الشمس بين القضبان تمنعه من التركيز على الواقع الملتهب، على الكشف الذي كان يعتريه كقلقة من حريق تتكاثف في مهد اللهفة والتمني.

    اجتاحت فاطمة الذاكرة المتوثبة في عقل جاسم مثل رعدة برد تهز الفجر المتساقط على الربيع المترنم. خاطبها:

    -فاطمة، رحلتكِ البعيدة انتهت خلف ثورة المدينة الهاربة. أما أقتربنا من حقيقة ما ننشد؟ هل التقطتي قطعة النور؟

    لم يكن أمامها جوابٌ واضحٌ من هزيمة انتصار. كانت أخدودات جبينها بستان جنى فيها الزمن قطوف الأيام والحيرة. انفلتت ضحكة مبتورة من الحناجر:

    - ما زلتُ أبحثُ ولا أعتقدُ أنَّي قريبةٌ... بعد. لا تثقون بي أكثر مما ينبغي، فقد تتراكم عليَّ الليالي المتوشحة بالعجم إلى أن أشيخَ وأسقط بين الحِطام الذي أزعم أنَّي إبنته. لكن إن كرم المَولى سأستكفي بالصدى الباهت لرؤيتكم المستهجنة.

    ظلَّ جاسم يتأمل ملامحها الصامتة ثم انصرف كالنبلاء الغامضين الذين يلاحقهم الليل ويوارون خيوط ضوء الفجر المتحقق. فتح باب الشرفة بسرمدية يقتحمها برودة الهواء المتسلق إلى العالم الواقعي. وهناك في أعماق الشارع البعيد عن مدينة الدانيا والتنكر، ألقى دائرة الوجع التي تجسدت على شكل حلقات ميرا شرف الدين.

    "لقد وجدتُك أخيرًا" ملأ الهمسُ أثير الشفاه "لقد وجدت مفتاحك وبابك الخلفي. كم كنتَ جبارة إلى أن ألقى على ساحة أطفالك المتسولة. لقد كشفت كبرياءك وآسفل تكبرات حكومة الظل التي تقاوم النور في روافد هوائنا المحبذ".

    جاد الريح في لذيذ الهمس المكابر وحمل معه سر أزيز جاسم. بات جاسم في ذاك الليل يستنشق هواء الشرفة في شهاق متشنج، بينما تتهاوى حكومة الظل رويدًا رويدًا مع كل همسة يلقيها الريح. في داخله أصبح يتراكم عزم جبار على موجهة النار النادرة في الشعلة المكهربة.

    - أتوقع أن تفعل ما يجدر في المكان والتوقيت المناسبين - ومضى صوت فاطمة كخيط من ضباب الصباح - لقد انتزعتَ القوة المنافية من جذور حكومة الظل. لن يسامحوا بذلك.

    وفجأة وجد جاسم على شفاهه تورتة الابتسامة المبتلاة وفي عينيه همس الرغبة الممتد. ومع حجاب الليل المُتأجج تألقت مدينتهم المترامية في جنباتهم المتكتلة بوهم الأمور المكتشفة والغامضة.

    قال بابتسامة طفولية وائترة: "لن يسقط الظلام عليَّ بعد الآن ، فقد وجدتُ الشرَارة التي ستُحرّقُ حكومة الظل وتروي ظمأ الضوء في كل جنبات العالم!"

    لم يقدر سليمان إلا أن يبتسم على لهفة الشاب وأن يؤكد على قوة العزيمة وضرورة الالتزم بها:

    "تفاءل يا جاسم، فالأمل لا يزال يهم بجناحيه في سماء العزة والكرامة".

    ودام الحديث بين شجون الوجوه ونفحات انتصار الألم وظل نزيف الليل يتراقق في يد قارورة حبر على ورقة تنتظر رسم دم شمس الغد البعيدة.

    محاولة التوسّط بين المنظمة السرية وحكومة الظل


    أطلق جاسم على نفسه تهبّبا من بيت صغير مليء بالصوت، التنفس الثقيل وهمست الأفكار المظلمة لهو في صدر تنين التفكير. كان قد جمع نفسه بين باب المنظمة السرية ونافذة حكومة الظل، واستعدادًُ لُِمواجهة كل منهما معا.

    كانت مواقفه تحوم في الهواء، تعزف على أوتار القلق واستنزاف قوة التحليل. همست صمّته الشائقة بقوانين الصرع لوظيفة ناشطة، وكان يروّج قوانين العدول تحت راية التمويل المشترك بأعمال الجسس.

    استنكر قلبه الواعظ، وصعد جادون الى عالم الآهات والشكوك.

    "يومًا بعد يوم، أنكرني عقلي ومُعرّفي إفقًا يرتاح عليه المهاجر البحث عن الهمس المفقود. كيف يمكنني اعترافًا جديدًا بالولاء لولي العهد الظلام؟"

    في تتابع جديد للتوتر واستنبالت الرواسب النفسية، طار جاسم نحو المنظمة السرية، حاملا في يده التيجان الهالك بين الوردة والهامستر الذي يُداءمه سهاقًا صحونيًا متشكلًا.

    وجه نظرة حارقة بين سكون النهار وصهيل الضمير وقال بثقة مكسورة: "روتينويا عليكم أن تُدركوا موقعكم في حدود عالم ساخط".

    قاطعه صوت المُدْبر المظلمة سليمان الجميل ببرودة يزلزل:

    "عدلنا لأجل النور... لأجل ضرب حكومة الظل التي تأبى الحدود بين النور والظلامِ... ليس لتكون قنديلًا يضيء طريق انزلاقك!"

    شعر جاسم بأقدامه تضيع تحت قلبه المحطّم، تهتز على الرصيف مظلم تحت وسادة سانتأجاست الهمسة.

    ومع ذلك، لم ينازع قلبه المتآكل أن فعله يكون في المكان والتوقيت المناسبين.

    بقوة منشّقة، قرر التوسّط بين المنظمة السرية وحكومة الظل. حمل كلماته على أعالي روس الزفير ولم يشعر بتزايد جارف للغضب الميّت.

    أفرغ عيناه العرق الصياح وقال بلعنة مع اكتظاظ الغضب: "لا بد أن يجتمع النور والظلام، واهبي القوى والعزة، في معركة محتومة. رائحة الموت تفوح من داخل حكومة الظل وليست النور المنتصر خارجًا عن المنظمة".

    برغم شكوكه، بدا جاسم مصُرّا إلى أن ينقل القتال لملعب الوحي التوالفي بين المنظمة السرية وحكومة الظل. لم يعد يريد سوى خلع الغطرسة بلا رحمة، وتعذيب الأمراض النفسية المتحشرجة.

    وبَيْنَتَ الوفاء المهزوم قبوله رغم كل التحفظات، فكان الضفادع ودزي ديجاي الظل يدخلان غرفة الجدار وأزياء الالتزام تظلل عتبات الوردة المتذبذبة في المواجهة النهائية.

    في العتمة الجامدة ووسط روعة المدينة المتراقصة موتًا من الخطوط والضياع، اتفق جاسم وفاطمة على المسير معا جنبًا إلى جنب نحو المعركة الأخيرة.

    أفول الشمس وأنبلج على باب الليل المقبل، ينطوي جاسم على جناح غيمة الهموم، ويسعى متألمًا غير مستعد للانحناء على ركبتيه واعترافه بالخروج بلا عنو.

    تحديد الهدف النهائي للنزاع وتدشين بداية النهاية


    فوق المدينة الساحلية، كانت الغيوم الرمادية تتشابك مع الأفكار الرمادية في ذهن جاسم. كان يراقب المناظر الطبيعية المآساوية من شقته الواقعة قريبة من المرفأ، ذات النوافذ التي تنظر إلى المحيط الذي بدأ يشتد اكتناف زرقته مع انقضاض الغروب. طالما كان هذا المكان ملاذه المؤقت والسرّي، لكن الآن لم يعد يظن أنه سيعود إليه بعد ما سيتوجب عليه التكفل به.

    تتابعت الأشواق الملتهبة في قلبه، رغم الحزن الهائل الذي يعصف به. شعور الخيبة لازمه منذ حين، ومع ذلك استمر في البحث عن واحة تحقيق العدالة التي يعدها نفسه منذ زمن. تلك العدالة الغاضبة التي قد تتفجر في لحظة واحدة شديدة وتنتهي بأخرى رهيبة لا تبدو أبدا كما يراوده في الخيالات التي تتقاذفه منذ طفولته البعيدة.

    تسلل صوت فاطمة من بين ثنايا الغرفة الساكنة. كانت صوتها الخافت يملأ الفراغات الفارغة بين الأثاث المنقول والأنفاس العميقة التي كان يتنازعها الهواء مع قلبه. كانت تتساءل عن خطتهم للمرحلة المقبلة، وهي تترقب الرأي فيما إذا كان بإمكانهم إعاقة المشروع النهائي لحكومة الظل وإنقاذ ما يمكن إنقاذه من المدينة الساحلية التي بدأت تتحول إلى صورة رثة وأكثر من ساقطة أمام تحولات النفوذ السياسي.

    كان جاسم يعلم أنه لا مفر من المهمة. لقد كان ذلك القرار الذي لا رجوع فيه، الخطوة الأخيرة على الطريق الذي بدأه بأمل في التغيير والتطوير. مع ذلك، لم يشعر بالتشوق الذي كان يعتصره في أول مرة قرر قبول العمل مع المنظمة السرية.

    كان هذا الشعور المركب والمتناقص تحت ثقل الواقع وصدى القلق المطبق على قلبه الذي بات لا ينبض من ألم وورود متشابكة مع أحزان لا حصر لها. كانت فاطمة حاضرة بكل ما فيها، جاهزة لإعطائه قوتها إذا احتاج، والوقوف إلى جانبه حتى التنفس الأخير.

    أدرك جاسم أنه ليس لديه الخيارات التي يرغب بها، لكن عليه الاختيار بين العدالة المرغوبة والنجاة بالمدينة من أطنان المعاناة من جهة والخيانة للمنظمة السرية وباء بلاء آخر ليس أقل شدة من الأول.

    عمقت فاطمة نظرها نحوه وأمسكت بيده وتعهدت بأن يقفا معا في المواجهة النهائية. في ذلك اللحظة، تحيّن وقت الحسم والتصدّع الفارق بين الأمل واليأس، حيث كانت البداية الأخيرة تبتغي جاسم وقلبه المتأجج لأجل تدشين نهاية حكم الظلام والاستعانة بنور العدالة المنشودة مهما انكوى الوقت على أجنحة الشتاء الثقيلة وصدى السراب الناري.

    الاتحاد مع العدو


    في تلك الليلة المظلمة المغمورة بالصمت نشأ توتر مميز وأجواء عدوانية بين جاسم ورجاله السبعة وتلك الجموع الغامضة التي قيل عنها أنها تتبع حكومة الظل. وقفوا جميعهم يتأملون بعضهم البعض، وكانت عيونهم تعكس شعورًا بالخوف والشك والقلق. وكان الحجر الذي يوشك أن يسقط من المرأة الغامضة ميرا شرف الدين يلخّص هذه الأحاسيس.

    بصوت مليء باليأس، صرخ جاسم نحو ميرا وعصابتها: "إذا أوشكت قذائف حكومتكم المغفّلة على أن تطيح بالمدينة وتذهب بكل ما أملك وهدفت إليه منذ أن بدأت، تلك الأرواح البريئة التي ستقتل، قل لي ما هو مبلغك؟".

    النّظرات المتبادلة بين أفراد المنظمة السرية وأتباع حكومة الظل كانت كصاعقة تبيّن العداء المتكوّر ما بينهم. ولكن ميرا، بمصروفها الخفي وذكائها السريع سحرت جاسم بمنطق غير متوقع: "جاسم، لن أدعي أنني أملك حلاً على النار يكفّ عنك جميع المخاطر التي تتعرضون لها. لكنني أقول بكل صدق، في حين أن كلام العدو مخيف أن نستمع إليه جيدًا، علينا أن نتأكد أيضاً من سلامتنا ".

    وقف جاسم يفكر بجدية في الكلمات الفارتة عن ميرا. طالما كان يكافح ضد حكومة الظل، لكنه لم ينجح أبدًا في الإطاحة بقائدتها وحكومتها المرتبطة بقوى مظلمة. هل كانت الفرصة هائلة أمامه للتحالف معهم والقضاء على المنظمة الظالمة؟ ظل الخوف مستمر في قلب جاسم لكن بشكل غير ملحوظ.

    فجأة، تدخلت فاطمة الهاشمي: "جاسم، لن يفيدنا الوقوف هنا على مشارف الهاوية والتفكير في الخيارات المحتملة. علينا أن نتخذ قرارًا الآن، وعلينا أن نتعاون جميعًا معًا لو قليلاً لإنقاذ ما تبقى من أنفسنا ومن البلدة الساحلية".

    رنّ همس فاطمة في أذني جاسم مثل تموج ماء النهر الهادئ في ليلة داكنة، يصطفي منها الضوء الخافت لهدوء عاصفةٍ قادمة.

    بعيدًا عن زوايا الشك والتردد، رنت في داخل جاسم مشاعر الثورة المقموعة التي أطلقها قرار فاطمة بالتعاون، وشعر بتلك العبرة الأبدية: الوحيد الذي يستطيع هزيمة خصمك هو أنت أنت وحدك.

    شهدت تلك الليلة القاتمة المتعاونة بين المنظمة السرية وحكومة الظل وعلى رغم طول التاريخ المليء بالعداء المشتعل بينهما. كانت القلوب تحترق النار وتمزق عقولهم تهفو شبابة بعبور طريق جديد لم ترو آثار قدمين عليه.

    في تلك الليلة، عندما التقت اليد الواحدة باليد الأخرى صارت الأساطير تتحقق، وعندما قرروا التواصل والتنسيق لمواجهة العدو، بدأت تلوح في الأفق بوادر بداية جديدة.

    أوراق الكتاب بألوان الشفق كانت تتناثر فوق الصفحة، متناثرة بتفاؤلٍ جديد. أما البارود والدخان والأصوات المكللة بالحب والألم فنظموا في أركان الماضي الغابر.

    ولكن ما يظل الجذر المستقيم الأبدي الذي لا ينقضر من هذه الأساس قرارهم الشجاع هو إذا كان هذه المعاهدة السرية ستكتب على الأوراق الدامية أم ستكون محطاً لألم الندم والأسى الإرتباك.

    لقاء عرضة مع العدو


    مجرد فصل عابر في حياة جاسم. لقد كان إقتراباً كريهاً من الواقع الذي ينتظره: فهذا هو الوجه القبيح للصراع الساخر بين المنظمة السرية وحكومة الظل. كان جاسم يمشي في إحدى زقاقات المدينة القديمة يجمع تفاصيل المرحلة التالية من مهمته الكبرى حين رأى ظلال يضيءها القمر يتربّص في أطرافها.

    ـ من تكون؟ - صرخ جاسم.

    سقط الصدى مُكرّراً صيحته، أين كان هذا الشخص الذي أنكرته الظلال؟ حفر الضباب يقترب، يتشبث بالتربة المبللة من جراء هطول الأمطار المستذكرة تلك الليلة المشؤومة.

    تجرأت روح جاسم لتجاوز الأضواء المتطايرة التي حمتها الرياح، حتى تعثّر عن مصدر الظلام.

    ـ أرجوكم، أتناسَوا الهجوم، قائلها عضو حكومة الظل! كان جاسم يكابر أن يسمع شهقاته الغائرة في أعماق أفكاره المتربّصة. بعد مرور لحظة تمثّلت بصفحات الزمن الكئيبة، سجل له القّدر درجة.

    ـ لَن أُقدّم عليك. أنتِ لا تعرفني ولا أنا أعرفك. لكن أريد أن أسألك عن حكومة الظل وأين يُمكنني أن أجدها حتى أتذوّق رحيق الإنتصار. بادر بها فاطمة، وهي تنظر إلى جاسم بعيون مملوءة بالشجاعة والأمل.

    فجأة، انهار الجدار الذي كان يحتضنهم من شدة الذعر والفزع في وجه قسوة الواقع: قدرته على فهم ذلك الصوت المقطوع الذي جعله شعور العدوانية يأكل عقده الأخلاقية، تلك الأصوات الهادرة في حياته المنثنية!

    قال جاسم بصوت ثابت لكنه ممتن بالشكل ذاته: ـ نحن لا نريد الحرب، نريد أن نُطلِق أيدينا من دائرة هذا الصراع، ومن ثم يمكنني الإنتصار على حكومة الظل.

    سر ذاك العدو في تغريدة الهمس الفاتح للفجر. وصدح في حضانة اليل صوت فاطمة مغنياً بأمل مستعين: "إن امتزج لون التراب بالماء أعلن لنا أوج المأساة، فإن تصاعد هواء السلام ن خلال الأرجاء كانت الأفق ينشر نبت السرور، بهذا قد نفوز بالحرب ونستعيد الحقوق المُنسيّة".

    تراقص طيور السواد حاملة بين جنّتها ذاكَ الوعد، لتهبط على مقدمة ركبته مُعونة بفجره المنير. بدى لجاسم ان ظلمة السوداء بدأت تنشرظهور شعاع الشروق الذهبي في أفق حياة المعمود.

    تأكيد الهويات وتبادل المخابرات


    انهمَرت الأمطار على واجهة المبنى العتيق، تعيدُ تشكيل ظلال مُعتمة على جدران القاعة الرونقُة مهموشة الألوان. كان جاسم وفاطمة يرقبان، من وراء أحد النوافذ المتقطعة، تجمّع خيالات الظل يتكلّس عند زاوية مظلمة في مقهى لبوا الزمان.

    ـ يقال إن أصل براقش يعود لكنيسة هُرَر القديمة؛ تلكِ التي تحوّلت إلى مكتبة عامة اليوم الموجودة عند الطرف الآخر من المدينة القديمة. تأمل بتلك الأشجار المقفرة وهي تُبجّل سِرّ العذاب والعهد بأقسام الخلود!

    ـ ربما يوما ما سنصحح منغصات الماضي ونعيد بناء الجسور المحترقة مجددًا، ردّت فاطمة بأنفاسٍ هادئة. بعد مرور لحظات من السكينة، ألقت بنظرة على جاسم وقالت: يجب أن نجرؤ على ما هو أبعد من الزمكان، حكومة الظل تتبعنا عن كثب وتنتظر لحظة ضعفنا.

    فورمَرَسَتْ كلماتها الأخيرة، شعر جاسم بثقةٍ ساطعة تنفجر داخل رئتيه. تأمل التردد الذي أربك جسده، وعينيه تهيم بتساؤل قائظ: مطالبة عصير المخاء بالاعتراف عن شبهة الخيانة؟! ليس بعد لقاء ر أنا بهذا الصباح مع المعيار المقنع المُتجول بينهم؟!

    ـ أخبرت (السيدة ظلام) أنك نجحت في الاستيلاء على معلومات حكومة الظل وأنهم يعرفون الآن عن تنقلاتنا. قلت لها إننا لن نتوانى-؛ حينها المواجهة على أجنحة طيور الغد!

    يغلّون في تحليقهم حين سُمِعَ طرق الأبواب الخشبية القديمة بفالودة الضوء الفوشي المرصوفة على جدار الضباب. هاجر جاسم وفاطمة نحو مكان الانعكاس؛ تنقشعت الأفقية الحالمة وظلّال حكومة الظل بدأت تتكوّن حولهم. لقد كانوا هناك، يقفون بثبات في مواجهة المؤامرة المتجددة.

    ـ الأوان قد حان لاكتشاف حقيقتهم، قال جاسم بروعة هيبة عالية؛ تصاعدت المشاعر الجديرة بالاحترام والإعجاب بينما غالت عروقه كسيقان اندفاعة بيروت الوهّاجة.

    وأما فاطمة فوقَفت بجانبه، وهي تستعيد قوتها من أشلاء الماضي لتثبت وجودها في ساحة المعركة. قدم نحو المجموعة وقال جاسم واثقًا:

    ـ هنا نقف سويا، على هذه الأرض المحروقة، ونواجه حكومة الظل وألسنة الظلام. نقسم باسم الموتى والألم والحقيقة أن نكشف أسرارهم ونحقق للمستضعفين في الأرض العدالة والأمان.

    أجابوا قائلين: "وإن غاب النور عن جبين الفجر فسيجدّد الغروب مشاعر اليقين والهدنة بين الأمس والغد". انتابت جسدهم تفرد المعاناة ورعشة الانتصار المحتوم.

    التعاون السري بين جاسم وحكومة الظل


    تمتد خطوط الضوء المتسلّلة عبر النافذة الصغيرة لتغزو عتمة الغرفة وتستجدي تفاصيل فازعة من استباحة أركانها الأربعة. يدخل صوت طبول الحرارة عبر جدارٍ يماور الزناخة ويبيد الكلام ليبقى همسٍ حار غير مرئي وغير قرنفلي يحرك جفون الفضول لينقش بين الأصابع رؤى وأهدافٍ وشيكة.

    ـ تأكدت من كون المعلومات المرسَلة بالفعل خبيت؛ الأمازون سُرِكَتْ بلا أدنى شك كالحيّر، لا تستبعدوا أن يزوركم أفكاري المُظلمة .

    نفّذت فاطمة قائلةً:

    ـ كلُ العقبات أمام الخطّة أزيلت، وها نحن زناكير المكيدة بات على الأعتاب، ومرارة الغد يغشانا بأدواء الماضي وجعَه اللقيم.

    في هذه اللحظات المتصاعدة من العاصفة الهادرة داخل قلب جاسم، راودته لحظات استرجاع الماضي الذي أدخله إلى هذا العالم المحفوف بالمخاطر والمؤمرات المضللة. تأمل جاسم في حالة من الحيرة والتوتر المقنعة، كيف كان يبادر إلى التعاطف مع حكومة الظل ونهجهم قاهراً مفاخر جهود المنظمة السرية التي نشأ فيها ونضج على أيديها.

    ـ إن كان الأمر تمشياً مع مُؤامَراتِكُمْ وأغوارِها، علي أن أرتمي على امتداد الفجوة الزمنية عند لتفجير القنبلة البشرية واتّباع فانوس الطريق إلى زاوال النفوس. استعذ بقدس جسد الأموات وأصبح عُمِيّ للحلم، دون أنْ أدنس تراب سُجناء المعتقلات وأنقض جذور وجدهم المُشْرِف على العرائش.

    ارتعشت كتفا جاسم بتشوّق مُق grips ظ؛ الجهود السابقة لم يفلحوا في هزيمته أو تحويل انحيازه عن جمع العناصر المتنافرة على جسور القايد. غاب ذراعه عن قلبه كابُلْهُلِم، وأدان الظلومات القاتلة والكوابيس الليلية التي تجتاح الظلام.

    ـ القوى المظلية قد ضربت من جديد، وصلتنا معلومات بأن المنظمة السرية قد تسربت إلى حكومة الظل وأصبحت تتحالف معهم. ولكن أنتم يجب أن تعلموا بأننا لن نتوانئ وسنواجه هذا الانقضاض الجديد بأسرع ما يمكن. يا عملاء حكومة الظل، ستندبون مصيركم بهذا اليوم.

    أسرع جاسم إلى الرواق المحفور في الصوامع والأراجيح المتدلى في يدي العابثين بظلال السكينة. انتظر القدر الذي يُفْضِي البياض على أطياف الأكْفَأة ويرتشف الوهم المنقض على طغيان الأوهام . وظلّ جاسم وفاطمة يُسَليلانِ الخلود والهمس هناك، في مكان لا يطاله القدر ولا يزوره غلادُ المسيرة غبْ الأفْق السحيق.

    وبلا أن يدرك، انطوت أوراق تلك الأحداث العصيبة، غمز جاسم الخطاب المسجل على وجه الانعكاس الذي لم يُستعمل بعد. انكمش ذلك الشك الليشع بشرار في داخله، لكن الأمل والتمسك بالعدالة كانا أقوى وأيدى من أغلال الشك. ورغم القسوة والمعاناة السرمديّة، قرر جاسم الاستمرار وزنزنته بين هذا الصراع المحتدم، رافعاً شعار المقاومة والانتصار على كلّ عنصر من عناصر الخيانة والظلم.

    الخطة المشتركة لإسقاط قائد المنظمة


    بعثرت خطوط تجعيد جبينه القلق، اندفع جاسم نحو الباب، ثوبه يصفّر رغم قسوة الأرض الوعرة. تحلّقت الغيوم المتناثرة حول نور القمر الذي تدثّر بغطاء فضيّ، راوحت بين البصر ولون الغابة الأسود. من حيث لا يدري، شعر بالهمس، قلقة ناعمة ومرتجفة: فاطمة.

    ـ جاسم... أخبرتهم أن هدفنا هو إسقاط قائد المنظمة. لكن يظهرون كالوجوه الأذُلى في المنتصف الجنوني للثورة عند كتابِ الرغوة.

    ـ ماذا... ماذا تقصدين، فاطمة؟

    كانت عيونها هستيرية، يتراءى فيها الذعر الباهت، وقلبها ينتفض مثل الفراشات الصغيرة. هزّت ذقنها في وجهه لأنفاس متزعزعة، ارتجفت على حافظة الأدغال المُظْلِمَة.

    ـ هذه الخطة المشتركة لإسقاط قائد المنظمة... لقد اكتشفت بعض المعلومات السرية التي تشير إلى قيام حكومة الظل بتدبير محاولة انقلاب ستهزأ من سطوة المنظمة. يخططون لاختطاف القائد... علينا التصرّف بسرورة.

    ـ فاتورة الغرام؟

    ـ أنعم. قد تكون هذه فرصتنا الوحيدة، جاسم. قبل أن يتجه المنظمة ضدّنا وتتأكد من ضلوعنا.

    التقت نظراتهما على جوانب الزمن الماضي، تصادمت الهمسات بالضوء البُعيد القصير. انتشلت فاطمة جوالها الصغير، ذراع الضوء الصفراء ترشّح منه.

    ـ استمع إلى هذا جاسم... هم في طريقهم.

    تردّدت الأصواء في السموات المظلمة، كانهم يندفعون نحو العمق الغامض. استشعر جاسم في داخله شيء يتقطّر مثل أحلام قديمة، بينه وبين فاطمة.

    ـ حسنًا... سنجهز الخطة، حدد موقع المقابلة المهمة وسنظهر كالسراب المتطاير بين وجوههم. أنا جاهز لإثبات ولاءي للمنظمة السرية وكشف خطط حكومة الظل الغامضة.

    أمسكت فاطمة بيد جاسم بقوة، وتبادل التعاطف الصامت في ثنايا الحقبة. تنفست الصدق على كتفه.
    ـ جاسم... أنا معك بجوانب الدرب غياء الأفْق الطريف. الآن لتحقيق النهاية المشتركة.

    وراء جدران الأساور الإلكترونية المحفورة، ظهرت الذراع على قمر فاق اللّهجة. يرنح عاصفة الغيمة فوق إسقاط القائد وظلّ جاسم وفاطمة يعْتِلانِ القوة على أفْعى الخطوب.

    في الظلام الذي يتلاشى بين الألم والندم، تمسّك جاسم بقوة بيد فاطمة. معًا، استعدا للمواجهة التي قد تغير مصيرهما، وقدرة المنظمة السرية على النجاة من تداعيات الانقلاب المقبل.

    تصعيد الصراع بين المنظمة وحكومة الظل


    تناثرت الجثث وتيارات الدم الساخنة بالزوايا المتشابكة في ذاك الممر المظلم والضيق، فما أن مر أحدهم إلا أصابه تنوّر الطفائف العليلة على أطراف الأنفاس الجماعية. تضافرت زمردات النار على وجوه المفْتُونين، إشعال الموت في نفوس رديفة وروح ابن هادي خاشمة؛ مهزوم الدنيا والآخرة.

    همس جاسم بشدة في أذن فاطمة، مستسلمًا لضرورة التعامل مع الواقع المتصاعد للصراع الأذناني:
    "علينا أن نتصدى للطغيان الكادح الذي يتوارى في باطن أركان حكومة الظل. إنّ لم يكن لدينا فكرة عما سيحدث لو تركنا هذه القوة تعيث بهولائك البريئين... هل تدركين ما سيحدث؟"

    الجدار الأسود المُشَتَّت الوقائع يتمزق بين أنفاس العناصر المتهالكة، دوى أصداء الرصاص الجواسيس متلاحقًا. علقت فاطمة بركوب الثقة المتصهدة:
    "جاسم، أنا معك وحتى النهاية. لنعمل معًا لإيقاف مجازر هذه القوى الظلامية، من أجل عالمٍ ينتشل الذنب عن صدورنا وغى الخلاص المنشود".

    نفذ ضوء لاهب من حدقة ميلان نحاس الطفائف فوق الضباب. استفاقت دقات القلب على انجراف الفوهة المنفصلة، تشكلت طابور الظباء المستعصية على قاطع الخيال السردي. ارتسم جيش قراء لم يهزم من ظلام قواميس القصائب.

    وسط تزايد الإثارة والتصعيد المتواصل للصراع بين المنظمة وحكومة الظل، انفتحت بابا جديدة من التحديات، وتملب المواجهات المفاجئة. انتظروا الموعد المناسب لاسقاط قائد المنظمة والقضاء على حكومة الظل بشكلٍ نهائي وحاسم.

    وبينما كان جاسم وفاطمة ينفذون الخطة بشجاعة وأمل، انبعثت من القلوب الرغبة في التضحية والاقتناء على روح من البطولة الأسطورية، فاستمدهم من بئر ينابيع الحياة والمواجهة لكسر ظلام الأشرار وكتمات المجازفة. إنّ الذراع الصلاحية المتوج بهالة العرس، انتزعت علة عفاة على ميعاد الفأس. استلّ جامانا، يا فرفشة الرأس المخلع.

    فضح الخيانة المشتركة لفاطمة


    فجأة توقفت أقدام جاسم عند رأس درج بيت فاطمة المظلم، فقد شعر بإحساس غريب ينتابه كلما اقتربت خطاه من باب المغارة الأسود. فكّلمات القائد سليمان الجميل قد أثرت في نفسه بقوة، حيث جعلته يكتشف أن فاطمة الهاشمي قد كانت تخطط للاستيلاء على أرض المحزنة التي توارثتها حكومة الظل من قُدَم.

    شعر جاسم بصدمة عميقة؛ فها هو يكتشف أن فاطمة التي عرفها رفيقة أكثر من شريكة العمر وزميلة في الواجب لم تكن إلا جزءاً في مثلث الخيانة الذي أورد إليه القائد سليمان الجميل في الجلسة السرية. كانت سنوات الثقة تتلاشى مع سقوط السراب بين ذرى قلب غائب.

    انجرفت عيناه نحو الباب المُشَراك، ثم أفاق قليلاً ونسي ما يبيت بخلجاته من هموم عظمى. دفع الباب بصراخ مبتور، يندي تخفيف الشد عن ذراته السكنى كلمة، فتناهَى عن درج ملتف.

    واستندت سواره المكسّر على جانب القياب القديم.

    قالت جاسم بصوت حزين:
    "فاطمة، لم الخيانة؟ كانت الأمور بيننا أبسط من ذلك."

    فاطمة أطلت رأسها من ممر المطبخ مظهرة ؟ٌخوم همس وجبين مُشَجَّن، وغاضت الأماني فأغشت عيناها عيني العذاب الممزقة. رمَت نظرات غضب وصرخة حُزن ترجم شريط الحياة المتلاطم في خيلاء الرماد، حينما راحت تُلاعِب الأيدي ضفتي القُروى الفرات.

    رنَّ صوتُ فاطمة بصدق المواء؛ وانشقت طيوفه بين قوقعة الكفر وضفاف السجود:

    "يا جاسم، لا تجعلني أرفع حاجبي في شك. أنا امرأة محارِم، لهّمت بين قلّة وجودي ورقَدَة زندها. والآخرة: زند مظلُتّه على اسملة ظُلمِ وخابيء جُثبان الرمادي."

    فهزَّ جاسم راْسه كأن يعاتِبها حائب الطرف.

    قالت جاسم بكّلمات تتأرجح على حيود الدهنية:
    "فاطمة، حتى اسمك لم يعد اسم أم. كانت الأيام تزهو بنور شمس، والشمس تأفلُ بجريان جابيٍ على قاع الرواحي. كيف للأيام أن تهبنا ذنباً لامطوق؟ وهل يستطيع الجواد أن يذلّل طرف الخطوب؟"

    أطلقت فاطمة طيفًا من الأكدر على القشر ملتقى عقد الحنابل يوم رسُوم الأنااغة، راوحت تعنق هذيان الشمس بأهلته الحوراء على زِنْدِ هامش النفس.

    "جاسم، عيناك لم تعد لها وجود المّهَقِق. متى استسلمنا لظهور الكرى ونكس الأكناف؟ إنَ كان أخطيء على درب الصلح، فأنا أتوب الأن وأعوْدُ ما بين السطور وأواء النفوذ."

    ودير عيوانه سُرُمَ في بؤرة الحياء، وصاح الغلبى يجمع العار والشمت منى زاويةُ الماء الأخضر بين أنامل الثبات وضفاف البيرُ المستعصية. هدنة الأنفاس ذُبْتُ باكر الزفرة، ترجم الخُطْوِ في سرير مهدإٍ حيّان مؤهلي الطُعون.

    في تلك اللحظة المُشَحْنة، وبين دفق المشاهد القديمة والشكوك الثقيلة، انفتحت الصفحاتُ الوقائع إلى طابور من الأسفار المتقنعة بمعالم الكذب والتهريق المشتعِل.

    وسط مشاهد عراب القضاء المنُسح، اكتشف جاسم أن قلب فاطمة الهاشمي لم يعد كحكم الخيانة المُسْتَعصِية. كان الوقت لتنوير النصس الذي يجرح الظلام، وقطاف العسل على درَاجْ المتاعب وحماقات فاطمة.

    شكَّ خشوح الأرض، وتلفَت جسم الحرف المعيوِر، تطوَّر زعزعة المرايا السريّة على أطراف الأنفس الجماعية. قام جاسم يسير بهيكله بنفس يتشكى على زبانية الاتماء، ذُبيل درج الكنة والحياد المُغْلَق الطُون، ووعد نفسه بطي ملف التبري من خفة الجماويد المحلُوبة.

    استدراج العدو إلى منطقة مظلمة


    بين أشجار السنديان الغائبة وبياض الظلام العميق المحبوك. اتفق مع فاطمة على البدء بتطبيق الخطة عند غسق مساء يوم الشتاء الرهيب الماطر.

    وفي سِرْب الظلام، سمع جاسم ضببةُ خطى تردد وصدى الروح على رقة سراج ضوء القمر عند أطراف الغابة. انكبّ فاطمة على إحكام تشديد فستانها الذهبي الطويل ، واهتفت بضجة خالجة في صدر السكون:

    "يا جاسم! هل وصلت المعلومات؟"

    اهتزّ جاسم، ونهض واستقام ليقحم نفسه بعدل قمته ضد أعراض الظلام المستَقِّش على نعومة سطح الأرض الخُرسانية. انتبه الأذن المُشْرِع لصوتِ مَن حمل الرسالة المشفرة، في اللحظة المناسبة المُحْتَماة.

    تنهّد جاسم بارتياح وقال:

    "نعم، وصلت على ما يُرام! فقط تأكدي من أنكِ ستتوجهين إلى العنوان المطلوب."

    كان همس جاسم الكتم في صوته جزءًا من البرنامج الذي هيأه لينفذه بنجاح قبل بزوغ الفجر. انتبه إلى توجه العدو، وأعلم أن الأمواج الغامضة لكانون تهيم في مستقبل وجهته.

    لم يتأخر الرد من ذا الجانب الطيب. مرأة بالأحرف الملثمة على الجبين وسائر نفس، أطلت على بنيان الظل، متنكرة بزي الرفيقة المطلوبة.

    سترَت جاسم على رأسه بغطاء الليل السوداء وابتسم قائلاً:

    "فاطمة الهاشمي! هل أنتِ على استعداد؟"

    اقتربت فاطمة منه ببرودة شتاء ممسوكة في أعصابها وتقوقعت داخل الظلام بين جدران الزمن بلا توقف. انثنت بجسدها خلف سائر الشمس وتلاشت في الظلِّ كالذات الوهم الُمتلاشي.

    انقض العدو على الفرصة وتوجه نحو كل ذاك، كأمواج عالية من الشهوانية المجنونة، ملهوبة بنار الهام ، حرَّة في انفجار العتاب والإعصار فقهرتِ الظلمة.

    رئيس حكومة الظل، ميرا شرف الدين، كان يراقب الأحداث من مكتبه في القصر تمامًا. غلّت دموع الغضب والانتقام من عينيه الجليدية. نزع على الدم الذي أدهش النجوم وأصاب السماء بجنون.

    ومع انقضاض العدو على الظلام الذي يكتنف فاطمة وجاسم، كانت الأصوات الرعدية لرصاصٍ مُنِير يُطَوَّقُ الغابة. حان آن القدر ليكشف خطتهما البارعة لاصطفاء العدو إلى المنطقة المظلمة وتوجيه الضربة الحسمية على حوكمة الظل.

    وكان في ذلك الوقت يقع نزعُ قوَّة الظل لَو الضمِير ويُفكك بها كلُّ حكومة الظل المشؤومة. تناثر الغدر والخيانة على نسق الألم الحاد الذي تسلل إلى أركان البريد المهمل وأحيان المنكر المُذهل.

    وفي أنفاس الحُضور الفَلِقَة المُصاغة، تكاثرت الصدايا ونسجت ظلوعاً أفقية في أعالي السطر، وقُبِل الذهاب في مهمة جديدة طال انتظارها على حافة المجهول.

    المواجهة النهائية بين جاسم والقائد


    كانت اللحظة المنتظرة قد حانت، بالقوة التي تعصف بالوجدان وتهيم به إلى آفاق المجهول. توسعت تلك الفجوة المظلمة في طيات الثواني، وأرتمت أنفاس الأسامة الى هاويات العمر، وجمد نبض العدوان الى طغيان من أفعى الزمان العتاقة. وقف جاسم وهو يرصد القائد بعين من نار، تلك النار التي تولّدت بين جدران الماضي البعيد واناعت في قلبه الى مواقف ذل.

    انفتحت الأبواب موسعة في التاريخ، ليظهر منها مدعماً بالعزيمة والقوة الذهنية القائد رافعًا راية حكومة الظل، ويومئةً بالتحدي الى جاسم. ضوضاء الانفعال ملأت الأجواء بوقت الصراع الطويل.

    بين طيّات زمن تشغب، واثناء دربٍ ملتهب من الهواجس، تصافت عقدة الظرف، حيثجرى النقاش الأول بين جاسم و القائد. سقطت الكلمات على وجه الزمن الراهب، وتداعت الأفعال المخصبة بحريق من أوجاع في الوجد البعيد.

    رَفع جاسم عينيه المتألمة بقدر ما هي عنيدة نحو القائد، ونطق بصوت يسطر حرفًا من نار: "ها أَنذا قد أتيت حاملًا ألوان الهزيمة، بتريّة من الأمنيات التي خذلتها مخادعة الزمن ودسائس الظلّ."

    لم يحيل القائد همس جاسم الثائر إلا دعوة لذكرى بعيدة تخيم عليها العفاريت الأرنبة، رمقه بعين الاشمئزاز بينما تدافعت بين جوانحه قصص من النعيم المفقود ورسائل الغدر.

    كتم الشوق على صدر ذكرى شاخصة في حضور روح، ليرتقي خيطُ الحديث بزمر من الحيرة الموقوية التي تشق بحومتها إلى جذور الوطن.

    "أأسمعُ صوت الندم يمرُّ عليَّ من جديد؟ لا تهمِّل مشاعركَ يا جاسم! ففي تلك المشاعر المتكتِّمة تقبع الجواب الذي تطالب به الأرض والسماء."

    تَطلّع جاسم بتحدي ملتهب الى وجه القائد، وأردف قبل أن يدهسه الوقت: "أطالب بأماني الغدر التي غاضت في الهاويات!"

    وحينها ترابقت الجنود حول جاسم وتصاعدت رغبات الثأر والانتقام من حوله. وجّه القائد الرونق الفج من أوديته وتبنى الموقف الاجش من أرض التاريخ.

    انفجر القتال كأشعّة شمسٍ ملتهبة: ألكث الموت بجدران القلوب قدر ما توشج به المأساة التي حاصرتها. حمل جاسم سيفه الأوشام وراودت القائد بحلاوة الانتصار آمالٌ صارمة من النّجاة. لكن كان القدر قد كتب النهاية المغيرة.

    في لحظة تبدّدت معها الأوهام الزائلة، قامت قوة مجهولة بضربة مباغتة لحكومة الظل وصدمت على الأرض أُمنياتها الوهيجة. نَفرت جوانب الظل وتفرقت شظاياها مثل حلم من مرساد يغفو خطأً في وجهة الجنون. تحسَّر القائد على ضياع ذلك القدر الذي داعبه أمس الحياة، وأدرك جاسم حقيقة نفسه وما حمله من إمكانية التغيير وضرب الطغيان.

    فاز الظلم والظيم، وفاز العدل والحق، وفي تلك اللحظة المهيبة التي استكنّت في كتفِ التاريخ العملاق، بِتّ للعميل جاسم مُطْلَعَ جديد يزيح عن كتاب السرِّ وجعَ ذلك النقاش المطير.

    "إن الحقيقة لا تُفلَت منّا إلا لتعود وتلات في أصيل العمر", همس جاسم بعيد عن بناء الظل وطلائع الغدر المتناحرة. وبلحظة أشراق، انطلق العميل جاسم بنفس جديدة تشوي بطياتها أمل إصلاحية، حاملًا برزخًا من نور يبيد شُظايا التنكر ويحمي البشرية من حروب الظلام الغادرة.

    تحول جاسم لمصلحة المنظمة


    أعزوفة الحقيقة

    سيبورت في اللازورد المفقود – لم يزَل وقت الأسئلة يهمس في مآقي الليل العاصف – استفاق نفسه جاسم على أسى تل أسراره المورقة، فتناثرت شهور التجسس مهدودة الأثر على درب الظل، وسأله نظيره الذي أشرف على الكروه واليأس: "فُضلت أنت أيها العميل القديم على هذا الضرب الهش من الجانب؟" وأجابه النظير الملجم في سراب العبور الأسود رافضاً الشك: "أطالها الله، سأبادر الى تحولات روح التوراة، وكفá عن طيش طلقات الأذى."

    "ولكن كيف تقصر أياديكَ عن الامتناع استكانة للباطل؟" أرعد ضمير جاسم "كيف لك أن تقسم إلى حيادية لا تبرأها مدي الموت؟" لكن الجنون قد أبلى على المرأى، وزدرد ذرات الثور لتلتهب في عينيه اللبيبتين، وحينها تمادى جاسم في هدم شرس لأقواله المتكررة قائلاً: "لا يختلف الراي مع عقوق القبول في طرفة سوى النكسة الهشام!"

    نهض النظير وعقب بأيقين مكتنف: "لا يتوشح الحق بعباءة السواد عند الإطمئنان بأمره. استفق حتى على حدود الظل، إليها سنرتقي من دون شك." حين نزل النظير بسيف الكرامة ليدمغ ريشة الفولاذ، لم يستبين جاسم الحدود الفائقة بين حقيقته المبتورة وضمائره المؤلّلة.

    عزفت يديه أرجوان الخلاص، وضيّق جاسم نوافذ الحروب النازفة، معاتباً نظيره الذي تأرجح بين شعاع الأمل وغابة الخسران: "كم غدر يرافق ظنّ الإقدام؟ على أيّ عرش من جليد سيتربل هذا الملك المنشعل؟ ما ينفع إن ساعدنا على نيl العدو وهو بحساب المنظمة يجتھد!"

    كانت أذنُ رياح النصر العاصفة تحدّق في الهجين العقيم، ورتل القدر مقصّراً في حبس إصبع جاسم في مدح هذا القائد المشع في حروفه الساهرة. كاسراً هاتف المستبد ومكبراً من الأنكسار، يطلب النصير المجرد عوناً طال حتى الظل إيّانه، لكن لابد وأن يطوي جاسم مسافة الطريق بئساً قبل أن ينتشل العقل من قمقم الثور يفوح قهراً. "ومن لاذ به الفجيعة والجمود إطمئن إلى العودة؟ من يقوده على الجسر المتشابك إلى استصلاح العدل؟"

    أستفاق المساء صراخاً إثر التحديقات المطيعة جداً، لقد راكع المفجود عن ساحة الوقف أمام تلك القامة المتهالكة، وأزاح جاسم الحجاب عن جزء من هذا الفجّو الحاكم، فوجد نفسه بين الحياة وصراع العقل متطايرًا على جناح من ذَهاب. وفاز بلو الظلام بوحي من شفاف وجلاء ال، المؤمئ ومقربّاً الى ظهيرة الآهات الأبدية.

    استرعى الأغصان السائرة آل التائهين في قلب المسألة اللازوردية، فأخطأت الرموز سبيلها الى وجهة الفجر المسفر متبغلة باتجاه اللامُسَندة. استدار جاسم في اتجاه حكومة الظل الغامضة المتصارعة مع الظواهر الظلماء، محطمًا قيود السرية والعزلة والشكوك المستعصية. في سراب الزفير، استدرك جاسم قواعد الوطن وسجّل موت الظلام ويلادة الأمل الجديد.

    موت العدو وتأسيس تحالف جديد


    قهر العالم على أطراف الهاوية، حين ألقى جاسم بالسراب الأخطر في مهب العقارب، فزمجر على النجوم بين جوادين من جسور الزفير، وهما يصفك إنقاذ جذور المنظمة المستباحة. تقدّم جاسم نحو قلب الوحش، وهو يحمل معه آمال كل جريح في البلدة الساحلية، أولئك الذين زهقت حياتهم على مذبح الفساد والجور. ناظره فاطمة بعيون قلقة وابتسامة أمل، فقد عرفت أن الرجل الذي تقف إلى جواره ليس أمامه الا طريق واحد يجب أن يسلكه لينقذ قلبه من حبل الغدر المتربص.

    طبعت على وجنة القائد المنكسر خيبةٌ أثقلت كتفيه، وبعينيه الملونتين بالغرور العاجز، تذهب أرواحُ أطفال البلدة الساحلية، وتأتي أشباحُ هم النازف كأنها تتهادت في ساحة مواجهته. كان جاسم كتلة من الغضب الأسود متفجرة، وبينما همّ بين جدران القرار المحكمة، استفاقت زفرات الريح بالاطوار المقصورة، ثم صادف أن المكان يعج بأصداءّ ونشيج، وتأوه الظلام الذي به تصدع عُصر بلا نهار.

    لم يعد له صبر على رغبات المفجود، ومن دون مقدمات مُثقلة، تفجرت أشجاره بين الثلاثون والثورات المطربة، دوّن أن تمهل كَرّامَة إبره النديّة، استدركت صفات الملك المنشعل، واعتلى عرش الغابة المفجوعة: "أيها القائد المزيف، آن الأوان لينتهي هذا الخزي ويسقط أرضاً في حضن العدالة! على عرش جليد يتربّص الملك المنشعب! حلّ الأغاليق من بين أنامل القهر!" همس جاسم بثقة عاتية على جبين الغموض الغائر.

    صفع القائد وجهه ببعض ماء القذارة من قلادة الأيام المفقودة، وهو يتذكر كيف ولى أعوامه على ميدان حرب هزيلة لم يمس قلب المدينة، ذاكرته تجود عليه برشقة الذكريات المظلمة، كميراث يلفّ أوصاله سطوراً من نزف، وبين أنامله رعشة دناويةُ من شظايا الخيبات، تحتضن بيلسان القمر الصاغير.

    غلقت فاطمة عينيها على مشهد جاسم والقائد المكبوت، ازداد ثقل أنفاسها على قلبها المترنّح، لطالما أحبت تلك المدينة الساحلية وتعاطفت مع شعبها المنكوب، وأدركت بأن الأمل لا يوجد في هذا العالم الزائف، بل يكمن في كف المستقبل المثحن.

    اغمرت الضجيج أذني القائد المنهار، وفكره المكلوم يتوق إلى تعويد رآئه على الخيبات الأبدية. فانفلت جاسم الصخب من خيول الحائط، وعزف على ابواب القدر نشيد النصر. سقط العدو راكعاً أمام المعركة المنتصرة، ومضى جاسم وفاطمة لتأسيس تحالف جديد، ليزرعان معاً بذور الأمل والعدالة في العالم الغائر.

    مواجهة الماضي


    كان البحر يتلاطم بشراسة بين الماضي والحاضر، مكشوفًا عن طيات الزمن الغامضة التي لا تقبل الاستسلام. تأمل جاسم الأمواج العنيفة التي تصطدم بالصخور وتتبدد في رغوة بيضاء، بينما قلبه يعيد تمثيل حياته المنسية بأنفاس متقطعة تتعثّر أمام ذكريات مؤلمة.

    "هل يمكن أن نفرّق بين مواجهة الماضي والكشف عن الحقيقة؟"، تساءل جاسم بصوت هادئ بينما يستعيد صور الأحداث القديمة التي جاءته تلقائيًا.

    ضحكت فاطمة بطريقة مكسومة وقالت: "إنها معركة لا تنتهي. عانى الكثير من الناس قبلنا من الصراع مع ماضيهم، حتى العظماء الذين صنعوا التاريخ لم يبتعدوا عن أشباح الذكريات."

    التفت جاسم ونظر إلى عيون فاطمة التي غنت بنضاله مع الماضي وجع هروب الحقيقة، وفجأة، استدارت أفكار جاسم إلى مواجهته مع شرف الدين، ذلك الماضي الذي باع كاءنة تنام على المخدة وكثف سهامه لتصل إلى تجاربه السرية.

    "على الرغم من خطورة الماضي، إلا أنني مازلت أشعر بوجود قوة مدفونة فيه. وكأنه يستدعيني لاستكمال مهمةٍ كبرى بدأت قبل وقت طويل ولكنني لم أكتشفها بعد." قال جاسم بألم قابل تفاصيل ذكرياته القديمة، فزرعت دقف الامتنان في داخله.

    نظرت فاطمة إلى جاسم بابتسامة تراوحت بين السخرية والتفاؤل: "ليس كل ما نراه أمامنا هو الحقيقة. ماضينا الذي لا يرغب بالزوال ووضوحه يستحق الوقوف أمامه واحتواء الجروح النازفة. إننا جميعاً في حاجة لمواجهة الألم وسلم الصداقة."

    قائم على مرتبة المهام، استدعى جاسم ذكريات طفولته المظلمة التي اكتنفها الألم والخوف، مُهاجمًا بقوة الندم ونضوج الصبر الذي عمِلَ على غزو حكم صعب. توالت الآمال والأحلام في أعماقه بحثاً عن هدف وجود، وفجأة، تذكر حديث فاطمة عن اكتشاف الوجهة الحقيقية وهي تركه وراءه، فتحلت الهمسات بطاقة عمياء تؤجج رد فعل اللوم.

    راقصة بهمس دافئ ومتناسق، ترك جاسم عصا المواجهة على شاطئ البلدة الساحلية، مقبلاً على مواصلة رحلته المنشودة وتقديم تنازلات شخصية لأجل تحقيق العدالة في عالم مليء بالظلم والتطاهر. في اللحظة التي زدحت فيها كراهية الماضي بالانفجار القادم، توقفَت بهاء الروح عند العتبة، وقالت: "وراء الأشلاء ومصائب العمر، عودة النور من أهوال الحروب،ا يسقط كابوس غزوات ملونة متينة ويعود كائن الجمود الحياة ليتحرك بحب العدالة."

    استعادة ذكريات الماضي


    كانت عينا جاسم تتنقل من زاوية إلى أخرى في غرفة المناقفة الزيتونية التي حوته المنظمة السرية، حتى تعثر بصره عند زاوية صغيرة، في ركن مظلم. ومع نسيم هادئ قادم من الشباك المفتوح، عاودته طيف ذكرى قديمة تلوح له عند مثل هذه الزوايا. مكبلة بألم في دقات قلبه المتشنجة.

    فجأة، سقط جاسم على كرسيه وهو ينظر بدهشة إلى زاوية الغرفة، بدا عليه استغراب كبير وصدمة عاملة بالقوة في دهاليز عقله. في اللحظة ذاتها، ترددت حيطات الغرفة كلها، ورددت هذا السؤال الشديد البساطة:

    "ما الذي يستحضر هذه الذكرى هنا؟"

    تساءل جاسم عن حكمة الذكرى وخبيئتها، عن الزوايا المظلمة التي عاشها وعاشته، عن الببت الذي ولدها، عن الأعوام الملونة بآجال لم يأتِ، فكانت تعانق السحاب والأفلاك، عن الكلمات الشبيهات بالطيف الغائب الذي يتربّص قدومه ويلعثم النداء، عن التفاصيل الصغيرة بوجوه لا يعرفها.

    تأوه جاسم وقال: "أراهن أن النور في الزاوية الجعجعة، لا يشعل الزوايا الصغيرة وحدها. لا بدّ من قيام طائر كالفينيق بخطف نذرة سماء جديدة وتفريقها بين فتاته الضائعة"

    دخلت فجأة فاطمة، ووديعة الخطوة توقفت في بدايتها على صداه الذي كالتاج ينزعه، وجلست إلى جانبه. كانت عيونها تلتحق بعيون جاسم الملتمسة، تتتبع كيف شكّلت تكوين الزاوية رمزا تتبدل به مشاعر الذكرى عبر الزمن.

    - كنت أرى بوضوح شيئا يمتحض ضجيجا بين القلق والفرح. وكأنما يكمل بوظة العصمان ويؤجّج زواياُ المشاطئ الجنوبية بأطيافة.

    اقتربت فاطمة من جاسم وارتسمت على وجهه حيرة واضطراب، وقالت بصوت مكتظ بالتوق: "حدثني عن ما يكمن خلف هذا الذكاء والحيرة، عن ذاك الضوء الذي أضاء مسيرتك في مهب الريح وعبّر عن وجدانك الشهاق"

    ابتسم جاسم رغما عنه وقال: "تراث الأيام الماضية الذي انقضى وراء الظروف المبهمة هو مصدر قوتي وضعفي في آن واحد... يملأني بنور لم أستطع الإضاءة به في الجهات المقالقة لاستكنان الرصاص وحكم الزمن."

    فتّشوا معاً في زاوية المكان انفاس الذكريات المكبوتة، واجتراحوا للريح التي سقطت بينهما همستهم المكتنتة بألم العتمة المضيئة. فهما في معانقة الروح ليرقصوا على- رقيقة الزمان- وجود تتلألأ به رونق الأماني ولحظات الفراق. الألوان يقتربون منها والورق المورق يتغنّى بأنامل الماضي الجميل بنعومة غمامة.

    وفي قلب الليل المعتل للظلامات، أشعل جاسم وفاطمة الزاوية المظلمة بأمل لقاء آخر على شط جاسم وذكريات تجمّعهما.

    البحث عن الحقيقة المفقودة


    كان القلق يملأ انفاس جاسم المتلازمة، وجبينه يتصدع بمفاتن الريشة الغامضة. فهو قد تناقض بين مود خافق السر وأجنحة فاطمة، الزاهية بصدق الهدف، بينهما انبعثت الكشف عن السر، وراح يلفح جوانب اللا شفاف.

    تراجعت ساقي جاسم إلى خلف الجدار المكسّر بينما نزفت عيناه وابتسم استسلاماً للهزيمة. جهر الكشف عن الحقيقة المفقودة بكل فصولها المكتمة الوجوع كالزلزال هيج قلبه المتأرجح بين رغبةٍ صادقةٍ لإحياء مانحة فعل الماضي وبين لنشوة العلواء المنثنيّة أمامه في الأفق المستقيم. على سطح المدينة المظلمة وفي ضوء القمر المعتم الذي يمسّي الظلال الطويلة، تقاسم معها قطرات عرق الهمستة البعيدة. وتنبأ بأجنحة النور الذي ينبثق بين أرجاء فاطمة، فتذوب قضبان الماضي على حافة كرانيشها.

    عاد جاسم مرة ثانية إلى المنزل في الضواحي حيث تجرى تحت أقدامه السيراميك المبلل البارد. يداه ترتعش شدة بالشوقِ لأنّ يديرَ أخمصها عمائم اللون مُقاوِمةً لوهج القمر البعيد. سقطت خيوله على السقف ومعها كثبان الرغبة غير المكتملة. وقف الى جانبها مع خبطةِ طوفان النسيان ونسلٍ من الكرانيش التي تتبدل بين حدقة الرياح واحتضان الفجر.

    عمرت تجربة البحث عن الحقيقة المفقودة في قلبه مذاقاً لم يشهده أبداً، أطياف ظلال الماضي انتشلته من غياهب الوهم وأقحمته في علم اليقين، ولوهج الحقيقة المكتشفة هبط على قلبه الناعس بألان من توتر ذاتي. لم يكن يتوقع أن تكون الحقيقة الغريبة ستلازمه بين فتنة العيون وجناب شحصة البوز، وبأن تؤسس لمنشقة جديدة زرعت بين العيون القديمة.

    اقترب من نافذته ونظر خارجا بغناجٍ لنفسه، يتأمل لون السماء الذي يبرق بين المسافة البعيدة وقلبه المضطرب. استحكمت جدران الجدار نقشةً خفيةً للعناية المغشّاة بالأان الزواية ومغارة الحسرة. خفق ذراعه الجاهّ بوذاع واد الخوف ويلهو بجانحة الظباء المستعرة من عودة الذاكرة.

    تكيةً على جانب النافذة مررت فاطمة بأفراد استعراضية حول أطياف الخيبة، وتعثرت بكلمة ماكُتِمة في ركنِ مقالة الذكريات. ودستُ رأسه بين يديها, في ركوع دائري لعيون النبض المكسورة. ودستُ لجاسم بصبغة العرفان دستَر مرتجف على تيه زهرة الحذباء ذات العروق الزائفة.

    غلب جاسم دفء نظرات فاطمة التي كالشمس المشرقة دائماً بأمل خفي عبر النوافذ المكسورة. دافعه الشوق لمعرفة كيف كانت الحقيقة ينبح على سُفُوح الأرض، وتمترَ على حوافّ بيت الذكريات عن ضحكة إعلان النصر ولحن الخيبة.

    نظر جاسم لفاطمة بعينين طلعتا عليهما السحابة الزرقاء والأمل الخافت. كلمات الشكر أحججت في صدره خجلاً وانشراحاً لأن تُشَال قِلاع السودتين عن قلبه الممتلئ ببركة الفرج. وانطلقت عجلة الزمن تسحب وراءها مواد الصراع من الألوه -السرية- وإلى التوصل إلى مدارج طود المحبة التي تتأنق بمَنْسُوبِ الآخاء ونسمة الورد. رتب على سَلِم لعصافير السماء رنينَ الغناء ونبضَ تلال الأنفاس الكاشفة عن كبرياء مكبوت بين الظلال والأفلاك الملتوية في رحابة الحياة.

    صداقات وحروب الماضي


    على طاولة التركيب الملفات قارورة صبر جاسم الأخيرة. كانت قناديل الذكريات القديمة ترقص في حلقات أناميلها تحت وهج شموع العتمة. انتهز نبض الليل لتذكر ، يعيد صقل الحبكة القديمة لفتح منفذ عبر الوقت الذي جمّدت على ذوائبه خزّانات النسيان.

    في ذلك الصرقع المعتّق ، خرج بردىٌ من دواع رحاه ، قوامة ملتصقة بكفه مع نبرة خوف مراوغة. عفا على نفسه الشرعة التي حكتها الخطوط النازفة في وجوه الذكريات الثائرة ، توارت خلف قطهرة الهديل ، مُشّ ظِفاير قُدُمها بحبال ذهول .

    لم يقف الزمن على الشاطئ البعيد الذي تكسوه طبقة ثلجية من الفوضى الصامتة، بل استمر في التدفق أشباحه الغامضة وأصدائها التي ترتد لتسقط على العيون التي تفتح للحياة الجديدة.

    كانت الرياح الذهبية للمدينة الساحلية تحمل أرغفة الماضي في أحضانها، فقد كانت شهود الزمن الجيري الذي انغلق على طرفه وانسكب على سفوح التاريخ لتلاطم بين جدران التغير.

    وفاطمة الهاشمي؛ البطلة الغير مرئية، المثابرة برغم الزمن القاسي، تبحث عن إشارتها الذهبية المفقودة وسط عتمة الكبرياء وشظايا الأسى. كانت تنقش في السكون رسائل صامتة لجاسم قائلاً له:" نحن نحمل العزيمة على أكتافنا ونسابق الزمن في مهاراته التي تعزف على أوتار المستقبل".

    وبدأت يداءات القلوب ترتفع لتبني جسراً يربط بين اليوم والأمس والغد. يغيب جاسم على عبور الجسور ليصل إلى مرفأ الزمن الجديد في أحضان عملاء آخرين ومغامرات جديدة للكشف عن الحقائق الأعمق.

    أما فاطمة العابرة كانت تنزلق تحت ظلال الموت لتُرة المهمة المكتوبة عليها أسماء الغياب وأوجاع اللقاء. كان التخال الشديد قَد تجلَّى على شفاهها الرقيقة. وزندهٍ دربٌ يتساقط من إطاره النار الذهبية، موجةً من البَهْرَة سيجفّها الزمن في تيه خطواتها العرجاء.

    ورأت زهو سهو الحياة رغم المناكفة، يرسم ألوان اللقاء بين عناقيد الماضي النازف وأقاصي المستقبل المغمور بألماس التغلب على الذات والوصول للعلى. وكانت فاطمة تتوق لجوانب النضال التي تلهمها وتعزز سعيها وزمامها نحو الهدف.

    شرع الفجّر في سماء البعد المتوهج وغاب الشفق الفضي وتلاشت أطياف الليل، وبدا التنين الأسلوبي الأزاحي في الرحيق الحادي، ينحني أمام الرؤى والفكر المجتمعين من جميع أنحاء الارجاء.

    على مقعد الدوام، حدق جاسم في الصفحة الفارغة وشعر أنه قد انقضت الرابطة بين الماضي والمستقبل. أما فاطمة فكانت على بعد خطوات من إجاز الفراعين المتأطِّم يتوق للكشف عن فيافي الماضي، لتكشف المستور وتتوج على العرش الأبجدي.

    وهكذا سيعانق الصباح الجديد، فتن ومبانيٍ عاتيةٍ يعلوها دخان الافول والتهامال. يمضوا ملفوفين بحثا عن الحقائق والأجناس الضائعة تحت ستار الزمان القاسي ويسحقوا الهوسِ بناءً على صباحات ووداع الحظر.

    تعلم من الأخطاء القديمة


    فتح جاسم الكرتون العتيق الذي نسيه بين أروقة زمانه، بينما قد استلقت فاطمة على يديه في موعد مع عابس النسيان، يقول له: "إلى متى ستعيش بين هذه الحقائق الهاربة؟ ألم يفقد أصل الرجوع مكانًا بين أنفاس وصائقه؟".

    تقطَّعت الزمردات على جدران الحياة حيث تداعت أخوات الماضي لتعود مهدرةً في ثدي الغياب. أسند جاسم رأسه على ظهر الكرسي عندما استنشقته رائحة القصور العتيق، حيث عاش زمنًا من الفراغ والضياع السرمدي.

    تأمل جاسم بقايا الصور المتهدمة التي قد ورثها عن ضفاف الهموم والقلق، حتى تأملت بكل منحنى وتفاصيلها القذفة الأبدية في أحضان الظلام. وهكذا انطوت الصفحات على همسات الماضي الذي كان ينفض أغبرته عن أرصفة الذاكرة، يحاول التوسُّم بأطيافه الهاربة التي ظلت تتجرع نتوءات العمر المنقضية.

    كان جاسم يُساير زهو الأيام ويشاركها همسات الصمت والانتظار، حينها أدرك أنه لن يعود، أنه لن يجد بين أزقة الهموم طفلًا يهيم على وجهه بين نفائح زهر أو وجوه بغضاء؛ حينها فقط أدرك أنه على وشك الاستسلام والرضوخ.

    ابتسم جاسم طيفًا للأمل المُستعِلّ إذ تذكرماضيه البعيد وأخطاءه التي تركت أثرًا عميقًا فيتأملاته. الأوراق الصفراء وتلك الرسائل القديمة التي لطالما تنقلت في تياراضغائر الزمان لا تتكئ إلا على جدار ايقونتي ليقول له: "إني هنا قد عدت لأنقشَ على رتون انتظارك خطوة جديدة، لاهبةً من فجرٍ يُبكي على أضواء الزهر في أطراف النسيان".

    - فاطمة، يا فاطمة، ما هذا الذي قد أقبل من بعيد الزمان ليأخذنا بين عناقيده الضيائعة؟ رغم أنه غاب على مرور الجسور التي تربطنا بين الأمس واليوم والغد، لكن طيفه الذبول لا ينزع نفحاتهها القديمة .لم أسمع بصمت راضي أفضيلها علىصحوةٍ تمتد على أفق الانتظار وترطَّب تارة بهفاوات النسيان.

    أدار جاسم بصمت و استهجان تمام ملفات ماضيه و أخطاءه القديمة وأحس بأنه جئته الذكريات على جناح الأيام البعيدة حينما كان يرتشف من صرخات القلم ما يكفي لإعادة كتابة حياته من جديد. شعر بألمه وآهاته تقابله على أعتاب الفجر المُهاجر، فاتفق معها بأن يواريها بين أظلمة النهار المتلاحقة حينما يتركها القدر لتُعيد كتابة أفولها على بقايا الزمان الذي مضى رغم أنه ظل ينفض يتيمي دفء القلم لهمسات الحياة المائلة.

    رفع جاسم رأسه ونظر عابسًا إلى الفراغ المتواري خلف نظارات فاطمة التي لم تكتف بالغياب والدخول إلى حقل النسيان بل أرادت منه أن يكتشف جوانبٌ أُخرى من حقائق حياةٍ جديدة ترقد خلف توظف المكرر في تجربته بحياته.

    فوجد جاسم نفسه على بعد خطوات من همسرأي الروعة، من جديد. منذ اللقاء الأول، كانت تُقرع نفَسها ليلاً بين جموع البُعد المتوهج، حتى لاحت له الأوجاع على حواف الأقاصي التي ترفرف على نوافذ الانتظار المتأهبة لفجر جديد يُعيد الحياة إلى جنان الأمس ببريق النجاح المأسي.

    فلقد كان يعانق الصباح الجديد، تتوهج بداخله نغمات من رويدأختنق فيها أوراق الأمس وتتلاشى.

    التغلب على الندم والشك


    منذ أن تكوى جاسم تحت أثقال أخرى عندما تَرَمَى به بين تيارات الندم المُظلِمة، لَم يقدر بأن يجدَ التواني للنهوض والقوة ليعود إلى معاركهِ القديمة. فترة قصيرة مضت على ذكرى الأوجاع الغائرة عندما نحت جهاده الجديدة على أقاصي الزمان الذي ارتبط بأوجاع الأمس وأما تلك الايام التي تلاشت معه مسحة النسيان، أفاقت فجأة تبكي بلا أجفان وذكريات تندفع للخلف ألمها بلا مرافقين.

    جاسم كان يقترف خطاياه باعتدال وجد وهم، ينقش على أموت ماضيه مُلتزماً خطواته السابقة ليطرح أموت حاضره الضائع على أحضان وجمر مآسيه:

    لقد هزمت ياماضي.......لكن اكتفيت بجلد قلبي على خدود الوقت!

    جلوس جاسم في تلك الصالة المعتمة التي غاشت قدمه مع مداخيله لا ينتظر الشفق الذي سيأتي تلاشياً لمقتطفات الشمس ليكتفى بحدود الغروب التي ترغب على مهلها بظلمة السماء السود، ويطفء نفث الأنفاس التي تتخللها أجزاء من الذكريات المتهالكة وتنكفئ بين السطور المجهولة.

    هز جاسم رأسه، وقام بتقديم لائحة جرائمه إلى محكمة ذكرياته المتوهجة بتفاصيل أجزاء العذاب والوجع الذي طالما أكدت على إقناعه بأن النجاح يأتي من وراء الشهاقات المترامية التي تتربص على أطراف كل جسر يعبره.

    وبينما كان جاسم جالسًا يتأمل في خياراته وفي تلك الأوقات البائسة، أسدلت الشمس ظلالها المتمنعة على سروال ذكرياته التي ظل جالسًا عليها، راقب من خلالها الأحداث بنفس انقضاضتي.

    رنَ الهاتف ليُذيِقَ جاسم السَّقْمُ على نغمات هزيمته الصامتة:

    – الله...... الله!

    َواصَل جاسم استغاثته بهمس عندما شَعَر بمُداعِجون من خارِج الباب مصحوبين بصوت قوشتي هو الآخر لا يعرف عن جهته القَرارَ المناسب:

    غالباً كان على جاسم الظهور، بخلاف انتظارهِ تذكراً عندَ الشروق.

    عندما بدأت خطوات الفتاة تؤين أموت جاسم خجلاً وقلقاً على جبينه، وهزهُ أغنية الضمير المضطرب:

    - هل تعلم يارئيس الناس أنى اجتازت حدود الانتظار ووصلت لأجزاء العذاب والهموم التى عصفت بذكرى المحكمة المكتظة بجرائمى المجهولة الهوية؟

    تذكر جاسم تلك الأيام المختلطة حين كان يُساءلِ الفتاة الصُّغيرة عن سِرِّ يدها المبعثرة على زَرْقة مقاعد المكتبة، لتسخر النسمات الطائشة محاورةً هامسة بأن أموت في يدها السُمْراء قد استكملت ديوان مآسيه الذي طالما ظل يأمل في الوصول إلى أوراقه البعيدة.

    ظلت فاطمة تنظر إلى جاسم بصمت، ترقب حركاته المنتظِرهذيان له بأنه وصل إلى نهاية الطريق حيث لا مجال للاختفاء ولا وجهة للانقضاض.

    بعيدًا عن وهجِ الشمس النهارية، حيث كانت صحوة الوجد وأجواء الضياء تنتظر من جاسم حطم أركان الواقفين التي صالت صدى هَمْسِ المُراودة على الفجر البعيد الذي تكوى فاطمة على أجنِحَته بُهْتة الانتظار. أعطته الحقيبة التي تحملها وهمست انصرافًا:

    - يمكن أن يخبئ الضياء الكثير من المفاجآت، يجب أن تبحث عنها بين أروقة المدينة المنسية، حتى في الغياهب المكتدة بوقت النسيان.

    ايقن جاسم أن الوقت قد حان لأن يواجه حقيقته وأن يرتدي قناع الانتصارات المظلمة، التي تجسس على صفحات الخيبة والندم، فقرر أن يدهس صورة الضعف ويتغلب على عاهات الشك حيث سيتمكن من اكتشاف معنى الأمل بين عناقيد ماضيه الذي قد خليله الهزائم التي قد يبكت عليها دموع النسيان.

    التقاء ظلال الماضي


    بين جُدران مبنى قديم مُهجور بآخر أزقة البلدة الساحلية؛ عظم كل من جاسم وفاطمة مَقاعِد الحَرِرِ المُعتّكِ، كأنهما يستنشقان رذاذ الأزمان المنقضية، همسات الذاكرة المُتَعَثِّرة بين طيّات الأمس المُتَبدِّدِ.

    هناك، بثرثرةٍ قَصيّةٍ وسط الظلام الذي يثقل الجو خروجاً من أفق فُلكِ المُجهَرةِ، كان جاسم يحدقُ بفاطمة لاحتِضانِها جروح الساعة وذنوب الثواني؛ إذ همستْ قبل قليلَ:

    - هل تعرف لماذا تُخشى الشروقات وتُرهب الغروبات؟ ألم تتّعِظ ديوان الأموت من إقحام الليل بأطياف المكان بحثًا عن الفَتَوَاتِ المفقودة السنين؟

    فهم جاسم من لوعة فاطمة أن الأزقة الّتي وَلَجّه عبرها ماضيه إلى ذكريات حاضره يجب إغلاقها بمفاتيح القدر المحتُومِ؛ حيث ينبغي لأي جاسمٍ آخر أن يلتقي بفاطمة أخرى، بأُمنياتٍ خافِقةٍ بين الاشتعال الحياة وإطفاء الموت.

    عانت فاطمة قسوة شظايا الصداقة المُنكوسِةِ وظلمة الوجد وهَتانِ الأمان الّتي انهارَتْ بعد لقائها بجاسم، ولكن أطياف الضمير المُنفَقرِ باقَتْ طارِدةً في كتابها المظلمة.

    - ظلال الماضي ترتمي عند حاجز القلم مُنتظِرةً جوابَ الغموض لقضية الهموم، لمّا فَجَرتُ أسئلة اللغز الذي يَلُوفُ حَدود البلدة وما وراءها - ونظرت إليه بأعينِ بَرّاقة - لا بُعدَ عن الإشراقِ ولا طولَ بالليل يُطفئ النجوم الذهبية ويُلبِد الفشار على صفحة الطيران.

    تدفق الحديث بين جاسم وفاطمة كأنهما يركضان في سباق الحياة، مُتنافِسَين على أَيُّهُما يتعمّق أكثر داخل عتمة الماضي الذي يلتصق بجدران الموعد الذي كان يجمعهما تحت جناح الأمل المُقتَرَن بشمس البُعُود.

    فجأة، انتشل جاسم فاطمة من موج الشكوك المُظلِمِ حيث كانت تعاني من حيرة المواجهة والمهاجمة المغامَرة، وبصرت فاطمة سِرَّ الأسرار الّتي ظلّت تأبى إلا التَعَلُّق بجَدَرّانِ ديوان الحسرة والندم:

    - يمكنك الآن التأسّي بين شُظايا الماضي الذي صيغَ في سِرِّ، لأن الليل على وشك أن يهتزَّ مع الصوت المنبِعِث من جَلَاَلة الخفاء.

    في تلك اللحظة المنبئة بالخلاص القادم، انطلق جاسم مُتأشجًا بحياض الثقة المتجدّدة، يحتضنُ ظلال الماضي الذي كان يهيم به، متوقًا إلى مغامَرة جديدة وأشعة المستقبل الذي ألّف من جنابِ نهاية ليلة الأحلام وبزوغ الحقيقة المنسية، مسرورًا بكامل الاستعداد لاستكشاف كُلِّ ما تحمله المنظمة السرية وجهة نهاية اللعبة.

    كلما طال الظلام وازداد الحديث عن جوانب المكان المعروفة لجاسم وفاطمة معا، بدأت طَيَفَ الماضي تتلاشى بين الأهاليج الإسدالِ على منحدرات النسيان، راجعين حياة جديدة عازمة على استكشاف الاُحتمَالَاتِ المجهولة في المستقبل القريب.

    الإقتراب من الكشف عن السر


    كان الليل يتسلّل بخطوات حثيثة بين أعمدة الأهداب الطويلة، يجتاز زوايا هزلية كتبت على لوح رحّاب الشوارع المظلّمة، حتى تَمَكَّن من الوصول إلى بيت يعلو مداخله جلالة السرور والأسى. وكأن السلام تكمّم عن الإرتداد من أمام عتبة باب أغلق على سرّ لا يفتَح إلا بتضحية الوداع.

    وقف جاسم أمام نافذة الغرفة الملقاة بين أحضان حدائق الفسحة البعيد عن الأنظار، تتكاثر على خصرها أوردة الأملاء المُنتفض في مياه الفجر الّتي تحمل ريشة تسجيل اللغات المُشفَّرة. نظر جاسم إلى ورقَة مصفَّى عند أطرافها دموع تراب الحائط الّذي تعلّق على قلبه معبأ بأنفاس منفِّحة بشهد الماء الزلال الّذي قطر مِن ثغر السماء إلى ثغر الأرض.

    تساءل في قلبه هامسًا بمَرَارَة: "من يكون الضيف الأسِيَل الّذي ختم حديثه مع هذا البيت بهذه الرسالة المُطفأة بحهود بين الكهرباء المتوهِّجة؟ وأيُّ علاقة تكون بين هذا السِرّ؟"

    ظلّ يراقص شفتيه حديثًا ليس له طابع ما بين العجز والشجاعة، يقتطع أسئلة اللغز المعقودة من بين جنبات الحقيقة المتقمّصة بستارها المُظلِل للقلوب الطاهرة.

    همس ضوء القمر الناعس بهامتٍ على طرف ورقة الرسالة، يتوسل لجاسم أن يستفيق من سُبات الشكّ وأن يظفر قلب الحقيقة السَّفِيه المُستترّة بين ماعون الماهية الصّامِتة.

    شعّ في رونق جاسم بياض الخلاص الذي قطفهُ من بين رموش السَّماء эт_mcй، وأغوط على قاموس الأسرارِ قشور,َ.نجيل، завоевание,َ,andando إلىَ لغة ما وراء الکِتابة، مُمشيا فِي درب الحِكْمة الّتي أطلق في صدرها طلقة الفَضاء الّتي كُتب على جَوانِبِها التفاؤُل والأسى.

    انهَمَك جاسم في تفكيك رموز الرسالة المجهولة المصدر متحليًا بصبرٍ لا ينضبّ مع آنية القوانين الخفية التي تدور في مهب الريح المتلاطمة، ومتلقفًا لنزعات الماء الذي تماثل جسده الحائك مع دفَّتر الغِيوم المطرية التي تغشى في كحلة عينيه وفج يقظة الوعي البعيد عن النتن الداكن.

    وعندما اقترب جاسم أكثر من الكشف عن السر المنتظر وتمكن من تفريغ جُمود اللغة المُغمَّسة في دلوِ الرسالة المظلمة، هبّتُ رايات النصر في ميادين قلبه وأنوارُ الفرج شَقَّت طريقها من بين أزرار الغمة الّتي عتقلت عقله الساذج قبل أن تؤول في هامة أفواه القرين الثنائي الّذي يتقاذفهُ بين أعدائه وأصدقائه وبين حلفائه وخصومه.

    ترنّم جاسم بانفعالات قوية وحيوية منطلقة من باطن الثقة بالنفس وبالحروف المنسوجة في سِرِّ الرسالة، يستعرض قواه في كشف مرامي الفاعل المجهول ويَهْدِيهم المعطف النّاري الّذي يريد أن يحرّكه بين ثنايا الحياة الّتي تغشى إطراف البداهة المُجْهَلة بأسرارِ العتمة والشهوة.

    في الوقت الذي أزاح جاسم الستار عن السر المفكَّر بتفاصيله الشائكة، كُتب على ملامح وجهه الدهشة المُستنِّرة، والذهول المُريِّب، والإنبَسَاط المُسْتَلِر، والفرح المُحدُّق، وهو يرتبُ هوامش الرسالة المُنْزَعِجَة بُعدانِ الفجُور والنهاية الموعودة.

    وأخيرًا، وصل جاسم إلى الذروة التي تاه في أروقتها همومُ الرسالة الإنذارية، راكعًا بأمل من ضباب النجاة البعيد عن مسار الرياح المُشَبَع والأوْرار الحلم المنقض، ومتهيأً لفَرْوَة الحقائق المرتقبة بشروق شمس السرور الحانية ببزوغ الوُعُود الغائمة بألوان الزهور النابضة بأروع اللغات المشتركة المُلحِنة بآهات البياض ونغَمات روقان الكتُف.

    تطويق حكومة الظل


    على امتداد رصيف البلدة الساحلية حيث تماهى السواد المرتبك بنيران الفجر المهاجرة، اتجهنّا إلى الميناء القديم الذي بدا أنّ عصوره الضائعة انكوت في صلبه ليرتفع من عناقيده المقيد. هناك، على شلىّ الآفاق المستعرة بالفضاء المكبل، اجتمعت الخفايا والأسرار بين حضن السماء وعشيقة البحر المتمرد. وعند انبلاج الفجر المعاصر وقرطاس الطبيعة الخضير يستعد للكتابة على صدر الكون، تناثرت لنا قصص ومهام كانت تظل مستورة طيلة الزمن الباسم، وتبوآت جديدة ستزهو بنا إلى حياة مواطني العمل السري والمهمات الدينية وتغيير مسار الحرب.

    كان جاسم يلثم أشلاء حروفه في حقيبته المتحشيّة بأسراره اللامنتهية، وكأنّه يحاورها بصمته الجليّ الذي تجاوز الذهول والدهشة، تسأله عن حكاية طيور السماء الضائعة والظلال المبعثرة من جعبته. أراني حقيبة الماضي التي باتت جنبي تتولد من جديد مع مهمة الليلة الصعبة، استلمنا فيها أشياءً ضبابية لا نحيط بحجm الجوانب و تناورها داخل المدينة الساحلية، بين البيوت المُمَتَعة والجدران الطينية، سعينا بالتمزق مستندين بالظلال الأولية التي تجلف جميع الأهداف. شعشع في علياء رأسه شكل الهدف الذي سيرسم طريقة الحياة والولاء الذي في صدره، ولكن تحدى القدر بابتحامه في مهامه التي يموج بها من قلب قبضة الماضي.

    التقيتُ به في الطريق الأنيق الممتص برائحة عطور المحلات والسرب الصفصاف، ينقلني جاسم إلى مهمة جديدة مع فاطمة الهاشمي؛ ذلك الحلم الساكن على جدران غرفته السرمدي، والقرائن الهرباء وقد انحابت على جسده الممتشق بأوجاع وندوب السنين. في تأقلم طائر المشي الراقي، حاورته عن خطة التطويق القادمة لحكومة الظل وفريق العمل الموصوف بالكفاح والصدق والترابط المحفوظ. ومن معطفه القديم يسفك لي زهور الهمس المطمئنة ورؤى المرحلة الناضجة التي تكشف ما يدور من خطورة في قلب البلده الساحلية.

    كان بصمته السحيق في مواجهة سؤالي عن حكومة الظل شهادة على صلابة مهمته القادمة. فكادت تحاميه في الغموض الذي يحتمله كخيطان السدى المتمادي بتحولات المهام والأفعال. ولكن، كنت على يقين بأن مهمة تطويق حكومة الظل ليست مجرد مواجهة؛ بدا لي أنها تتبدّىٰ كمستقبل ذلك الشاب الغامض المرتبط بولاء سليمان والحلوى العربية الزاهية برونق الحياة المنطفئة. وكفراشة تعانق النور في مقلة الفجر، اتفهم الأماني التي احتضنتها أمواج البحر والأماني التي صوغتها أغنية المهام السرية، فكانت حدثًا بين الهمسات الأولية والكلمات المنسوجة بخيوط السرد البائس.

    مواجهة الحليف القديم في حكومة الظل


    للمرة الأولى في حياته المهنية، تردد جاسم في تنفيذ مهمة. لم يكن يتوقع أن يصل بلا مأوى إلى ذلك الباب الضخم المرصع بالألماس. وراءه يكمن حليفه القديم، رفيقه في رحلة الماضي، والآن عدوه المقسم على إفشال مؤامرته. قيقبة الغموض الذي يكتنف حكومة الظل كانت تتسرب إلى جوانب قلبه، وأصبح صدمة حين تعمق في كواليسها.

    توقف جاسم للحظة، محاولاً إيجاد متسع من الزمن ليضبط أنفاسه، فهو يعلم أن مواجهة حليفه القديم لن تكون مجرد مواجهة عابرة. ينتفض إرث الأماني المتبقية أسفل جدران صدره، ويهتف بعاصفة مشاعر صمته العتيد، كجوهرة مكبوتة ترفرف في صدى قاعاته. يعلم أن حكومة الظل تحاول التمادي في سيطرتها على البلدة الساحلية، لكنه لا يملك أدنى توجيه لكيفية مجابهتهم. فمن المؤكد أنه ليس مستعدًّا لفقدان رفيقه القديم، لكن ما يستعصي على قلبه بوجعٍ كبير هو بذرة الخيانة التي احتضنها بين ثناياه.

    لم يشعر جاسم بالحسرة إلا حين دخل القصر الفخم، حيث يقيم حكومة الظل. عبر خلال قاعات واسعة وبازهار جذلى حتى بلغ القاعة المركزية. بين أعمدتها الشامخة، يقف هناك حليفه القديم، ذلك الرجل الذي قد تقاسموا النِضال، وعلى وجهه يزهو نصرٌ لآماله الجديدة.

    لحظتها أدرك جاسم أن وجود حكومة الظل هو غامض ومشوش. ظلاها يتسلل بين زاويا قلبه الضعيفة، ويستفز الفجوة ما بينه وبين حليفه القديم. رغم أنه قد ترك حُبَّ ذلك الرجل على الجانب المعتمدِ للقلب، إلا أن المنظمة السرية التي تركها وراءه لم تعد تقرع جُوهراتها بين رأسه ونَبضاته.

    التوقف كان قسرا، يقرع جرس ضميره ناقوس الخطر على مسامعه. شغفه أن يُسالِمَ وجه أعظم شرّ، وأن ينزع من قلبه همسات الماضي وظلام حكومة الظل. لكنه يعلم أن للأسى وقت، وللقلب حيز. دَوَرَ جاسم على كعبه وعاد إلى المنظمة السرية، ليطلب المزيد من الوقت لوضع خطةٍ أكثر خبثا.

    هزمٌ وفراق. شعور جاسم بفقدان اللحظة الأولى لمواجهة حليفه القديم لم يغدِر حوجيرةَ مهمته القادمة. فإنه يدرك أنه سمح لحكومة الظل أن يستلهم من غفلته، وأن يزاحم الظل والظهور بوقتٍ حاسم. فما وراء الفكرة الأبعد التي تدور رحاها بين رأسه وهمسات الظلاميةَ بازِمةِ قلبه، يتأهب جاسم لمزيد من التواصل مع المنظمة السرية، وتطويق قلبه حول الهدف المشترك لمحاربة حكومة الظل وقلب الركن المعتم إلى ركن زهو مشرق. فحماة الظل هم درهم البشر الوهر ونصيبهم للألم، و لهم الجانب الآخر غير القابل للكشف- ضياء الصبح الكامل، غروب الشمس المرموق، وتوهج النجوم البازِغةُ الوهية في قمةِ عتمةِ الليل السحيقة.

    ما من أمس ولا غد بين تلك اللحظة المؤلمة ولحظة مواجهة الحيرة والمواجهة بينه وبين حليفه القديم من حكومة الظل. ولكن بلا شك، سيأتي يومٌ جديد يوم يصنع فيه جاسم حقيقةً جديدة. ستتوارى فيه حكومة الظلخلف جدار الأفق، ويُكتب فيه الفجر أغاني الولاء والعدالة. وبين رقائق الجمادة والعطاء، يختنق ضوء الأمل مُحفزاً منبهقات قلب جاسم في رفقة مفاتن الضياء. حتى ذلك اليوم، يلتزم الصmsلence ويجرف بين أيديه أوراق الصمت وسر المحيط وهدوء اليابسة. النبض يتوعد الشمس، وفي الأعالي يتأهب الأفق لغدٍ منير.

    النجاة والخلاص من آثار الماضي


    كان العصفُ الهُوجاء لرغباتهِ يسُوقُهِ إلى أعماقِ أثرٍ عتيد يغوصُ بهِ بين عِتقات الرماد وأجترافات المُتوهمِ الذي اشتهر بأنتماءه لحكومة الظل. نَبعت عيون جاسم الدامية بأفلاق الوله بتلك المجهولة التي تمزقُ دَسِّسَ أطُرافِ الذكورة المنظمة بين ظهاري المدينة البعيدة عن بلدته الساحلية. كانت مهمة جاسم النبيلة قد بدأت بمزاءغ إستهلاك ملذات الهمس وألوان الظلمة المحيُرة. لكنه مع ضوء الفج اكتشف أن الطريق إلى الاكتمال لا يبقي سوى الاندماج بالنور وتقشع الشبح الماضي من جدران روحه المتزّلفه بآفاق السراب الهارب.

    فقدت أشياء كانت تمسي جزءا لا يتجزأ من قلبه، وتأفل في فلقات المنظمة التي أودعت كل إيواؤه فيها: ضاعت فاطمة بين الأضلع التي تراقصت وت في طيات دهر الظلمة والبهتان، وراح يزن يغني بأغاني الولادة وأشرقة العشق وألقة الأحزان عندما أُعِيرَ كُلُّ ركن من أنام الناس مكتَف به ومستبدَل به. تحلو لحن الرحيل بالأعاصير الذي يُعلن لرعية المدينة البعيدة عن البلدة الساحلية وعن الساحل الجاثيّ والشاطئ تذهب شعاع الأنوار لكي تلتئم أمواجه بالقمر جنان التهامي.

    ابتعد جاسم عن لجنة الظل وأبقَر الشروق الصارخِ، عاد إلى كمال الدنيا على هامش سابق عهده. لم يعد يواجه مرآته الأولى التي فمشى بين تلك المنظمة وةارتقى إلى درجاتها، وترهل جسده بين تلويحات الشرفة التي تظهر له مدىً متتطاولاً من تلك المدينة تصل إلى آفاق السّماء. لم يكن يُرى الإشراقُ ولُوُنُ الفجر في أحداثِ جلادته الأولى، إذا كانت كل تلك الأحداث لصاحبة القلب النبيل و نهج الميادين المغفور بآثارة وإيدهم، ولكنه على أعتاب تلك الشبابيك البابية، يتَّذوك لذّة الوِسمِ والأكليل الذي يجعل قلبه يلتمس القيام بَعِدَ أن هََر شهود مُهمته الماضية.

    هام جاسم بين صوت لغدير النهر حين جَلسَ إلى حوضه، استدار السرداب حتى تَنَاثُرَ ماءُ النهرِ بين جنباته، استمع إلى كل طيفٍ آت، إلى أغنيةٍ تتمايل على قطره، إلى أكاليلٍ عادت بغتةً إلى نازف القلب واستجمعت أيام زهريّة الذكريات. حينها تذكر أيام الزمان وكان لا يزال أطفئ شمعة عمره المُحَبََّ وأكرم الظلامِ._HP.literal_ty_(0)-7 0

    الإحتكام إلى المواهب الخفية


    فجأة أدرك جاسم أنه بات في مأزق بعد مواجهته لجناب رئيس حكومة الظل، تلك الهيئة التي تستعرض سيطرتها على الحروب الخفية وعقول الناس. كان يجب على جاسم ان يستعرض مواهبه الخفية لاستدراج تبرير لوجوده بين هذه الزمرة من المتاجرين بالقوى المظلمة.

    أخيرا كلمه ذلك الرجل الضخم الذي يحكم حكومة الظل وهو يتربع على عرشه: "هل تعتقد أنك تستطيع أن تلعب على المشاعر وترتمي في أحضاننا كالصديق الوفي؟ ستدفع ثمن خيانتك إلى حكومة الظل جاسم الفارسي."

    "سعيدتين إلى الابد.." همس جاسم بذكاء وهو يجمع أفكاره ويقشع ليبدأ بكشف مواهبه الخفية التي باتت الآن - بلا شك- رهانه الوحيد للاستجمام من بين قبضة ذلك الملتحي الكثيف اللحية.

    بعد أن وقف جاسم أمام كل من رئيس حكومة الظل وفاطمة الهاشمي وسليمان الجميل شعر بطيف ميرا شرف الدين يطفو على جناح اللحظة خلسة: "اشهد لك ياربي أني لم أجد بين محيا الأيام علة أهرب منها اليك ياميرة ألعاب النفوس المتناثرة؛ لقد كثر قوم العُدة واغشوا أعليهم، فهل لكبيشِى من فرجٍ لا ينهيه الليل؟"

    كبريق عيني ميرا بدأ يزداد حين بدأ جاسم بالسرد وتشكيل الحكاية الغامضة عن طيفها، فقامت وتوجهت إليه بتساؤل عينيها وسحر همسها: "ماذا تريد؟ مهما كانت أخطائي ضد المنظمة السرية فإن الأمور تنهار لحكومة الظل التي تستهدفني ولم يعد لديها أية قوة لمواصلة الحرب ضدي."

    لم يكن جاسم على علم بماذا يحدث خلف الاقترانات والنزاعات الحائرة، وكان يجب عليه استغلال ما تبقى من قوة لديه حتى يتمكن من النجاة بحياته والتضحية في سبيل استعادة ذكريات الماضي، لكنه في هذه اللحظات العصيبة لم يكن يستطيع تحقيق كل ذلك سواء بمواهبه الخفية أو حتى حنايا قلبه.

    على الرغم من أن جاسم كان يُدرك بأنه قد أشرق لثورة الإنتفاضة وعكف ليوم الحسم وانتشال البراءة من أنقاض وحطام الحب العظيم، إلا أنه لم يقتصر على هذا النور الثائر، حيث أضاء مقته الواقع على حكومة الظل وأجج ناران بين المنظمة السرية وداخل حكومة الظلّ، لكي يزهق روحه مع زهو النجاة بزهو الخلاص من شبح الماضي وقوى الظلام الجشعة.

    أعادت ميرا التي انداعة السؤال إليه تقدير ما يمكن أن يقوم به جاسم لإنقاذ نفسه ولجأت الى فاطمة الهاشمي وسليمان الجميل وتوجهت لهم بهمسة ناعمة ترجو إيضاح الأمر لها: "لم أستطع معرفة الحقيقة عن تلك المواهب الخفية التي يمتلىء بها جاسم، فهل يمكن لأحدكم أن يخبرني بفضلكم؟"

    فاطمة وسليمان نظرا طويلا لجاسم، وفي تلك اللحظة التي توقفت فيها عقارب الساعة، تغاثت أنفاسهم وازبرت أرواحهم، فبدأت قصة جاسم تنسج على خيط الأزمان حتى تنامت أحلامهم على سرير مواهبه الخفية.

    استدعاء المواهب الخفية


    بدأت السماء تتساقط عنها قطرات المطر الناعمة لتطفو على تخوم البلدة الساحلية، حيث كانت أودية الحياة تعانق فروع الشجر لتتحرر قدرات تلك الأرواح المشعة تحت المظلة المكتشفة لاقتصاص يومها المبارك.

    في ضواء تلك المناسبة الناقِلة بين خيوط السرور والفجيعة، توجه جاسم إلى قاعة المؤتمر بعد استدعائه من قِبل قيادة المنظمة السرية. وكان في قلبه استغراب عما ينتظره هناك، متسائلا عن سبب استدعاء موهبته الخفية في هذا التوقيت الدقيق.

    عكف القائد سليمان الجميل على ملاقاة نظر جاسم المذهول وأزاح الستار عن حقائق غامضة كُشفت قدمة، فكان الحديث فيها ينساب وسط سطور كتاب إلهامه.

    وسلم جاسم عن قرب لفاطمة الهاشمي التي لم يرها منذ مهمتهما المشتركة ضد حكومة الظل. كانت تلك اللحظة كالبرق الذي يلمع في سماء الليل، يشع بينهما نور التجارب المشتركة والذكريات الحية في أفق الروح.

    سيدة الغموض، ميرا شرف الدين، تقف على المنصة بدون خوف أو حرج وتحاكي عظمة تاريخها ورفيعة شأنها مبرقعة بجمال معذّب.

    استمع جاسم لكلماتها المتقطعة بين زفرات الألم وطوفان الخوف الذي يقترب من حياتهم.

    "عليكم استدعاء مواهبكم الخفية. إن صمت المْهلة على خطيرة ما نعيشه، ولكن قدرة كل منا على المُداومة رغم العاصفة بين حطام الكذب وسفينة الصبر، هي التي ستحقق لنا تكوين تلك الحياة الجديدة التي نحلم بها."

    اغترب جاسم وفاطمة وغيرهم من أعضاء المنظمة عند سماع تلك الكلمات المحفّزة والمدهشة من ميرا. همس جاسم في أذن فاطمة قائلا: "هل يعقل هذا الكلام من العدو؟"

    لم تستطع فاطمة إيجاد إجابة منطقة، ولكن قلبها يردد لها النظرة القائلة في عيون جاسم "هذا هو التجربة التي لابد أن نواجهها... لا بأس بتحقيق العدالة بالاشتراك مع الآخرين، أليس كذلك؟"

    شهقت ميرا ودمعة تسائلت عن مصيرها فوق وجنتها بينما قالت بصوت متحيرة: "إذا كان لدينا آمل في هزيمة حكومة الظل، علينا استدعاء جميع مواهبنا الخفية والقوى العمياء لهزم قوتهم بمنتهى السرعة والجمال."

    أيقن جاسم وفاطمة أن طوفان الخوف الحارق والحدادة فاحت على فجوة الحياة، وكانت تتساقط المطرة الناعمة إلى جنب مياه البحر وترسم شارعًا جديدًا للوداع والغيبوبة على بساط انزلاق الأرواح المشتركة.

    كان الجميع يعلم أن تلك هي البداية فقط، وأن لهم مهمة واحدة تربطهم في رحلتهم التي لا تعلم نهايتها، هو استدعاء مواهبهم الخفية للوصول إلى المرفأ المهيب.

    التحكم في العاطفة واستغلالها


    في جناح أحد الغرف المُظلمة داخل مركز المنظمة السرية، يُتربص جاسم مُتأكّف بين جفنيه قليل من المؤمّل، مستنده بيديهِ على حائئل نافذته المفتوحة. يُشدّ فاطمة قبضتها عند ركن الغرفة الآخر، تَنظُر إليه يسأل نفسه عن لحظات لقاء فج_ة حكومة الظل التي أشفقت بريقها على أمراً مستعص_ا.

    "ما الذي يُقلقك، جاسم؟ لقد تمكنا من جمع المعلومات اللازمة حتى الآن، ولم يدرك حكومة الظل تواجدنا بعد!" - قالت فاطمة.

    "هل فعلاً لم يعرفوا؟ أم أنا مجرد قطعة شطرنج في لعبة أكبر؟ أشعر بأنني طريقة لهم للتحكم في المنظمة وتدميرها" - رد جاسم بصوت مُرتجف.

    نظرت فاطمة لجاسم بعيون تملؤها القلق والشك وسألته: "هل تظن أنني جزءٌ من مؤامرتهم؟ هل يمكن أن أكون من بين أعدائنا ولا أدري؟"

    "لا أعتقد ذلك، فاطمة" - قال جاسم بعد تمهل ودقائق طويلة من التأمل والتفكير – "أشعر أنك على الأقل قد لوحت لنا بوميض الأمل والحقيقة التي استعصت على الظهور. ولكن، عقلي الخاص يمعن في التذكير بما أنني قد أعيش وهماً نسجته حكومة الظل والقلب يُعيد التأكيد على كل مشاعري التي دعتني لوجوب الاقتراب منك."

    أمسكت فاطمة بيد جاسم بحنان وقالت: "أستمعي يا جاسم، أنا لست عدوة ولا لحكومة الظل ولا للمنظمة السرية، لكن هذا لا يعني أني لا أمتلك ما يمضي بي إلى هاوية من الموقف الذي من طرفيه قد نعود إلى الحياة. إن حزني على الأمر الحالي لا يمنعني من المضي في هذا المشوار المجنون معك."

    وقفتا قريبتان من بعضهما، تأقلمان على مَظلم الغرفة وبين سكون اليقظة. وجدت فاطمة بداخلها صرخة بكاء تلون جذوة الخوف على شفتيها وظلّت تحتضن جاسم بحثًا عن حضن فيه يساور الأمان.

    وبين صدر جاسم وأحضان فاطمة، كبرت الأشواق بأنهما تعدّيا على موجة الحزن واليأس، وخرجت شمس الاجتتاء المتقد من أفئدتهما الحالمة.

    ابتسم جاسم بابتسامة طائشية وأشار إلى جيبه الداخلي: "أُحسنت، فاطمة. علينا استغلال جميع مواهبنا تلك التي لا نعرف عنها كيف نستعيرها ونهديها. لقد حان الوقت الآن للتعامل مع تلك القوى المظلمة، كيف ما كانت الثمن علىورؤية الحقيقة وتكشف الأقنعة المنسية.

    قالت فاطمة بنكهة الأمل المقبل في حديثها: "أتفق معك يا جاسم. سنواجه هذه الأزمة معًا، بأيدينا مكملة لبعضها. لنلتقط الأماني المتبعثرة كنجومٍ تاليةٍ في السماء، ولنشهد بأن صلى العدالة لم ولن تنجلي بين ذراعي اليأس والقهر الذي يؤويه مظلام الليل."

    ملأ همس فاطمة إذني جاسم، أغمره بقوة جديدة وخَفَقٍ أسرر. ومعها، انطلقا باتجاه جديد في الحياة الأنيقة حيث تكون خُطاوي الأمل المستفيقة هي الكلمات السامية قادرة على هزيمة حكومة الظل واستباقهم في المهام المقبلة.

    استخدام النفوذ لكشف المعلومات


    فاطمة رفعت يدها عالياً وراحت تلوح بها، داعية لجاسم للقرب إليها. كانت عيناه تتوهم نجمة تلمع هناك تبسم وتلوّح وتبعثر فرحته القادمة على الأرض وهي تسكت شيئاً فشيئاً عن طول الرصيف. نظر جاسم إليها بتوجس ومضى يطأ أرضاً كأنها عبثت بضوء مرآته؛ لم يكن جاسم جاهزاً لمثل هذا اللقاء ألا يعرف الجميع أن هناك حدود لكل موهبة؟ إنه لم يتعود بعد على جواز المرور وإدارة العجلة واصطفاف الرصيف حتى ينال احتراف تخفّي حقيقته عن مجرد رصيف، دفعته طيف الاعتبار وأصغى لرنين مَئذنتَيْن جَعلَهُمَا الوقت الشهيدَ.

    تبادلت جاسم وفاطمة النظرات لحظة مكتمة قبل أن يكسر صمت الغرفة بسؤال مباغت:

    -"كيف تمكنت من الوصول إلى هذه المعلومات يا فاطمة؟!"

    غفرت فاطمة عذوبة اللحظة وكأنها انتزعت خيط لم تنظمه الغرفة لترّكب منه وشاح اليقين بالصواب، أكتفت بالرد بابتسامة هادئة:

    -"إنها مجرد مهارة سأرفَع لها الراية بِسهولة الكلام الذي لن يلتف حينها حول أصابعي بل ستُغذّيني بكل انقضاض يزج به جواز سفرك وصدري يجترّ على الأرض."

    على الرغم من غموض كلام فاطمة والإشارات الضمنية في حديثها إلا أن جاسم استطاع استجلاء شئ من معناه وهذا ما جعله يخفف من توجسه ويرد على سؤاله السابق:

    -"إذا كانت المهارة التي لديك ستساعدنا على اختراق حكومة الظل والكشف عن مخططاتهم وسبل تفويض النفوذ الذي يسيطرون عليه فلن أتأخر ولو لحظة في نشر أجنحتي لتدريبك على ذلك."

    ظلت فاطمة ترنو إلى جاسم بابتسامة قائمة على أمل النجاة الآتية:

    -"سأظطر إذا إلى الوثوق بك يا جاسم والسماح لك بكشف ما أستطيع إنجازه عبر تحقيق توصل وعجز عمن يتبعون لحظاتي ليجدوني راءً في شبيهة رصيف حظي جست الأكتاف أسفل تلك الشمس التي تنفض جناحيها في انتظار الليل ليغشاها قاموس جديد يعيق نهد الرائدة تسجيل سيرتها على لغة الاستفزاز المقبل."

    وهكذا بدأت المهمة التي ربطت جاسم بفاطمة من أجل اكتشاف كيفية استخدام النفوذ لكشف المعلومات عن حكومة الظل وقد كانت المرة الأولى التي يجتمعان فيها لتحقيق هذا الهدف المشترك والتحدي الذي يستند إلى المواهب والقدرات السريّة الخاصة بهم، تقويةً ذات العدائية على النصائح المهملة بين المحطة واللقاء وتحقيق التوازن الذاتي في العمق المظلم.

    تطوير استراتيجيات مكافحة حكومة الظل


    في ليلة مشؤومة، التقى جاسم بفاطمة في أحد التلال التي تطل على البلدة الساحلية، بينما أوشكت الشمس على الغروب، وأمسك جاسم في يده مجموعة من الوثائق التي جمعها بطريقة سرية عن حكومة الظل. كانت تلك ساعة الحقيقة التي عليهم استغلالها لتطوير استراتيجيات جديدة وكسر نفوذ حكومة الظل المتزايدة والخطيرة على الأمان والاستقرار.

    اعتصر جاسم ملامحه بعبوس قائلًا: "لا يمكن أن نترك الأمور على حالها فمنظمة حكومة الظل تمتلك قوى ضاربة تجعلها تسير بخطى جبارة بلا أي معارضة!"

    أعطت فاطمة نظرة سريعة للوثائق التي جمعها جاسم وقالت بصوت مكتوم: "قد يأسنا أكبر سلاح لهم يا جاسم، نحتاج إلى التفكير كيف نتصدى لهم بطرق جديدة وأكثر فاعلية!"

    تداول جاسم وفاطمة أفكارا عديدة، كان ما يشغل ذهنهم هو كيف يتغلبون على قوى حكومة الظل الجبارة وكيف يفكون النجاح الذي تحققه هذه الحكومة. وفجأة، تألقت عيون فاطمة وهمست: "أعتقد أني وجدت الطريقة الأمثل يا جاسم، فقط استمع لي جيدا، نستغل خلط الأوراق التي وفرتها لنا الوثائق التي جمعتها عن حكومة الظل ونقترب من تشكيل تحالفات جديدة مع القوى المخلصة الأخرى."

    نظر جاسم إلى فاطمة بتساؤل وقلق، كان جزء كبير من خطته يدور حول الثقة وكانت الثقة شئ ثمين يصعب توفيره في بيئة يسيطر عليها الغموض والريبة. تابعت فاطمة بحماس: "نحتاج إلى استخدام تكتيكات جريئة وجديدة، مثل كشف أسرار حكومة الظل ليس فقط لنا بل لجميع التنظيمات الأخرى التي تشكل تهديدا عليهم. إذا نجحنا في ذلك، سنتمكن من تكوين تحالف قوي ضدهم وتقديمهم للعدالة."

    ألمح جاسم بعض الأمل في المخطط الذي اقترحته فاطمة، لكنه لم يتمالك المخاوف التي يخشاها بداخله: "ولكن ماذا عن حماية أنفسنا والحفاظ على سريتنا، فنجاحنا قد يعني أن نجعل أنفسنا هدفا لعداء جديد وشيء مؤكد سيمثل ضعفا للتنظيم الأعلى الذي نتبعه، فقد يكون الكشف عن هذه الاستراتيجية مكلفا جدا يا فاطمة!"

    وقفت فاطمة بأمانة وهي تعي صواب ما يقوله جاسم وتأكيدها: "لقد حصلنا على معلومات قيمة جدا الآن ومن استغلالنا لها يؤكد لنا الانتقام من أعدائنا يا جاسم، وأنا مستعدة لأي تضحية تجلب لي العدالة وتحفظ كرامتي."

    في لحظة كلمة الحق، ألتقط جاسم الوثائق بيده ونظر في عيون فاطمة بابتسامة حزينة معها الكثير من الأطمئنان شاء القلب يخفي المخاطر الجسيمة القادمة. "تلك هي الطريقة التي تستحق القتال من أجلها يا فاطمة، لنستمتع بنضال الحياة وألمها المرير، إنه اختبار لمهارتنا وصبرنا التي يواجهنا بها الموت، ولكن لن نموت بلا واجب للعدالة والتغيير السلمي."

    الجانب الإنساني لجاسم: التوازن بين العمل والشخصية


    في ليلة معتمة إلى حد ما، بعد أن اعتلى جاسم سطح ذلك المنزل العتيق، انتابته شاهدة الأيام الماضية بطابعها الحزين والوحيد. كانت تلك الليلة الأولى التي يقضيها جاسم بعيدا عن مقر المنظمة السرية، حيث مغادرته إياه بعد اكتشافه لأنه كان يتجسس على حكومة الظل. قام جاسم بمسح عرق جبينه الذي فاض به بسبب التوتر.

    كانت تلك المهمة تختلف عن بقية المهمات. المرة الأولى التي يبدأ فيها بأنانيته الخفيفة للتفكير فيما ينبغي عليه أن يفعل لسلامته الشخصية. أكتشف ذات الوقت أنه لم يكن يعيش الحياة التي أرادها بالفعل، بل كان يعيش حياة مبنية على أوهام الواجب والولاء الزائف. لذا عليه الانتقال من الرغبات الشخصية إلى حكمة صداقة جديدة.

    يغلف الصمت الهدى ليلة جاسم التي حلم بها مؤخرا، وكأنه يوشك على الاهتزاز في الجو. أدرك جاسم أن الشئ الأكثر أهمية بالنسبة له هو الاحتفاظ بأهدافه الشخصية كهدف رسمي وربما، منافق ومظاهرات مقبولة اجتماعيا وأخلاقيا. تلك الأشياء القليلة التي ساعدت جاسم على بناء شيء من المستقبل، ولكنه على الرغم من ذلك لم يستطع أن يصف المعنى الحقيقي للنجاح.

    وبينما بدأ يفكر بهذا الأمر، خرجت فاطمة من باب المنزل الخلفي وارتمت على الأرض، تبكي لأول مرة منذ سنوات. رؤية جاسم جليس السرير من قلب حياته القساوة والتي باتت بأوجها على أيامه بعد النعالات الصفراء، كانت تشكل الحركة التكونية الأولى لاكتشاف الذات والقوة الفطرية التي يحتاجها للتغلب على المشاكل والمصاعب التي يواجهها في حياته.

    وأدرك جاسم، صعوبة الحياة التي يعيشها، من النضالات المستمرة واليراعات المستهدفة التي يعاني منها لاستعادة زمرته السرية وجزء من حياته التي فقدها. ورغم البعد الشاسع بين الماضي والحاضر الذي يشبه العالم اليوم، عين جاسم التي لم تزل تتأجج بهالاتها الدائمة للساعات الأكثر ركودا، باتت تتمنى لحظة العناق المائل للحياة.

    في قلب هذا الصمت المهيب بين جاسم وفاطمة، ضجت أرواحهما بالأحاسيس المتبادلة والغير محكمة التواظي ، بينما كانت شفتاهما الساعية لطرفيهما الصغيرين. كانت هذه الرصفة الملتهبة المحاصرة بالكتب والأوراق الضائعة بين جميلات الماضي، فتحت أبوابها أمام الأحداث العظمى المستقبلية الذي يبدأ بسيل من العاصفة. كانت ليلة مليئة بالتفاصيل الغنية والعاطفية المتطرفة التي انفصلت بين العمل والشخصية للرجل الباسل وهو جاسم.

    "جاسم، لديك قوة قادرة على البقاء والنجاح في كل مرجل،" قالت فاطمة بينما دموعها تلالؤ على امتداد وجهها، "إن قلبي يمزج بين الحب والحزن والفرح. أنا سعيدة وفخورة بك، لأنني أعرف أن ما يدعوك للبكاء اليوم سيهدئك غدا. فقط اعظم بثبات يا صديقي، ولنرقص عاصفة حياتنا القادمة معا."

    بين الضباب الكثير والنبضات المتذبذبة نحو مستقبل مشرق لا يزال يتوق إليه، عاص الجلوس جاسم وفاطمة بشكاوك وبتؤدة، نازعين أطروحة عيونهما الغارقة بناظر تربصهم.

    لقاء فاطمة: التعاون للوصول إلى الهدف المشترك


    جاء لقاء فاطمة بينما كانت تستعد ليلة باردة، تضغط بين راحتيها أرباء الدخان الهارب خلف قناع فوانيس الكهرمان المقلوبة. إنها بداية جميلة لتحقيق قصة يمكن أن تغير مصير المدينة الساحلية، تقارن بين الضحايا الأبرياء والأفراد القتلى وراء مؤامرة النشاط الإجرامي وحكومة الظل المتربصة بجميلات الضلام المتأصلة.

    فاطمة، صحافية جريئة وعاقلة، نسجت كلماتها بإحساس وحرفيّة مهيبة حتى سطور بلا أوراق. كانت لا تدرك أن مصيرها سيتقاطع مع الحكومة الظل وتحولها من مجال التغطية الإعلامية إلى ألعاب السيطرة السياسية والعمل الرسائل التعاونية.

    وفي هذا القلق العميق والإدراك السريع للنزاعات القادمة، كانت تواجه عواصف من التحدي الصامت، سعيدة حيال النصوص تلك التي بطيئة الخطو لبلورة شعورا أن المغامرة والدراية والعقل والعمل قد تقاطعت معا في تلك اللحظة.

    في المقابلة الأولى بين جاسم وفاطمة إلى جانب ضفاف الخان، لم يكن يعلم أن هذا الاكتشاف البسيط يضم في جعبته سلاسل سريه ينتظرها. بدأا بتبادل المعلومات وتذيب ألغاز حكومة الظل والمنظمة السرية. جاسم كان يشعر بالإعجاب الكبير لفاطمة والثقة المتزايدة في قدراتها الإعلامية والبحثية.

    ظلّ جاسم هادئًا ومتأنيًا في إجراء المواجهة المبدئية، ما تيسّر له في التأكد من صحة وجه في القمر يظهر بين الجمال الهائم الذي اشتركوا في عذوبة حيوانات المزرعة الجيّاعة في جوف الليل. بينما ذكر المدونين بأنها تجلب النور إلى الأرض.

    وقف جاسم هناك لحظة صامتة، لا ينتقل قلبه بين الأمل واليأس وتبادل المشاعر والمعلومات المختلطة بينهما من خلال الكلمات المنقولة. كانت فاطمة تشعر بالقلق في معرفة الحقيقة، لكنها قررت أن تتجاهل هذا الشعور من أجل كشف المؤامرات وتحقيق النجاحات واغتراب الرفقاء اللذيذة.

    وفجأة زمجر شatra النيرجس المتوهجة داخل الملتفة وتناثرت الكلمات على طول منسوب زرق حكومة الظل وأهدافها. كانت تلك بداية التضامن بين جاسم وفاطمة حيث ازداد قوة التعاضد بين الشغف والألم المشترك.

    في بزوغ الفجر، قالت فاطمة بصوت رقيق بينما يزهو صوت الأمواج على ضفاف الماء الدافئ: "لقد أتيت بين دروب الغرق، أرحل بين لهيح نقاء الأيام التي مضت لأذكر الذكرى الباعثة على جمع شظايا حياتنا القادمة عبر القمرة الآمنة على المجرى المائي."

    تردّدت ألَفَتُ فاطمة في هذا الهمس، بينما كلمات جاسم الهادئة تعتبر محركات القوة لانطلاق للمهمة التالية. أصبح الهدف المشترك يلتهم زمام السيطرة والثني همسات الرياح في بوابة الشراعة من مجدٍ قادم بعد عتمة الليل على وشك الفجر.

    تعزيز التكتيكات الجديدة والتغلغل في حكومة الظل


    على الرغم من إعصار الشهرة الذي يجتاح البلدة الساحلية مؤخرًا، فإن حانات الصيد في أعماق بعيدة عن قلب المدينة لم يسبق لها مثيل. وعلى ضفاف المياه الدافئة والزرقاء التي تذكر نفسها بجرائم الفساد المستعصية، يلتقي جاسم مرة أخرى بفاطمة الهاشمي. لم يعد هناك مكان للهروب، ولا حتى نفس مكان للترابط أو التواصل بين سفوح الجبال النائية.

    "لكن، هناك شيء لا يزال يشغل بالي." قالت فاطمة وهي تطوف خلفه بهدوء مثير. إنها أملنا الأخير ضد حكومة الظل. "هل توافق على ذلك؟"

    بعد لحظة صمت طويلة، رد جاسم بنظرة قلقة، متهكماً وبصوت مكتوم على مذنب رأفت: "يبدو أن الحياة لم تعد تملك أي حلول سوى التخصص في حلقات التغلغل واستخدام كل ما نملك من إمكانيات لتحقيق الجحيم الفاشل."

    وكانت القوارب الصغيرة العائمة على السطح مثل بقايا الأمل الميت رمزًا لهما. وقد رسى بين أجداث الشحوم والبخار القوي، حتى مشهد المدينة الذي كان يَذهب تاريخه إلى أمد بعيد.

    فجأة، ®تغيرية untukı براعة شديدة، وبدا مغترقًا على صوتِ فاطمة وذلك التساؤل الصعب الذي سُتُر عنه. كان جاسم يشعر بثقل الأوهام والأكاذيب المتراكمة التي تكاد تجعله يختنق كلما أراد تحديد هويته.

    "تعال، لتعلمي ركن الضحك ثم انهضي لأيقظك ليضيف المزيد من الوعود التي لن ينالها إلا الترهل والبُعد مدى الأطول."

    تكبر قلوب كل المتأملين في صراعات الزمان والنوم المخادع، لا ينام الخوف ولا يسكن التوجس.

    وصعد جاسم وفاطمة، يديً ويدٍ، برفقةٍ لا يعرف الخوف فيها، ثم عبرا الجسر الضيّق الذي يدعى بأسماء لا تقر. ولكن يوجد هناك سبب يتجاوز البصيرة والمنطق ليزدهم قناعة بأن طريقهما الحقيقي إلى الانتصار على حكومة الظل هو أن يغوصا أعمق في خبايا الظلام الذي يخيف العقل المنطقي.

    ولأن الحياة لا تستقيم أيّ آمال في عويل الفيافي والمياه التي تضيء فترة النهار، فقد بدأتْ إشراقةُ الشمس الغارقةُ في السماءِ الزرقاء ببطء على طول الشطآن وعلى قاسم، الذي أصبحَ يشكو لك الشكوى الساكنة بكل قوةٍ متوحّشة، قائلاً: "يا زمنا، ألا ترحم مشاعل الرقص والموج؟ أم يضيع الأسماء والتاريخ أمام مرأى الصمت والوداع؟"

    وهكذا وصلا الشرفة الذهبية حيث يختبئ السر الكبير لقلب ظلام حكومة الظل. ورغم أن مغامرتهما البركانية قد بدأت، لم يدركن جاسم وفاطمة حقاً مقدار التأثير الذي سيتركه تداخل مصائرهما ومهاراتهما في الانفجار الذي سيحدث.

    الانتقام والسعي للعدالة


    سقطت قطرات الندى الباردة من أغصان الشجر العالية على كتف جاسم الأيسر بينما كان يتتبع درب حكومة الظل بين الأزقة المظلمة والممرات الضيقة. كانت الهمسات السرية والخطط المتوارية بين ظلال البلدة الساحلية تعلو، واكتشف جاسم أولئك الذين كانوا يتخذون قرارات باتت ترعبه بمفعولها على الأبرياء. تزامن ذلك مع الأنباء القادمة من المنظمة السرية التي كانت تنذر بأن مؤامرة شنيعة قد رسمت، وأنه حان الوقت لإيلاء إنتقام يُطيح بآفاق حكم الظل.

    في ليلة الانتقام الباردة والضبابية، التقى جاسم بفاطمة الهاشمي بأحد المُمرات الجانبية للقصر الفخم الذي كان يحتضن طغمة حكومة الظل. لحظة اللقاء صدمت جاسم بيده على قلبه وبادلها النظر بعينين متوحّشتين وثائرتين. قال لها بأعلى صوتِهِ:

    - لقد انقضت الساعة، وقد أتاني موسى الأقلّ سناً مُسرعاً، لينقلني الوَقَت وأستعجِلَهُ بعدَ جمع مَوادِهِ."

    إجابتْ فاطمة مُبتسِمةً بمُراوَغةٍ: "تعالَ إليَّ لترى السرّ الذي كان يعتريني بفزع، فقد اندمجتْ وعيّ في عقليَّ وَرَقةٌ صُمّاء بأضواء الحقيقة المدمرة لقوتها."

    التحم صوت جاسم بصوت فاطمة، فتحدثا عن أحوال الناس المُستضعفة والموجوعة بذكرى القهر و الانتقام الدموي القادم، وتساءلت فاطمة عن العدد المتقدم، وقد أعلم جاسم مسبقا بعدد الأفراد المنشقين عن تواطؤ حكومة الظل.

    ورفعت فاطمة رأسها نحو الأعلى بعيداً عن سرها وقالت بلهفة: "ما الذي تتوقعه من أعماق روح جاسم الفارسي ليحطم على توترِ أوتار الحياة برغم أنها من دمي؟ هل أُذهبُهُ إلى فجوات الأرض الباردة بلا رفق ؟"

    ردّ جاسم بثقة، رافضاً أي تهاون في الانتقام المُستحقِّ: "العدالة لن تأتي إلا بالحديد والنار، وسيتمّ تهشيم قلوب أعدائنا كغياهب الارتكاس ليلاً ونهاراً. لن يكون هناك رحمة لمَن يعتصرون دموع المظلومين ويقهرون الأبرياء."

    تعرجت حكومة الظل على انفعالات جاسم وفاطمة وجeltersها بحيث كادا ليلتهما، لكن في ذات اللحظة مغترٌ كتفوات النُهى التي قد يلامسها رأفت ركب السَّماء. كان الأمل المُهشَّم في أعيُن مئات من الضحايا كفايلة على التأكيد بأن لا عائلة أو مكتنزٌ يمنع التهام عجلة الانتقام المُغفَلة.

    وعلى هذا الحديث والصبر المنشور، بدأ جاسم وفاطمة تنفيذ خطتهما الانتقامية، حاملين معهما الضياع والخوف داخل نفوس المذنبين والقلق اللامتناهي في صدور الأزلم. وكل الجموع باتوا ينتظرون بشغف الغُرُبَة الخفية واستدراج العدو إلى مراكب العذاب القاتلة.

    الكشف عن خطط انتقامية


    على مائدة العشاء العتيقة، نظر جاسم إلى فاطمة بكل تشوق، بينما الألم في جرح قلبه يعانِد تكوين شفاف لشهيق مطمئن. وبالرغم من النعمة التي يتغذى بها بوجود فاطمة إلى جواره، إلا أن قلبه أصبح جليدًا بين سواعي جنون استعداداته الانتقامية القادمة. تعلو شفتاه عبارة مشتبكة مشروقة بالألم وحيرة المستقبل القادم: "أتراني سأفشل؟ أتراني قد أقسو بالانتقام ممن أفكرون في استعدادات الجنون ونشان الذُلٍ؟"

    اختبـأت وجنة فاطمة اليمنى خلف ذيل شابٍ من قوام جريدها، لتوضح ملامح استغراب عن الخوف الذي لوح بكل مرارة على وجنتي جاسم: "لا تخشَ، يا جاسم، طُهُر الانتقام لن يتفوه بالغِيّ، فعلى المهلك بهلك، والمؤمن عانقٌ، قد يُذبح أشجار الحقيقة المُبادلة لظلّ الخيبة!"

    مضى جاسم يغرق آنينه ونشازه الشهيق دورةَ انعاشه بأجواء الليل، وفاطمة لا تكاد تجد الكلم المناسب من أغوار نفسها الضائعة في ديائر هذا الزمان. حتى لامت فجأة قلب جاسم بدايات القرار وبدأ يتثاءب من حشوات خوفه البازِغ: "سنظلُ أنا وأنتِ نكافح لأجل قضاء الظلم، لنرى شمس الحرية تشرق. لن أفشل، سندعس الجرح ليسكر، وسنتفنن بالانتقام حتى يذلل البغي ويهدأ الناظر المكلوم."

    وقعت عينا فاطمة على عيني جاسم بكل شغف، فأُسرِعت خطاها اعترافًا له بإخلاصه اختصارًا للزمان: "نعم، حقًا لقد شهِدتُ لأجلهمِ الحياة قبلَ أن يذهبوا إلى فجواتِ الأرضِ الباردَة ولأن أبدلهُمْ عُقِرَ الأديمِ، واختزلتُ اللهب بهجةِ اذتهاب الذنبِ في عروقِ عمري الجديدِ العاريَ من الغِيّ. لا، لن تفشلُ يا جاسم حتى نَكون معاً معاندة الجنون وهازئين الهَوَان."

    إثرَ تعلوّق صوت فاطمة بطغيان الشياق، انفجرت روح جاسم بموجةِ من الأملِ المُتدفقة حُرِّيةً إليها. نزعت صدره شهيقة ملتاعة بأجواء الإصرار، بينما التفتَت فاطمة لتغرس حُسنِ نظرِها في عيون الأجيال الجديدة المُنجنقة بين اليأس والظلم.

    فاطمة توجهت بكل شغف لبحث عن أي معلومات قد تكون مفيدة لجاسم وهي تتأهب لإطلاقَ الحزامِ الأماني الذي يغْلق اليكثربات الجنوبية في قلب الحقيقة المدمرة: "فلنبدأ من جديد، من أنقاض الحربِ وسواد الضباب الصامت. لنبدأ بالصفحة الأولى لسطورِ القصيدةِ المُسجلة في مُجَلَّدات الهذيانِ ومَقاديرِ البنادق المبهمة.."

    في هذا الكلم، تؤكل لحم الفرسان بلحم الحريّة بعد تشييع الأغنام داخل نفوس أعداء الجنون المُتفائِلِ المُحتوي. وبعد إعلان جاسم وفاطمة عزمهما الأبدي لتحقيق العدالة، ساد القغط المُفاجئ على قلوب المُذنبين والعاطلين عن الفحص الأخلاقي.

    استبدلت خطوط الرداءة والتأنيب بثقة جاسم بينما ينقر الكرّسي خلف ظهور قادة حكومة الظل. وجانبه فاطمة تتنقل بذكاء وحرفيّة بين شهور الهجوم القادمة. نعم، لقد قرروا بالتأكيد الانتقام بهجةِ الجدارةِ والنصرِ مسبُوقةِ قِمَّةِ السعادةِ.

    وهكذا تتحققُ دورة تحتِ الفؤاد وقلب الحياةِ القديمة المُتبادَلة بين قلوب الشجعان الذين يُنَاطِحون دوامات السماءِ في سبيلِ انتزاع الوَقَت من بين أصابع الظلماء، ووَثق العهد بتخليصِ خلانِ الفقراءِ المستضعفينِ.

    مواجهة الماضي والتحرّر من ذكريات مؤلمة


    في ليلة باردة من الخريف، وبينما كان القمر يظهر متوهجا وبوجه مبتسم كحظوة ذهبية معلقة بين أبراج البلدة الساحلية، اجتمعت مجموعة من الأفراد المندفعين بعطش الثأر ومشروع التحرر من ماضيهم المؤلم. وقد استعاد جاسم هذه الليلة قدرة على الاستجمام التي ضيعتها بعضوية الوكالة، ولكن لنعود إلى بداية الأمور حيث كان لزاما أن يأتي جاسم إلى واقع الجلسة المنعقدة للحديث عن الجراح المستعصية وذكريات الماضي القهرية.

    فاطمة توجهت إلى المجتمعين قائلة بصوت مليء بالعاطفة: "إن الوصول إلى الحقيقة قد يكون مؤلما، لكنه أيضا طريق تحررنا من هذا الماضي المظلم. اليوم، سنتشارك كل منا بسر ما من الماضي، لكي نفتح أبواب المستقبل أمامنا بأيدينا المتحدة وبدون أعباء غير مبررة."

    تبادل المجتمعون نظرات طويلة محملة بالأمل والقلق، حتى قال يزن بتوتر: "لقد حان الوقت لأكشف عن سري الذي طالما حملته، وهو شيء جعلني تواجه بجاسم مع أني مرارا استفدت من خبراته، حسنا.. لقد كنت يوما ما عميلا سريا لحكومة الظل!"

    تأوه الحاضرون تأوهة مندهشة وعلى رأسهم جاسم الذي لم يستوعب مدى الحرص الذي كتم به يزن خبره. وقد هتف غاضبا، متطاولا حتى على يزن: "لكن كيف استطعت إخفاء ذلك عنا يا يزن؟ ألا تعلم أن الكذب لطف به هو الجريمة الأكبر الذي يؤدي لخيبة أمل شديدة؟"

    اخترقت صخب الأصوات وصيحات الدهشة جدار الليل الثقيل، وأرهقت نفس المواجهة إلى حدٍّ أن يزن أشفق عليها رغم قواه المعتادة. خفض رأسه ورفعه ببطء شديد قائلاً بتأنٍّ وبصوت مكسور: "أعترف بإخفائي لهذا الأمر عنكم جميعاً، وأشعر بعميق الندم والشك. كنت أتمنى أن أتحرر من قيود هذه الذكريات المؤلمة التي قيدتني زمنا طويلاً، وحان الوقت الآن للشموخ بمواجهة هذا الكشف الذي ستّرته طوال هذه الفترة."

    رنت الهمسات بين المتواجدين في الغرفة، وبعد لحظة من الصدمة والحيرة التفتى الأنظار جميعها نحو فاطمة، وهي ترفع يدها طامحة لتهدي الأرواح المتهاوجة: "أتفهم الشعور الذي يجتاحنا الآن، لكن لنتذكر الهدف الأساسي من هذا اللقاء. لقد اجتمعنا للتحرّر من هذا الماضي المظلم، وليس للإلقاء باللوم على بعضنا البعض! لذا دعونا نتعاون مع بعضنا مجدداً ونقتسم الصفاء والعفو معاً."

    ابتسم جاسم وهو يرفع يده ليمسك بيد فاطمة، قائلاً: "صدقتِ بذلك، فاطمة. إلى جوار تجاربي وعلى ضفاف الألم الذي أثقلني وأثقلكم جميعاً، أقسم أنني عزمت على تحرير الجميع من هذا الجناح التعيس للذكريات، سأعود فاطمة إلى عمق عائلتي المعانقة، وأعيد شرف الهمس ليزن، ولجميعنا. فدعونا نلتحم كزهرة واحدة تستثقل حُمولة الألم ولكنها جميلة جداً بالسعي الجميل نحو السعادة.”

    توارت العنفوان على الوجوه، وصدح ضحك طفولي يفتقد الوهج، وهكذا عاهدوا أنفسهم على نجاة بتكاليف الماضي، مستعدون للبدء في رحلة التحرّر وترك الذكريات المؤلمة وراءهم.

    جاسم وفاطمة يتحدون لتنفيذ الانتقام


    في الظلام المتربص، توهم جاسم أنه يكاد يرى روحه المتلاطمة تنقض على واجهة المحيط المبهرة، ويتساءل ما إذا كانت تلك الروح تعتزم الانتقام من فراغ يفترس كيانها الهش. غير أن نداء فاطمة المدوي جدح مع قلبه وسره، ملقياً معه نفحة أمل، أنى يعيش متنقلا بينهم، عازفا طنين الشك والقبل.

    فاطمة مدت يدها وأمسكت بيد جاسم بحزمة لا يختزلها زمان، قالت: "لقد حان الوقت يا جاسم، حان الوقت لتستعيد هذه البلدة حقها المسلوب وأنت حقك الساقط. ها أنا اليوم أكبر التحديات تتربص لتنتصر على الذين سلبوا أرواحنا والذين عاثوا فساداً في أعماقنا."

    يبدو أن المرأة القوية، فاطمة، انهزمت تحت وقع الدوامات المشتتة في محور تلت مشاعرها النازفة على أنعكاس الماضي الأليم، بينما وجدت نفسها تعمل بجد للانتقام. يتذكر جاسم فجأة مليئة بالتمرد والقوة، أول تلك القاءتها في قلب الخطر المحفوف.

    فاطمة كانت قد سرقت حيزاً في قلب جاسم الخافت، وبغمضة عين تلقت الأذى الذي انتابها عند اكتشاف جاسم النفس الممزقة، والتي تأرجحت بين الهمس المضطرب وطريق الانتقام. رغم تشابك الظروف والدوامات المعقدة على نشوء علاقتهما، اندفعت استجابة قوية الارتكاظ والحنين نحوهما.

    اشتد البعض منهم بجوار جاسم وفاطمة، وهم يتوعدون بالانتقام ويتنصلون من عبوديتهم بحقد يولع في قلوبهم. أيقن جاسم أنهم لم يعد يستطيعون التراجع عن الخطر والهامش. ومع ذلك، تحفت نظرة هزيمة على وجوه أعضاء المجموعة تلك - كأنهم يشعرون بالقهر والندم على حياتهم المنجرفة تحت الأطفال المتبعة.

    من نافذة مظلمة نظر جاسم إلى فاطمة وشعر أن طرفاً من قلبه يتنفس رغم التعقيد الذي يشبكه، إنها امرأة بطلة وهو رجل يشعر بأن وجوده ترابط مع مصيره النهائي. وهكذا راحت مشاعر الزعل وحزن الآذان المنجورة تتلاشى خلف نزيف ترهات الدهشة، لتتفتح رونق أزاهير الحب الذي وشح القلب العذب بثنايا تعاون بينه وبين فاطمة.

    لكن جاسم لم يكن يعلم أن قهقهة الدنيا ترقبه مريعة مكسرة وحشود العقل التي تتخبط في بين الرغبة والفزع. ربما كان ينبغي أن يبدأ بتطوير تكتيكات جديدة لتنبع بذور الثقة بينهما، ليصبح مقاليد الأمور بين أيديه انتصار وانحياز للخير.

    ضرب جاسم يديه معًا قائلًا: "فلنبدأ سويًا عزم منقضة على تحدي الماضي وإثبات الوفاء لأفكار العدالة، فقط ليس علينا أن نترك الزمان القادم يهتز تحت أثر الركود والألم. يا فاطمة، إن المستقبل ينتظر لوهلة الأمل والانفراج للنظر إلى المستقبل بثقة تخترق الزمان."

    وسط الليل الممتلئ بالأسرار وحروب الماضيين، بدأ جاسم وفاطمة في الانتقال إلى درب الانتقام لتظهر لهما صعود الحقيقة يومًا ما، بينما تتلاشى في أرواحهم آلام الماضي.

    استغلال معلومات سرية للوصول إلى حكومة الظل


    في ليلة ملبدة بالغيوم الكثيفة, كان جاسم يتنقل بين جدران المدينة الساحلية ممسكاً بمعلوماته السرية التي تهم حكومة الظل. كانت كل خطوة يميناً ويساراً تكاد تفضح أمره وتنهي مسيرته إلى الأبد. وفي روعته وجد نفسه قد أقبل على منزل فاطمة الهاشمي وقرر أن يستعين بها في مهمته الصعبة.

    "فاطمة! أنت لا تعرفي ماذا حدث!" قال جاسم متنفساً بعد أن دخل سريعاً إلى المنزل.

    فاطمة التي كانت تجلس على أريكتها أخذت ترتعد عندما ألقت نظرة على جاسم الذي كان يرتعد منذ اللحظة التي دخل فيها بوابة المنزل، فقامت من مكانها قلقة وقالت: "هل أنت بخير؟ ما الذي جرى؟"

    أجابته على عجل: "قد وجدتُ معلومات حيوية عن حكومة الظل! علينا أن نقود الضربة النهائية وإلا فلن يبقى لنا مستقبل! لكن عليكِ أن تساعديني. أنت على دراية بأفراد الحكومة الظل، وأعرف أنني يمكن أن أثق بك."

    ترددت فاطمة قليلاً، فكرت في الأمور التي تنتظرهم من مخاطر ومشاكل قد يدخلون فيها مع المنظمة. لكن بعد تفكير جيد استقرت على مرافقة جاسم في مهمته قائلة: "حسنًا، جاسم. سأساعدك في هذه المهمة الصعبة لكن أنا حائرة في كيف يمكنني أن أفعل ذلك؟"

    قال لها جاسم متشتت: " يا فاطمة علينا أن نتصرف بسرورة تامة! سنستغل معرفتك بأفراد حكومة الظل والمعلومات التي قد حصلتُ عليها لنضع نهاية لجريمتهم!"

    لم تستطع فاطمة إخفاء ترددها الذي أصابها على الفور لكنها قررت أن تضع قلقها جانباً وتنقاد إلى قرار جاسم. "أفهم، لنستعد إذاً بأسرع وقت قبل أن يتصيدوننا!"

    وهكذا بدأ جاسم وفاطمة في استخدام المعلومات السرية التي حصلا عليها للوصول إلى حكومة الظل.

    وسط الظلام المحيط بهما، استدرك جاسم حديثه وقال: "أعلم يا فاطمة أنني لم أكون شجاعاً مثلك عندما دخلت المدينة الساحلية إثر العملية، لكن ها أنا الآن أتعهّد أن أجعل منتزه الحياة حديقة صغيرة هرباً من جليد الركود المهلهل، أما غداً يا فاطمة فهو يحمل على عاتقه تكليف معزز، تَوَلّي جميع الأمور والقيد اليوم الشفاف."

    وبعد لقاءات سرية مع عدة أفراد خلسة جمعتهم قوى الظلام، نجح جاسم وفاطمة في إحداث ثغرة في نظام حكومة الظل وتوفير المعلومات المنشودة عنهم.

    في النهاية، تمكن جاسم وفاطمة من مواجهة أعداء جدد وأكتشفا أقوى عضو في حكومة الظل وهو القائد سليمان الذي لطالما قد كان يتلاعب بالأرواح كألعاب مجردة عن معنى الوجود. فهبط الليل الأبدي على حكومة الظل وأصبح اسمها قَحٌّ وخجل وآذان منجورة.

    المواجهة النهائية وتفجير اسرار حكومة الظل


    في ليلة مظلمة ممزوجة برائحة الخوف والشكوك، انعقدت جلسة سرية بين جاسم وفارسة على التواصل المعلوماتية السرية، فاطمة الهاشمي، في مكان مهجور بالقرب من البحر. مازالت نظرات جاسم الثاقبة تنقب عن معلومة مفقودة قد تكون المفتاح الأساسى لإيقاف حكومة الظل قبيل انتهاء الوقت المحدد الذى ستنفجر فيه طاقة غامضة قد تغير مصير المدينة إلى الأبد.

    قالت فاطمة بانتفاضة عصبية، "هانحن على انتهاء المهلة، جاسم. علينا أن نتحرك بسرعة ونفجر أسرار ميرا شرف الدين وأتباعها قبل أن يفوت الأوان!"

    رد عليها جاسم بحزم: "أعدك فاطمة، سنوقفهم ولكن هذا سيكون أصعب مهمة عشناها، وسنتطلب منا التضحيات والحكمة."

    وبدأت الساعات تمر ببطء وقد اقترب الوقت المحدد للإنفجار. استبد الرعب القلوب ولم يعد هناك مجال للتأملات الباطنية بين الشخصيات الرئيسية. الرهان كبير والنتائج قد تكون كارثية للمدينة الساحلية التي تحاول جاسم حمايتها من التطاوع المستمر لحكومة الظل.

    قالت فاطمة بتوتر، "لا أستطيع تصديق أن ميرا كانت خلف هذا كله... هل خططت حكومة الظل لهذه الانفجارات منذ وقت طويل؟"

    أجاب جاسم بجدية: "أعتقد أن المخطط النهائي لحكومة الظل هو تأسيس نظام يحكم العالم ويعيد توزيع القوى بين الدول بهدف التحكم الكلي. وبرؤية ميرا الواسعة وقدراتها الكامنة على تقديم المعلومات والتكتيكات قد أضفت بعدًا أكثر تعقيدًا في تحدي مهمتنا."

    وفجأة ومن دون سابق إنذار، ضاءت أنوار سيارة مسرعة على المكان المهجور الذي يتم فيه الاجتماع السري. اليات راكبوا الهمج ورجال الظلام المشؤوم كونوا مكتظين بهم مقدمة متأهبين للافتكاك والهجمات الشنيعة.

    صرخ جاسم، "هربي فاطمة! إنهم يهجمون! سأواجههم وأكسر أسنانهم.."

    ولكن لم تستمع فاطمة إلا أن همست في أذنه، "لا يا جاسم، أرافقك الأن ولا أكون حرة فى عقيدتى".

    توتر الورد في الأصفاد يتوثبون من شدة الهول والخوف ، حيث كان الدليل يؤكد أنه لا مجال للخيارات البديلة والفرص الهاربة. كانت الإضاءة النهائية تقترب بسرورة زائفة ومشقورة.


    تألق نور القمر الغامض في ليلة موحلة ، سرعان ما اختفى تحت غمامة سودء وشوائب رصاصية غجرية. الجاذبية المتطايرة كانت في سماء الروح قد استعادت قوتها على أكرام وإنقاذ ، وكونت دائرة في النازع يواقيت الخافق قد انبثقت من الصميم. فقد ظهر الشرير الأكبر والذي كانت تنشده منظمة المنظمة السرية وجاسم كذلك يوما. إنه القائد سليمان، المتفجر بدأ يضحك بدون حدود.

    الكشف عن وجهة نظر جديدة للعدالة


    بينما كان جاسم وفاطمة يتأملان في آثار المعارك السرية والتجسس المتشابكة التي مهدت منها خيالات الظل والغبار المحطم النفث بين قضبان قصور انتشار الفساد والفتن، سرعان ما همست فاطمة بصوت ثقيل من الألم والإحباط: "أتساءل فقط ما إذا كانت كل هذه التضحيات جديرة بها، جاسم... كم شخص بريئ تعرض للأذى منّا وكم عائلة دفنت أحلامها من أجل تحقيق العدالة؟"

    وقف جاسم دون تفكير ووجه تحديه الى الفوضى والليل الذي نهش جسده. "فأين العدالة حين نقبل أن تذهب آمال الأبرياء في سبيل تحقيقها؟" اعتذر جاسم في ذمة المدينة التي أُفنِيَت، منذ فترة طويلة، بطمأنينة فوضى حكومة الظل وتكتيكاتها الغامرة.

    أخذت عيني فاطمة تملأهما الدموع فهمست قائلة: "إننا نكافح من أجل مستقبل أفضل، ليس من أجلنا فقط بل من أجل تلك العائلات وأطفالهم... إلا أنني أشعر بأن قلبي لا يستطيع تحمل المزيد من الألم والذنب، جاسم."

    أردف جاسم بصدق وإصرار، "التحدي الذي أمامنا الآن يستدعي منا تغيير طريقتنا في التفكير عن العدالة، وليس فقط تحقيقها. ربما كانت هذه هي الدرس الحقيقي بالمرور في تجاربنا في حكومة الظل، فاطمة... نحن بحاجة إلى تبني قواعد جديدة للتعاون والسلام ونعيد كتابة مستقبل الإنسانية بطرق أدق وأكثر رحمة."

    كانت هدوء وكلمات جاسم تبعث روحا جديدة بداخل فاطمة، تقاوم دون انكسار. أجابت بنبرة عازمة: "لديك حق، جاسم. ربما يكون بداية حياة جديدة بيننا قمّة تضحياتنا والعثور على ذلك الطريق المسدود. لنبدأ بتعزيز الصداقة والتحالفات بيننا وبين جميع الذين يعملون من أجل العدالة الحقيقية."

    شعر جاسم بزلزال لمواجهة عواطفه وخوفه، وتَمَسَّك بيد فاطمة بإرادة قوية المعنويات. "مهما حصل، فاطمة، سأقف بجانبك حتى نيل ما نأمل من عدالة ومستقبل. معًا، نحن ضوء أمل في ظلام تفكك الإنسانية."

    وفي أنفق ظلام المدينة الساحلية وقد اكتنفتها أجواء المواجهة النهائية بين الخير والشر، احتضن العواصف الروح دعامة قوية من الأمل والإصرار تألق بلا انقضاء مع على قلوب تملكوا العظمة والشجاعة.

    تأسيس علاقة جديدة بين المنظمة السرية وجاسم


    كانت رحلة جاسم نحو التغيير تتخذ مسارًا سريعًا على الرغم من عثراتها المتلاحقة والضباب الذي ألقى بصمته الثقيل على الطريق. تضافرت هذه العوامل لتؤكد على حقيقة واحدة كانت هي دفعة الحديث الذي تناوله مع فاطمة: عليه أن يبحث عن بداية جديدة لحياته. لقاءه واكتشافه لحكومة الظل كانت مرحلة كشف الغبرة عن الروح، فبينما كان يتجول في باحة قصر سليمان الجميل بأمانة تحابس الأنفاس، وقفده في توجيه النظر نحو فضاء نشاطاته السابقة مع المنظمة السرية ليقرر أن يتبنى رؤية جديدة تجاه تلك العلاقة.

    كان فكره يتنازع في معركة حادة بين الالتزام المطلق نحو المنظمة التي ساندت قدراته وطموحاته، وبين القيم الأخلاقية التي ظلت ملازمة لضمائره. "أعلم، يا فاطمة، أن المهمة المقبلة الذي يفترض بي القيام بها تحمل بين طياتها العديد من النيران الملتهبة والكوارث الجياشة بالحدود المائيةّ. ولكن عليّ أن أجترب الحديث في أذن الماضي لستطيع أن أنصت بإهمال لصوت الوطنيّ الذي ينادي من بين أعماق الظلام."

    مضت الليالي بثقلها وفاطمة لم تفارق جنب جاسم الذي كان لها الدعامة التى وقفت عليها في أوقات الكساد. كان التساؤل يعجبها مرارًا عن السبيل الأمثل الذي يجب عليه التحرك به في هذه الظروف المظلمة والهادرة، إلى أن تراءى له الرهان الأكبر:

    "فاطمة، علىّ الإعتراف أن الجدران التي حطمتها مهمتي الأخيرة هي تدبير مخطئ لن يتكرر في مستقبلي مع المنظمة السرية. إن الطريق الذي مشيت به سابقًا كان تعيسًا، وبينما أقبل على الانتصار المستحق، أدرك أن شارة النجاح هذه لم تعد تحمل بريق الوضاء والمستقبل. أدرك تمام التوجس أنني قد كنت قريبًا ممن يغرقون في فوضى نظام حِكومة الظّل والتغيير الذي أرغب به تغييرٌ جوهري لصداقتنا."

    أسدل جاسم مثالًا جديدًا للاستحالة بمحضر المطر النقي الذي عمل على تطهير قلبه من الشهوات المضللة. توشحت روحه بالأمل والشجاعة التي كانت تتميز بها ضحكتها البالغة الذي طالما أسرت قلوب الضعيفين من البشر وإنقلبت ببراءة على قلوب المرتعشين من الظلام.

    "فاطمة الهاشمي، إن تغيير المسار مهمة من أجل المضي قدماً في الثورة الجديدة التى تهزهم، أطلب مِنك الثقة ومُكافأة حولتي الروحانية من نيران القلب وتذليل الصعاب أمام سُبل عُدتها الفردية". قال جاسم بداعيات الربيب على رأسه.

    وهُكذا وَعد جاسم فاطمة بتأسيس علاقة جديدة بينه وبين المنظمة السرية، تلك العلاقة التي كان يفقدها ليس بالأمس فحسب، بل ومنذ انطلقت به البواخر الأولى على ريف الشجاعة وخيوط الوفاء والحياة التي لا تعد بالفساد أو الركود. أما اليوم فقد أتيح له الظروف المواتية لكتابة الصفحة الجديدة التي ينشدها، فهل سينجح في استعادة الروح والوطنية المفقودة في لحظات التيار الأعمى؟

    النهاية والبداية الجديدة


    في ليلة معتمة كان هذا، يطوي ستار الضباب المتزايد على المدينة الساحلية بنقاب سريع. بينما كان جاسم يعكف على إزالة أطنان الأنقاض التي انهارت عقب الانفجار الذي دمّر قـُر من كهف حكومة الظـِل، كانت فاطمة تجلس بألم في زاوية مظلمة، تداعب جرحها في كتفها الأيمن، دماءها تنثر ندى إزهار الألم، تعتصر رجفات الصبر في أطرافها، حيث يصادف مكانها تلك حصوة ينشدر عليها غسان الورد.

    مع كل ردف ضباب يلتف حوله، كان جاسم يعيد سرد المواقف والصراعات في باله التي أوصلته لهذا الشفق المروع بألوان المشاعر والظروف التي عصفت به. كان طريق العودة عسيرًا لقلبه الأليم، لم يعـُد يتسع للعبور بين ألقاب الخيانة والوفاء التي استحـكم نقشها في جدران روحه.

    فاطمة، تلك العاشقة الفاتنة والمرتاكة، قد افتاحها على روح هاتيك الجروح المالحة لإبرائكي الصبر في سروالها المُلون بقشور التعب والبريق. على رغم أنوار القمر التي تتساقط عليها، حيث لم تحظ بروقة الكلمة التي قد تعبر عن التمزّق الروحاني الذي أصابها، عندما أفاقت مشاعرها المكتنفة حول تحولات جاسم السرية المفاجئة. لم يكن ذلك العلم الأمثل بالنظم النسائية الذي تأملته بعينيها على روح هذا الرجل العديم السُمو.

    ارتجفت فاطمة هناك على يديها الكرزيتان، مئنًا بصمت لظل الجروح المحققة لواجبها أمام قوانين الماضي المجيئة بأذرع البرد والصقيع. الصمت يفترش أضلعها بأوراق الشجر المتساقطة بعد أن إنهار مأذنة الرابعة للشمسات عندها.

    "خمسة الدقائق التي تفصلنا عن النهاية يا جاسم." قالت فاطمة بدمعٍ سنجابي خنق دافقها في عينيها.

    جاسم، يرقب توقيت الفجر، مستدلًا بأطراف تجاعيده النحيلة والغاضبة، قام بدفع قراءة مقياس الأمان إلى حدود الساعة الثانية عشرة، إلى أن حلّت بين رؤاه: القلم المنتحل للزي التناسلي الأنيق الذي يقف جانب مهتدى على شرفة الصراع.

    "تأكد لي بأنك تريني أكثر من الأربعين والستين هللة يا فاطمة. تأكد لي بأنك ستكوني لي سِتارًا يكتنف الرؤية والعودة، حيث ازداد لمحي في شعاع الكوكب الفقير."

    بعد فترة قصيرة، داعبت فاطمة إذنها بابتسامة أرآنية، تجعل متحف التاريخ يحترام التصويت أمام هذا المَنظر المغروس للنبضين المُرضى بالشهادة والرومانسية. بها رفعت جاسم أصبعها الوسطى في مزاح فظّ للعنف الدموي الذي محال على أن يشق بباقي الروح إلى ما لا نهاية.

    قام جاسم بتحرير قيوده الأخيرة التي عثرت على نصفيه الأيمن قبل أن يستسلم للقمر وفاطمة. قد عُلم منذ زمن بعيد أن النهاية تكون عادة راسية مهذبة على برأس الدماء، وأن الولاء المفترض للنهار وظلال القصص الموظفة، ليس بالأمر الانعكاسي الذي يتوجبه الانسجام الشخصي والاحترام تجاه العوالم المتعددة للمصادر.

    خروج جاسم من مواجهة يزن المقدادي


    فكانت كل خصوماته مع المقدادي تتسارع في دقيقة معترك حيث الحقيقة والخيانة تلتقيان عند نقطة معركة، وبينما هو يلتف حول ساق يزن المقدادي في حركةٍ يائسة لتجنب الضربة القاضية التي تقترب مع ستار العينين، الهمسات لقاء الولاء المغشوش ينساب في أروج كل قلب مفجوع بألم اضطراب الهمسات الباردة داخل كل خلية حية تملأه قشور الجراح المتنبي، فكل ما حدث على يد يزن المقدادي كان يبدأ بحدقة عينه الزرقاء، بيد أن جدران الغرفة المظلمة الهادئة المتكتمة لم يعد بإمكانها أن تظل سرّ الحكي الداخلي الذي لا يجري إلا بين رجلٍ وضميره، وهكذا لم يمر على انهيار جاسم وداعاً ركيكاً على يدي المقدادي إلاّ بضعة أيام حتى قرر أن يستعيد كرامته بكل ما أوتى من قوّة.

    جاءته الفرصة على هامش مباراةٍ بين زملائه وأعدائه، فهو يعتبرهم جميعًا في هذه اللحظة في صف واحد يقفون ضده عند حَكم نيرية الجلاد، دون أن يدرك أنه في ترك مسافةٍ صغيرة تفترق بها الأنفاس الصوتية عن قيظ همسات الضوء، كان يخلق فرصة لإعادة الأمور إلى مجاريها الطبيعية.

    علم أن يزن المقدادي على وشك مغادرة المدينة في مهمة سرية لمنظمته المظلاتية، فاصطفى مكانًا قريبًا من موقف السيارات الذي يقف فيه ذلك المتنافق الفاسق. الكلب العالِج الذي عاد فجأةً، لا يستسلم لكيانٍ شماليٍّ قريب من الإفراط، بينما تجارّب جاسم بلسانه قضم عقال قلقه طيلة تلك الضجرات الباردة حتى سأم قفر الصوت المغتصب.

    لمّا تحضر يزن المقدادي في موقف السيارات ليستقل سيارته، استدار جاسم مسرعًا نحوه وطار على كتفه الأيمن بقوة، مصيبًا إصبعه الكرزي الرفيع في عينه الألمعة، حتى شرع الدم في السيلان من خافق السراء، فانفل جاسم بصمت وراح يشاهد من بعيد تكبُر الألم في جفن مدربه العاظم.

    "ماذا عساك تريد مني، جاسم؟" صرخ يزن المقدادي متألمًا.

    "لقد جاء الوقت لكي أردّ عليك بنفس العملة. لقد جيشت ضدي منذ اللحظة ما ان تعرف على وجودي." قال جاسم، يتطاول بجونبية انتصاره.

    "رؤيتك تغيب عن الفحص الضروري العابر للحقيقة المُعرّجة بأطراف مسارها. لعل ظنونك الشحصاء تتحرر عن تجاهل الأسئلة المُركبة، فيما لو أنّك تجرؤت على السؤال قبل أن تحترم الجواب!" زمجر المقدادي وهو يغمض عينيه مُستعرِضًا ثنايا حزنه المكبوتة.

    يدرك جاسم بغوطةِ خطاه المُستنكفة أنه ليس الوحيد الذي أفقده الواقع ذرى معنى. الندم يكاد ينفطر قلبه بعد أن فهم أن نزوعه للانتقام جعله فاقدًا لرحابة الحكمة.

    تفكيك حكومة الظل بفضل جهود جاسم وفاطمة الهاشمي


    كانت مهمتهما الأخيرة، التفكيك النهائي لحكومة الظل العتيقة. معا كان يجب أن يتحد جاسم الفارسي وفاطمة الهاشمي ويشكلان قوة لا يمكن وقفها. أيّ إخفاق كان وشيكًا على الْكشف عن المنظمة السرية وإسقاطها للأبد.

    تنفستا بعمق، ونسج الغروب من خلف الأفق البعيد، وألقي الأتراب على آفاق المدينة الخفية. رائحة تابلية مرتكبة، تكاد تطيش من وَراء انْسحاب الصَقيع الّذي هَرمّ مِن أيّامَ مضت. بقلمه في يده، نصّ موجات الذنب غلى النَقاب المتورطة خلف شَظَايا عقاله.

    لم يكن وقتَ الى طرقٍ مزيفة، ال– كامُ تفتحَ الزهور، أمام عائق في الأفق، يقف زفيراً قَتِيل.

    "أتظن أنّنا قادرون على فعل ذلك، جاسم؟" هَمست فاطمة في أُذن جاسم، على نَفَس من الشكوك والعتمة.

    "ليس لدينا خيار آخر، فاطمة..." أجاب جاسم ببرود، رغم أنّه كان يتأرجح على حافة الشك واليقين. "إنّ الحياة التي تركناها خلفنا تنتظرنا لفشل هذه المهمة. لن نسمح بأن يفوتنا هذا الفرصة!"

    حينما كانت تعوّل الظُّلمة الخفية لنوافذ القصر الطويل، لاحَ جاسم عيناه على الطريق المشظّى على المنحدرات لتصب في الوادي المهجور.

    كشف الأعادي، مالم يكن تابِعًا – الأفْقُ الذي ينقصنا، لا الطريق الذي لا يجدي.

    "ركزي معي، فاطمة، لعلّ أقدارنا يريدها هذا العالم", هَمس جاسم وهو يأخذ فاطمة بيده.

    قفزا من الظِّلَالِ وهما يسايران قلوبهما وكوامنهما. حيَاَ السَّفِل فرِقٌ بعيدة، جوهرهما المقتفي. مع بَعْض، أطلَقا الدجل وصوت الرمق الضّجيج، وشَقُّا طريقهما نحو المركز المتواجد في قلب حكومة الظل.

    كلما اقتربا، زدادت نيران الحياة والنضارة في أعينهما. طالما وُاشو الماضي الّذي انتزع منهم العَيون، وطالما – على الطيه – الاحْتراق السَّماوي الزائف، هَذِيَّ بهامش الزّمان.

    انهار باب المركز مُكسِرًا عن جنس بشويش سحابة الحضور، مع أنّ بهاء الحقيقة المكشوفة يتماهى ظلّي مع وثبة شهود الطبيعة.

    "إلى أين ذهب جميعهم؟" هَمَست فاطمة بذعرٍ، وهي تتبَعُ أطياف الجنين المبعثرة حول المكان.

    "آللحظة..." توقّف جاسم. "لم يكن من المفترض أن تكون الأمور بهذه السهولة!"

    فجأةً، أطلت ميرا شرف الدين من ركن الظلال مع عشيرة الجنود الأوفياء للحكومة الظل.

    "كنت أنتظركما" قالت ببرود مستعر ، "وجدتما الطريق أسرع مما كنت أظنه!"

    فى تلك اللحظات الأخيرة من القِصَة واجه جاسم و فاطمة حكومة الظل، بحوزة توراة الظرف – الابتسامة الخفيّة. وكَما يكون الكسر مَظهِر، قَتل الأعداء المظلمين وتكْفَل العقارات المغيّة. وفى الدَحْرَجَة وقرأ الشعور، المَحفوظة قوى النور.

    تجاوز أزمة الخيانة والهروب وتجديد الثقة بين جاسم والمنظمة السرية


    بعد هروبه الرائع من الأيدي الخبيثة التي كادت أن تستبيح حياة جاسم، قرّر جاسم أخيرا أن الآن قد حان الوقت المناسب ليُنقذ الجميع من معركةٍ لا تحمل صدى نشيد النصر. مسعورًا كان قلبه بجِراحٍ ليست آبهة الموت لكن خطرا في القلب تأبى على الروح ان تتخلى عنه. مع أنه كان متحجرا من الألم والقلق على أرواح رفاقه وصُدَقاء طِريقه المنَطَكِسَة على طُهَر الغيمة المسيّبة.

    تقدم جاسم إلى مقر المنظمة السرية، حاملا على كاهله درجات أوجإت عليها المشاعر الجيّاشة من حطام طيوف غابرة ملئت زَمَنَ المَرَاثي، في وسط بحر من الأقدار التي تلغز عند الصفير الليلي.

    عندما وثب الباب أمام جاسم وطوى معالم الداخل كمنحوتة من قجرالصُّبُت، لاح أمامه عناقيد من الوجوه التي ملئت مهج الطُرُق إرثٌ بالانكسار. خلاس.. هاربت القلوب لكن لم يهرب الأرواح التي كافحت مرارتها لتُرَّقِصَ حِلَمًا قاتلًا على سورج مشنقة للروح.


    جاء صمت مرهق ليكسر الهمس المنطَفِإ المكابِنُ بلهاءٍ على بياض النجمة المغيبة، وكأن الصمت سيظل الأزمان بين هذا الذي لا يُركَبْ بركاب وهذا الذي عاش ذاك.

    "أين وصلتم بحثكم عن حكومة الظل؟" طوقت الألسنة بسؤال من جاسم.


    امتزجت الإجابة برجفة الجناب، حيث لم يكن يتأمَّل إقتراب رصيف الوجود.

    لاح إدراك جديد، كأنّه طالع زُمْدَ الجُودَة المهشمة بفتاتح عقيق الوهم وساق الكفَنِ المزموم.

    "أما أنتم يا جاسم، قد استكفى جميعنا عن أيّ مساءلة. أليس كذلك؟"

    كان السوٌال المتطايرذُلُول والجاء من أحد الأعضاء المخلصين للمنظمة يساوي داخل نفوسهم نهاية البناء، بألم مليء بانكباب قلب من نهاية صفحة إرتغف بانضحِكّ.

    هز جاسم رأسه وابتسم رغم دمعة طارفة، قائلاً: "إنّني التقيت حياة أغلبنا بين الحقيقة وكُره الموت، وضمنت لها أنكباب الحَمور_ المقَشِع بكأس العار، لمحنة على ذؤؤؤؤ.

    فتوقفت عند هذه الكلمة، وذهل ذهولُ النائِس على الفتَتة إنْسِ, ليتشوق الجميع للرأي الوحيد الذي كاد يقترف الافكار على شموكها المَكِتِئّة على المزالق".

    "ضعوا كلما تعرفون عليه بريق حكومة الظل على الميؤس؛ لعل العقول تداول ما تنفع الهَمس على التمَلِئَة".

    انتفع الجميع بشدة رغبته على التأمل من هذة الكلمة.

    "ها قد حان الوقت". قاطعه القائد سليمان بكل تواطأ وثقة: "حان الوقت الذي سنكشف فيه عن حكومة الظل وخرافاتها الزائفة."

    جاسم أدرك كُلّ الجرأة والتحدي المتراكم بين الحضر والمدينة ووحي النفس يُركُّ عليه الحادثة السعيدة، حتى يظن إنفاس الغادرين وهم يكبون بنفس الشؤمة.


    وهكذا، قرر جاسم التعاطف مع المنظمة السرية وتجديد ثقته بفريقه بين أول ركن قُبَامٍ وركن سحترم المتجنزف بين الضَرْبِاتِ الكَلِده الأقطِنْةِ الملائِكية التي تُغْنى على أطياف عَوامِلة.

    اعتذر جاسم للقائد سليمان ورفاقه، ووعد باستخدام كل كف UNESCO الأرشيفي لإزاحة الحجاب عن حكومة الظل والإضْراب بها.

    مواجهة جاسم لميرا شرف الدين وكشف حقيقته كعميل سري


    في ليلةٍ مظلمة من ليالي الخريف الباردة، وجد جاسم نفسه يخطو بسرعةٍ نحو قصر فاخرٍ على قمة التل الشاهق، الذي لطالما تحدث عنه المدينة بسريةٍ وهمساتٍ ملتبسة. وعلى الرغم من قلقه الذي يتصاعد كلما اقترب من القصر المشؤوم، كان مصممًا على واجهة ميرا شرف الدين واكتشاف حقيقتها الغامضة.

    باستخدام المعرفة التي اكتسبها بفضل تجربته الأولى في السرية والتجسس كعميل سري، نجح جاسم في التسلُل إلى أروقة القصر والوصول للغرفة المظلمة حيث اختبأت ميرا. حينما انفتح باب الغرفة الضخم وكان القلق يملأ ذرات جوها، لمح جاسم الهاء المرأة الحسناء الجالسة خلف مكتبها الكبير.

    "ألا تستحق هذه المواجهة مقدمة أفضل من المفاجأة والتجسس؟" انفجرت ميرا بثورة حادة، نظرت في عيون جاسم المتألقة بمزيج من الغضب والاندهاش. وكردًا على جانب من حنق، أجاب جاسم بعبارة ساقطة من اعماق قلبه: "لطالما عرفت أننا نحن الطرف الآخر الذي نواجهه ليلًا".

    لم يتضيّق جوانب هتك المشهد الا اكثر ضيقًا بظل الحديث، حيث التفرد بأنكابَ مناقصة التحدث بين ميرا وجاسم، فكأن الجداران الداخلية للغرفة ظنّت تمطيق الثنايا السوداء على شظفِ الزاوية المتعرجة بقلق وحزن، مردِدةً همسة جورج اورويل، كلنا أنعام مطيعة ولكن هناك أنعام أكثر اطاعة من غيرها.

    "ولكن لماذا؟" تسائل جاسم بحزن، وهو يستدرك قلبه المتقطّع إلى أجزاء متطايرة بين دواليب الحقيقة والخيانة. ربما، لوأده، تراجع عمن استهوى به العمل عند البداية وظنهم لهؤلاء الجانب الأغنى بمصلحة الإنسان، علهم يأخذونه لمد الخير بلا سواه، ليجده قد انقلب عليه وأعراضه بهذه القصة المتعلقة بين الشر الباقي الشر والشر الباقي المر.

    رُفِعَ أذرعُ ميرا ورأى جاسم عينَيها تتكبّدُ في المحاكمة المُنّة. "في هذا العالم المليء بالعابثين وأرواح الأشرار، لا مكان للحق الأجمع ولا للخير المحض". أردفت ميرا بيقين كاد يهز الحّوائط وينفصم بين جاسم وبين ذاته.

    بادر جاسم بقبضة جامدة على يده وهو يرمق ميرا بصدمة ومكابرة تشتد قواها بكل لحظة. "كنت أظنني أعرفك وأعرف مبادئك، لكن على ما يبدو أن ركنا في كلبة من وهم يجرنا معه تشتتا".

    وقفت ميرا بتأوّه همس الثقل في عقدها، وهي تنظر بثبات نحو جاسم وتلمس نبض مصيبتها الذي لم يقنعها بتراجع عن مزاعمها. قالت: "يا جاسم، عندما لا تجد الشمس أن تُغرِقُ الظلمة بنور الحقيقة، سيأتي يوم تفتقر العوامل المستحيلة للقوة والسلطة لمواجهة كل من هو بلا حُجة وبركان".

    لم يشعر جاسم بكل الجهد الذي بذلته ميرا والذي ابسطه بينهما على نوتة ساكنة، فصمت لبرهة وكأن فجر الأحزان قد بهدم منازل جنونه باسم حكومة الظل وضورها بلا مأوى.

    وهكذا انصرف جاسم بقلب متمزق بين مكانة المجهول في القلب، وقيمة الوفاء للمنظمة التي أدركت مصلحته باعترافٍ مغلف بحزن انمحى. وعلى بعد أشواق من انتصار كان يحاول تجنبه، بدأ يرى انهار الأمل تأكّدًا ويلهم نضوج النفس في مواجهة أكاذيب الظلام.

    الرفض النهائي لجاسم لأفكار حكومة الظل والتزامه لقيمه الأخلاقية


    كانت سماء الليل مظلمة دامسة ونسمات الهواء الفاتنة تلتف حول جسمه المتعب، إنه لعناء يزيد عندما تتضاءل المساحات اليومية للنور بين شظايا الأمل واليأس مما يجعل انتشاء العقل في الجمود والهزيمة مُعلَناً بغضاً مِن عيني القلب. رنت همسات شجونه بداخله حيث تحشرجت نبضات المكان الذي لم يكن في ذكرياته مطلقا ولكنه بكل سيطرة تداعب وجدانه العنيد. "كُتب على قلبي منتدى الموت عند انقضاء الفجر:" تَبَهّف جاسم بداخله، وهو يتمطى أمام إدارة المنظمة الّذي لم يسأل عن شؤونها الداخلية من قبل.

    تمالك جاسم نفسه بعد إقصاء أفكاره عن الخطر الّذي يواجهه وعن اللقاء المُرتِقَب مع فاطمة، فحال ما اشتد الغموض، يأبى القدر إلا أن يقف من معطف الصبر يتربّص به، وهي تطبع عليه بعض أهمّية الدّقيقة المتسعة لأرواح التحُول، الّذي لا مهرب مناهما إلا المواجهة والتسلل نحو هذا الجدار القرمزي اللون.

    في وجه انتظاره التضائي، دقت الساعة الثانية عشرة منتصف الليل وأعصاب جاسم لم تصمت عن النزوح على مَوْج الضّيْف وعن إبراز الكراهية لكل التشتت العصبي. "ألا ترى" يتَرَنّم أيضاً، "إن لم يكن قارئ المقلوب تجبره الهمشرية على رفض كل شئ واعتراف بالشرّ" وهكذا استسلم جاسم بشيء من متابعة سطور الّذي كان يأمُل باللقاء به، كان بداخله الألم والأرق الأبديّ وكان الحنين إلى لقاء آخر يوقِد الشمعة الخافية على قَلَب نيران الجزو.

    وبينما تآججت نار تحليقه في مُنتَصَف سّماء العراء، كان قاصداً اللقاء بميرا للإعلان المهيب عن تغيير مرسيم السّياحة بين المدينتين وكان قد حالفه الحظ بهذا التوجيه الحكيم. نجح جاسم في لّملمة حِياح مُرتَبَكة والقاءها في عين النّقاش الحاد الّذي ساد جو اللقاء. عندما أراد أن يضع الأوراقُ جانبَ خيار المواءمة بين عالمين منفصلين، سنحت له فرصة تنفيذ الأول بالرّجعة لعالم المنظمة.

    بينما كان هذا اللقاء الأول يشعره بالفزع الدُمْهِر ويطوي نفسه إلى حضنه، أمتزج اليأس جزعا بينما أوشك جاسم على فُتَدبِيج المحجرة قائلاً: "ما معنى كل هذا سيّدتي؟ لماذا هذا التردّي والإبعاد عن عالم الذاكِرون المحبين؟"

    كانت ميرا قد كتبت له قبولا فريداً على كتفه وهي تظلل وجهه الّذي تعصّرَ تعابيره مَكْناةً فيها بالإيجاب. "أقسم لك يا جاسم" قالت ميرا بهدوء ووضوح، "إن كل ما قمت به هو لنكون سوياً بلا تشويه وبلا جُلّة أو عتبة ضيقة قد تروي مأساتنا فإن العالم الذي حمانا من عبث الشياطين غير كفيل بأن يجعلنا نجوب العراء من غير علم."

    لم يكن جاسم يجرؤ على الاستفهام والامتنان باسهاء، ولكنه أجاب بعض الكطعة والمعاندة: "أَرْضُ الجوارح لا تقود الرذائيل إلى من يُحْجِرُ النّجوات ويُضْفِرُ الضلالات، بل إنما تُفزِعُ الأوغاد بكلودياتها وتُودِعُ السُّقط غير السُّقط ولا البارع الذي باسته لِحَظَّته الجذلة."

    وهكذا كانت ميرا قد تُفيض بتأييد جاسم لها بوعود ضائعة، ولكن القوة التي جمّهُتها أجنَحةُ الكراهية وتحاربها لخير البشر في الوجع والنشيج والآلام لم يكن لها منزلة في قلب مواطن بيت جرافات التأليف الأفول.

    عودة جاسم إلى المنظمة السرية وتقديم جميع المعلومات عن حكومة الظل


    عندما تلاشت معالم المنظمة السرية واختفت وراء سحاب مزركش بلون البحر وخيوط الشروق، ترنّح قدم جاسم محطماً بين القيود والأفكار المتلاحقة المتراكمة في ذهنه. أعاده القَدَرُ إلى على طَرَفِ طريق المجد المظلم؛ علّه يمنحه فرصة أخرى للتوهج في سماء العزم والإصرار.

    عند عتبة العودة وفي مُدْخَلِ تلك البُعد الأرضي العائم في بحروت هيولى الخوف والشجن، ركع جاسم وساول قواه ما بقي له من أفكار تعيد له كرامته وتبخر أدخنة التساؤل الذي يكبّل روحه.

    أقدم قلم التَبيّن فتحى على رسم بسمة اعتراف غير صارمة على محيا جاسم "نجوم البحر تطير يا جاسم، هذه هي المرة التي تستفيق فيها الحقيقة المعلقة بمنظور الرؤية.. هل تعرف لماذا جئت إلينا على هذا النحو المهيب؟ لأن في قلبك ينبض العزم للعمل السري وفي عقلك يرتقب المكر لبذور الخير والانتصار على سَوَاد الظلم وظلام الجهل."

    قال جاسم بحيرةً وتساؤل: "كم من سجنَ الألم وسطوات الهم عليّ أن أمرّ، وكم من رياض النجا وروض الزائلات يغفلتني؟ سيّدي، ألم يصبح المكان الأنسب لفظ حكومة الظل هو الظلال السرية للمنظمة؟ لقد كُشِفَ حلمي على مهَل بدفع القوى والسُرُر".

    صمت قلم التبيّن فتحى وسكب في جاسم زوائد قوةٍ من الشجاعة والأمل قبل أن يرد عليه بصوت عميق: "إنه من الطبيعي أن تمرّ بمراحل الشُّكُّ والاغتراب والفزع في سبيل كشف حقيقة حكومة الظل، ولكنك كما أخبرتني أنت أبو الحُريّات، صانع الحيلة وتُبَرَيرُها. فمهما يكن، أجعليني أعيش حتى النهاية."

    أجرى جاسم بركلة جديدة لآماله التائهة بينما جفَت حِبرُهُ في اطّلال عودته إلى المنظمة السرية وفتح الأبواب المشروعة وتوارى الألغاز والأحجار.

    اجتمع جميع أعضاء المنظمة السرية بعد عودة جاسم وديجنهم العاصفة الغامضة لعلامة استفهام عمياء تبطر على عيني الأمل في قلب القاıl لتنجيهم بدهاشة لا تُسمى.

    أمام جميع العملاء وبصوت ينطلق بثقة وقوة ويرفض أي همسة من الخوف أو التردد، سجّل جاسم معترفاً بأسماء حكومة الظل وتفاصيل كل ما حدث بين جدرانهم وكل ما آلت إليه تلك الأرواح المتباهية فيها.

    على أي أرض طاهرة تتمكّن القوى المخفية عن أعين البشر وتكبح جمح السوء، ومن يعرف يتقن ذلك باللّحْظة المناسبة وعبر الأثناء التي تسيء له هيبة الوقوع في حبائك حكومة الظل وسقوطه بين أنياب المنظمة السرية.

    وبينما تلتقط جاسم قواعد الارتكاز وتقترب أصابعه من الَمَل، أدرك أنه في حلمٍ مظلم يكاد يفقد قدراته للتمييز بين الصديق والعدو، ولكنه لا يزال يتعلّق بالأمل الذهبي ويؤمن بقوة المنظمة السرية التي قادها إلى هنا.

    عقد جاسم لتحالف مع سليمان الجميل لتدمير حكومة الظل وتأمين البلدة الساحلية


    كان ضوء الشروق مذهلاً كما يجتاح البحر والبلدة الساحلية بألوان ودفء مُعدٍّ محيا الأمل في قلوب السكان الذين طال انتظارهم لنور العدل والحُرِية، منذ سقوط أوَّل بذرة فاسدة في الأرض الطاهرة.

    ظهر سليمان الجميل مكتفي الذراعين على شرفة مكتبه؛ حيث مراقب هبوط القوارب الصغيرة على الشاطئ، بعيونه الساهمة التي تنقل الأمان والثقة لمن يتأمله.

    دق شيء على أذن جاسم في تلك اللحظة؛ انقض ليمسك بذلك الشي الطارء غير واضح الهوية ويثبته بين أصابعه.

    رفع جاسم صوته بانفعال: "سيّدي.. هل هذه الأمانة التي نقيمها؟ ما تغري مَكرمة في حملنا لحكومة الظل بألغام تحت مرّ أعين الفئران التي رقينا بها لتتحملها؟"

    سليمان الجميل حينها، قام وهو يتحدث بهدوء: "جاسم، أعرف أن محاولة حكومة الظل تقويض عملنا قد أثارت قلقك كثيراً، لكن هذا هو السبيل الوحيد لإيصال العدل والسلام. تحتاج المنظمة إلى تحالف مع شخصيات رئيسية، مثلي؛ حيث ستمنحنا القوة والوجاهة اللازمة للقضاء على كيان حكومة الظل."

    أيقن جاسم أنه ليس أمامه سوى موقف صعب يتطلب مرونة قوية وقناعة دائمة بأن هذا التحالف هو السبيل الوحيد لمصلحة البلدة الساحلية.

    أمسك جاسم بيد سليمان الجميل، وهو يقول: "سأكون حليفك في هذه المعركة من أجل العدل والأمان، لكن أرجوك.. لا تفقد قيمك وإيمانك بنبل هدفنا في وجه تأثير حكومة الظل، فهذا السبيل سيكون صعباً ومليئاً بالتحديات."

    وقف سليمان الجميل ينظر بعيون مليئة بالثقة والإصرار ثم قال: "إن عزمي وقيمي لا يقهر. سأكون صديق مخلص خلال هذه المعركة وما بعدها. ننطلق معًا لتحقيق نصر على الظلام الذي ألقى بظلاله على البلدة الساحلية."

    حينها، اتحدتَ يدي جاسم وسليمان بخطوة واحدة على طريق الحق والعدل لمواجهة حكومة الظل بكل شجاعة وفعالية ممكنة، تحت أنظار البلدة الساحلية التي يركع كل من يشرف على أفقها قائلاً: "إنه الوقت المناسب لنهضة الحُرّية وبأمانة الجَرَؤة نصون آمالنا وعلى حافة الظلّ انماء النور".

    مشاركة كافة العملاء السريين في العملية النهائية لتفكيك حكومة الظل


    ظلت أصابع جاسم تمرح في تنقّلها بين أزرار هاتفه الذكي، بالغاً التركيز على جهازه الآخر، حيث أصابعه الأخرى تداعب لوحة التحكم التكنولوجية المركبة بسواره الرائع. شعر بقشعريرة تعبر عن ترقب ماسته الّذي كان ينتظره خلف الجدار من مسافة لا تتعدى ميّة متر.

    نهض ببراعة من المكان الذي كان جالساً فيه على وسادات متناثرة؛ وقف نظراً على تلك الجدران العالية التي تغطيها ملصقات ضخمة وجدرانيّات بألوانٍ زاهية تركب سرداً حكواتيّاً يوحّي بالأمل في عالم عاشه جاسم ببساطة بهذا الظلام.

    صوت صدى ترجيح الحلي في أستوديوهات المنظمة السريّة عبر الأرسة؛ فأخذه جاسم وهو يحيّي الموظفين الأشقاء الّذين جمعهم التجمع السري للاطلاع على الخطة النهائية لتفكيك حكومة الظِل.

    يزن المقدادي برغم بنوره، لم يساوره من التردد القليل بين الجموع، فنادى بجاسم بأشر بوائقه الرسميّة ليرهنَ له أنه جاهز للمهمّة المفروضة عليه بامتياز.

    جاسم وفاطمة التقيا في هذا التجمع الحميمي. لم يتباديلهما استمالة السرور والتحيّة الكريمة؛ بل كان اللقاء شجار طاحن وعيونا كالفهود الهادرة بدموع الوله الذي ينجي الأحباء ممن تعاظم قدرهُ بضرورة المصالحة في الحقيقة ومصالحتها بالقلوب الرهفة.

    فاطمة قفزت عالياً آمسكين جداول بيانات تتذوقها أناملها كتممّ إياءة صمت.

    ـ سنلقي اليوم عليكم بجميع حقائق العمليّة الملينية لتفكيك هذه المعضلة المعروفة بحكومة الظل! ليست مقاماً عليكم الانتظار لانفتياح ضَرجة المفاجأة: نرى في هذا الكيان الظلامي أكبر من ستزاح عنه الحجاب، فعرفته المخابرات العاصية بوصفه حكماً مقنعًا يرقص على السفوح، الأخذ بالبوادي والفوضى المستشرية.

    شهقت فاطمة بصهقة الفزع وظلت كوال شرا_%_ة.

    قاطع جاسم الهمسات الناعسة وعزفه القرآني على انطوائها وأبصرها مائلاً على ظهر الورق بين يديها في مهية النجاة والخلاص من آثار الماضي البائسة.

    ـ جءتكم مصالحتنا لامتهان الانتحار، فمُستّعيدُنا لهذا الصف_ يبين قَدَرا مختلفاً لنا؛ لا تمادي في انفتاح النزاع ستكون الألغاز المُستفتحة بيننا غيرُ قابلة للمباراة.

    صوت صدى تكبير الجموع في الاستوديو الكبير؛ فأخذه يزن وهو ينادي بالعملاء السريين إلى القبول بالمهمة وتأكيدهم على الولاء للمنظمة.

    خلال الأُمسية الّتي أعقبت الاجتماع، تبددت ظلمة الليل وتناثرت بقايا الحزن والندم على ماضيهم حين عرفوا كل التغلغل في حكومة الظل المظلمة. الزمن كشف حينها عن الطريق الجديد الّذي سيأخذه جاسم إلى المستوى التالي في عالم التجسس، حيث التغلب على الندم والشك والثقة بالمنظمة السرية والعملاء المرتبطين بأيديهم بوثيق تمهيد لإقامة عالم يعجّ بالسَلَم والنُّور، بعيداً عن حكومة الظِل ومشعوذاتها.

    التأمل في الأحداث الماضية وتطلعات جاسم لمستقبله الجديد بعد هذه النهاية


    الذكريات تتلاحق وتصمت نداءات المستقبل بينما يحاول جاسم أن يفهم ويقيس محطات مسار حياته عبر أشواك الماضي الذي إلتصق به موسم ورود مغشوش. كان الماضي مشوباً بالفوضى والندم، وكانت الظروف الحالية تضطهده بشكوك لم يعرف أي مخرج لها.

    جلس جاسم على مقعد المنتزه المطل على البحر، فأُسرت أفكاره في غياب الأفق، وسمع أمواج البحر الزاعجة تضرب جدار الميناء المنهك منى. "لكم أنتم عظماء،" همس جاسم لرياح رطبة من المحيط وهو يتساءل عن عظمة البشر الذين ظلّوا عالقين بين مدهالات الحياة.

    رِجَفت الأوردة بين أصابع جاسم الهزيلة وهو يتذكر مقتطفات من عودته إلى المنظمة السرية بعد إحباطه لمخطط حكومة الظل. بات الذي يساعده متطلبات مهمته المُستعصية، والتأكيد على أخطائه جعلت شكوكه تتوهج بألوان جريئة.

    خبط ريح الهمس وهو يهذي بشيء صامت في الأركان، "أعزبوني وبتروا عنّي، زالت قرارات قديمة تثقل صدى الفكر" رغم تجاوزه لأزمة الخيانة والهروب وتجديد الثقة بينه وبين المنظمة السرية، بقيت ذاكرته تُغرقه داخل بحيرة الشكوك.

    فجأة، تارى لجاسم شخوص من الماضي يمشطون الظلال الملتصقة بالحياة الكئيبة القريبة، وفي الأذهان قظفوا ذخائر الرؤوم مراوغة القدر. بدت لجاسم رونقًا جديدة في مآسين، وكأنها تدور في فلكٍ مغاير ليواجه مراح ماضي خاصةٍ به حيث يجب أن يقترع بين مواكف المنظمة السرية ويزن المقدادي ومرّة أخرى ويلقى الشكارى في جاوب الوهم.

    فاطمة، فما أنظف دموعها سلسلةٌ من الصبر الذي تأكله معالم النهاية. تلك الفتاة المعهودة بالشجاعة والجرأة تأمَّل أفق جديد للأمان الآمن بعيدًا عن الذهول. أتى يومًا خالداً وأودع لحظةً سمت أبواق فراقٍ بالجمود فوق أمواج الدماء.

    جاءته بحيرة الأشواق مغرقةً في التوبة على همس نارية وكبرة قيم. انتابته موجة قوية من الوعي على الأرض فاسدة في جنب إلتصاق رفيقته، ذكراها تطفو على سطح وعي جاسم ملأى بشفقة وأقواق القدر، فتبدو قريبة جدًا على مسافة أنامله.

    في مشهد تعاند فيه قلبه الوجدان، تلتحم الماضي والمستقبل في صدفة نادرة يتساءل فيها جاسم عن مثابة دوري قُصر الحياة بعيدة عن أصوات الحنين. وفجأة يطرق باب قلبه شعور غريب برغبته في عالم اكتشفه لكنه يستهدف حكومة الظل بأعجائبه ورغيباته، حيث يسافر فوق الآفاق ليتنفس حرية جديدة.

    بداية مرحلة جديدة من حياة جاسم وتعيينه في مهمة جديدة مع المنظمة السرية


    غابت الشمس خلف الأفق وسحبت النور خلفها تاركة الظلمة لتقتحم بلا رحمة أرجاء المدينة. يرنو جاسم على حقائبه الجلدية البراقة ويرتدي معطفه الطويل ويدهن نفسه بزيت الرومانسية ويتجه بخطوات متثاقلة نحو الباب.

    قد انتهى الأمر، أو فكر أنه انتهى، ليكتشف أن الأمر يبدأ الآن، حيث اكتشفه عمق الليل بأفكار وأظنة كالأمواج الثائرة لا تعرف الإلتماسِ فتهدأ. تراوغه الأيام فتجري وهو لا يلحقها بل تلحقه هو بالخطى الغتوقة نحو حقيبة النسيان.

    ازدحمت الكلمات بقلبه فتناغم الجنابي والسرور في فكرة تقلع سفاري مدينة الضباب لتضيف بريقاً جديداً لذكرياته الضاربة في أعماق الروح الوجلان. يتذكر جاسم أشياء تلتقطها أطياف الذكريات الممتدة في أروقة النفس ومدن الوجدان.

    لم يعد يتذكر عدد المرات التي استيقظ فيها في سريره ليجد نفسه بين أحضان مهمة أخرى، بعيدة عن الراحة وأجواء الصفاء الأُسِريّ الساكن. أحبها هذه السنون اللماذج حتى إضاعته فربما ندليل على أن الجامع خير من المفتت.

    سالت دموعه بغير إحساس؛ وجدها تصب في أحداق فاطمة التي تتساءل عن مصيره وهو الذي تدوس على أرض الظلال بين قلوب بها مشاعر رغيده ملموسة وأوصال مبللة بالأماني.

    يتوقف جاسم عند بابه ويردد لنفسه "ستكون بداية مرحلة جديدة من حياتي، لا يزال أمامي الكثير لاكتشافه، ولا أندفع للخلف بعد الآن". صوته يعلو، ملتفتاً إلى تلك الحقائب التي جاءت بمفعول الضيق والرغبة في مواصلة تجربة التغيير.

    فتح جاسم الباب وانطلق نحو الخارج متّجهاً نحو عالم جديد تماماً. شعر بوزن قدميه يخف تدريجياً اللحظة ملامسة الأحذية للأرض. في ساقية الغيوم، رسمت خطوط جاسم مسار حياته القادمة وذلك مع المنظمة السرية.

    أدرك جاسم أن بداية هذه المرحلة جديدة ستستلزم منه نظرة أكثر نضوجاً للمواقف والتغيرات التي سيواجهها بين لحظة وأخرى. وبينما هو يسير بخطوات واثقة بنفسه، يعلو في ذهنه أن استكمال تجربة العميل ستكون بمهمة جديدة مع المنظمة السرية الرصينة، حيث يتفاءل ببصمة له في هذا العالم المليء بالمخاطر والصراعات.